...
Ad

منذ حوالي 5.5 مليون سنة، كان البحر الأبيض المتوسط معرض لخطر الاختفاء. حيث تعرض ​​لحدث كارثي أدى إلى محو ما يقرب من ثلاثة أرباع مياهه، تاركًا وراءه رواسب ملحية ضخمة. كان هذا الحدث، المعروف باسم أزمة الملوحة الميسينية (MSC)، موضوعًا للنقاش منذ فترة طويلة بين العلماء. وتلقي دراسة جديدة الضوء على الغموض الكامن وراء حدث التبخر الضخم هذا. ومن خلال تحليل نظائر الكلور في الملح المترسب في قاع البحر، وبناء نماذج رقمية ومحاكاة، تمكن الباحثون من رسم مخطط يوضح متى وأين وكيف فقدت كمية كبيرة من مياه البحر الأبيض المتوسط. في الواقع، حدثت عملية التبخر القصوى على مرحلتين، وفقًا للفريق الدولي الذي يقف وراء الدراسة الجديدة.

توفر نتائج الدراسة رؤى قيمة حول أزمة الملوحة الميسينية، مما يحل نقاشًا طويل الأمد حول ما إذا كان البحر الأبيض المتوسط ​​معزولًا تمامًا عن المحيط الأطلسي خلال هذا الحدث. البحث، الذي نشر في مجلة “Nature Communications”، له آثار مهمة على فهمنا للتطور البيولوجي والجيولوجي والمناخي لمنطقة البحر الأبيض المتوسط ​​وخارجها.

مرحلتي أزمة الملوحة الميسينية

شملت المرحلة الأولى 35 ألف عام من تدفق المياه المقيد بين البحر الأبيض المتوسط ​​والمحيط الأطلسي، عبر ما يُعرف الآن بمضيق جبل طارق. ونظرًا لعدم تجديد مياه البحر بالمياه العذبة، فقد أدى هذا التقييد إلى تسريع ترسب الأملاح وتبخر المياه في البحر الأبيض المتوسط.

وفي المرحلة الثانية، التي استمرت على مدى العشرة آلاف سنة التالية، أصبح البحر الأبيض المتوسط ​​معزولاً تماماً، وتسارعت العملية برمتها مما هدد باختفاء البحر الأبيض المتوسط

ووجد الباحثون أنه في بعض المناطق، ربما انخفضت مستويات المياه بما يصل إلى 2.1 كيلومتر. ومع تراجع المياه في المرحلة الثانية، فإن الأحياد تحت الماء عبر مضيق صقلية ربما أصبحت مكشوفة، كما يقترح الفريق، مما أدى فعليًا إلى تقسيم البحر الأبيض المتوسط ​​إلى قسمين وتشكيل جسر بري بين إفريقيا وأوروبا.

وقد أدى ذلك بدوره إلى معدلات أسرع من التبخر في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث كان من المحتمل أن يحدث أكبر انخفاض في مستوى سطح البحر، وقد تم العثور على معظم رواسب الملح عبر كل من هاتين المرحلتين.

لقد ناقش العلماء لفترة طويلة كيف نشأت ظاهرة أزمة الملوحة المسينية، وما إذا كانت قد حدثت عندما انفصل البحر الأبيض المتوسط ​​​​تمامًا عن المحيط الأطلسي. تشير هذه الدراسة الجديدة إلى أن المدرستين الفكريتين على حق، فقد كانت عملية من مرحلتين.

اختفاء البحر الأبيض المتوسط

العصر الميوسيني المضطرب

لا يتعمق الباحثون في الأسباب التي أدت إلى عزلة البحر الأبيض المتوسط، لكن أواخر العصر الميوسيني كانت فترة من النشاط التكتوني المكثف والدرامي. ولابد أن تكون منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​نفسها قد تسببت في المزيد من الاضطرابات، مع رفع الضغط عن القشرة السطحية، وجفاف المناطق المحيطة.

ويشير مؤلفو الورقة البحثية المنشورة إلى أن الانخفاض الهائل في منسوب مياه البحر الأبيض المتوسط ​​أثناء أزمة الملوحة الميسينية، والذي أدى إلى فقدان 69% من حجم المياه، كان من شأنه أن يخلف تأثيرات مناخية عالمية كبيرة. وكان من شأن هذا الانخفاض الكبير في حجم المياه أن يغير أنماط هطول الأمطار العالمية.

اليوم، أصبح مضيق جبل طارق أوسع وأعمق بشكل ملحوظ مقارنة بما كان عليه خلال المرحلة الأولية من أزمة الملوحة الميسينية. وإذا كان انقطع هذا الاتصال بالمحيط الأطلسي، فمن المتوقع أن ينخفض ​​مستوى مياه البحر الأبيض المتوسط ​​بنحو نصف متر سنويًا.

وفي نهاية المطاف، أدى حدث فيضان زانكلين إلى عكس تأثير الأزمة، ولكن هذه الدراسة الجديدة تقدم رؤى قيمة ليس فقط حول البحر الأبيض المتوسط، ولكن أيضًا حول التغيرات التي حدثت في جميع أنحاء المنطقة خلال هذا الوقت التكويني في التاريخ.

الإرث الدائم لأزمة الملوحة المسينية

أحد أهم الجوانب لإرث أزمة الملوحة المسينية هو التوازن غير المستقر لمستوى مياه البحر الأبيض المتوسط. ولولا مضيق جبل طارق، الذي يربط البحر الأبيض المتوسط ​​بالمحيط الأطلسي، لانخفض مستوى سطح البحر كل عام. وهذا يسلط الضوء على الدور الحاسم لهذا الممر الضيق في الحفاظ على التوازن الدقيق للنظام البيئي للبحر الأبيض المتوسط.

وتعد هذه الأزمة أيضًا بمثابة تحذير لعواقب التغيرات البيئية الجذرية. إن انخفاض مستوى سطح البحر، كان من شأنه أن يكشف مساحات شاسعة من الأرض، ويغير المناخ الإقليمي ويعيد تشكيل نسيج منطقة البحر الأبيض المتوسط. تقدم هذه التجربة الطبيعية رؤى قيمة حول الآثار المحتملة لتغير المناخ الناتج عن النشاط البشري على كوكبنا، مما يؤكد الحاجة إلى الإدارة المستدامة لمواردنا الطبيعية.

علاوة على ذلك، فقد تركت الأزمة علامة لا تمحى على التنوع البيولوجي في البحر الأبيض المتوسط. ومن شأن التقلبات الشديدة في الملوحة أن تشكل تحديًا كبيرًا للحياة البحرية، حيث تكافح العديد من الأنواع للتكيف مع البيئة المتغيرة بسرعة. وهذا بدوره كان سيؤدي إلى تطور أنواع جديدة أكثر ملاءمة للنظام البيئي المتحول.

المصادر

The Mediterranean Almost Vanished Millions of Years Ago. Here’s Why. | science alert

Chlorine isotopes constrain a major drawdown of the Mediterranean Sea during the Messinian Salinity Crisis | nature communications

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


بيئة جغرافيا

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 546
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.