المشهد الإعلامي العالمي في حالة أزمة. حيث مستقبل صناعة الأخبار مجهول وتواجه تحديات غير مسبوقة. ويهدف يوم الأخبار العالمي، الذي يتم الاحتفال به في 28 سبتمبر، إلى رفع مستوى الوعي حول الصراعات التي تهدد وجود الصحافة. وبدعم من مئات المنظمات، بما في ذلك وكالة فرانس برس، يسعى هذا اليوم إلى تسليط الضوء على أهمية الصحافة الحرة والمستقلة في عالم تتآكل فيه الثقة وتتزايد فيه المعلومات المضللة.
محتويات المقال :
مستقبل صناعة الأخبار المجهول
لم يعد نموذج الأعمال التقليدي، الذي اعتمد بشكل كبير على عائدات الإعلانات، مستداما. وفي عام 2022، حذرت اليونسكو من أن نموذج أعمال وسائل الإعلام الإخبارية غير فعال. والمفارقة هي أنه في حين يستهلك عدد أكبر من الناس الأخبار أكثر من أي وقت مضى، فإن إيرادات المؤسسات الإخبارية آخذة في التضاؤل.
لقد قلت الإعلانات، التي كانت ذات يوم شريان الحياة للمنشورات الإخبارية. حيث استحوذت شركات الإنترنت العملاقة مثل جوجل، وفيسبوك، وأمازون على نصف الإنفاق الإعلاني العالمي. وقد أدى ذلك إلى انخفاض كبير في إيرادات المؤسسات الإعلامية التقليدية، مما أدى إلى تسريح العمال وإغلاق المؤسسات وتقليص الإنفاق في جميع أنحاء العالم. وقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى تسريع هذا الاتجاه، حيث تكافح العديد من وسائل الإعلام من أجل البقاء واقفة على قدميها.
ومما يزيد الطين بلة أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك تعمل الآن على تقليل أولوية الأخبار والمحتوى السياسي، مما يؤدي إلى انخفاض حاد في حركة المرور إلى المواقع الإخبارية وزيادة انخفاض الإيرادات.
كما لا يرغب سوى قِلة من الناس في دفع المال مقابل الحصول على الأخبار. فقد قال 17% فقط من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع في 20 دولة غنية إنهم اشتركوا في الحصول على الأخبار عبر الإنترنت في عام 2023.
تآكل الثقة
يشكل تآكل الثقة في وسائل الإعلام مصدر قلق ملح وله عواقب بعيدة المدى. في عصر أصبحت فيه منصات وسائل التواصل الاجتماعي المصدر الرئيسي للمعلومات للكثيرين، أصبح الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال غير واضح بشكل متزايد. كما أدى ظهور المؤثرين ومنشئي المحتوى إلى الابتعاد عن مصادر الأخبار التقليدية، حيث يعتمد العديد من الشباب على هذه الشخصيات للبقاء على اطلاع.
لكن ما هو السبب؟ أحد العوامل الرئيسية هو الطريقة التي تعطي بها خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي الأولوية للمحتوى المثير والاستفزازي على التقارير الواقعية. وقد أدى ذلك إلى خلق بيئة يمكن أن تنتشر فيها العناوين والمعلومات المضللة كالنار في الهشيم، وغالبًا ما تُهمل الأخبار الحقيقية. ونتيجة لذلك، أصبح الناس متشككين بشكل متزايد في المعلومات التي يتلقونها، وتراجعت الثقة في وسائل الإعلام.
علاوة على ذلك، أضاف انتشار المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي طبقة جديدة من التعقيد لهذه القضية. بفضل القدرة على إنشاء نصوص وصور مقنعة، سهّل الذكاء الاصطناعي انتشار المعلومات المضللة. إن منافذ “الصحافة المزيفة” (Pink slime outlets)، وهي مواقع الويب ذات الدوافع السياسية التي تقدم نفسها كمنافذ إخبارية محلية مستقلة، مدعومة إلى حد كبير بالذكاء الاصطناعي.
إن العواقب المترتبة على تآكل الثقة هذا بعيدة المدى. عندما يصبح الناس أكثر تشككا في المعلومات التي يتلقونها، فإنهم أقل عرضة للتفاعل مع الأخبار، مما يؤدي إلى انخفاض في عدد القراء والمشاهدة. وهذا بدوره له تأثير مباشر على نموذج الأعمال المتعثر بالفعل في صناعة الأخبار، مما يجعل من الصعب على الصحفيين القيام بعملهم.
ثورة الذكاء الاصطناعي
أحدث ظهور الذكاء الاصطناعي ثورة في عالم الصحافة. فمن ناحية، يتمتع المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تعزيز عمل الصحفيين. ولكن، أثار ظهور التقارير والمقالات الإخبارية التي ينتجها الذكاء الاصطناعي مخاوف بشأن الأمن الوظيفي واحتمال استبدال الصحفيين البشر.
في تجربة حديثة، قدمت منصة البث الأمريكية (Peacock) تقارير مباريات مخصصة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي خلال أولمبياد باريس. وفي حين أن هذا قد يبدو كخطوة مبتكرة، إلا أنه أثار مخاوف عديدة.
وعلى الرغم من هذه المخاوف، قررت شركة أكسل سبرينغر (Axel Springer) الألمانية العملاقة للإعلام الرهان على الذكاء الاصطناعي مع إعادة التركيز على أنشطتها الإخبارية الأساسية.، حيث سيقوم الذكاء الاصطناعي بالتركيز على مهام الإنتاج الشاقة حتى يتمكن الصحفيون من تخصيص وقتهم للإبلاغ عن الأخبار وتأمينها. ويتمتع هذا النهج بالقدرة على بث حياة جديدة في صناعة الصحافة، مما يسمح للصحفيين بالتركيز على ما يجيدونه، وهو رواية القصص المهمة.
في حين أن الذكاء الاصطناعي يمكنه معالجة كميات هائلة من البيانات وإنشاء المحتوى بسرعة، فإنه يفتقر إلى اللمسة الإنسانية والقدرة على طرح أسئلة مؤثرة. كما يجلب الصحفيون مستوى من الذكاء العاطفي والتعاطف في تقاريرهم، وهو أمر يصعب تكراره باستخدام الذكاء الاصطناعي وحده.
مكافحة التضليل
أحد الحلول هو أن تقوم المنصات بإنشاء مؤشرات لموثوقية الأخبار، مثل مبادرة الثقة في الصحافة التي أطلقتها منظمة مراسلون بلا حدود. وهذا من شأنه أن يساعد المستخدمين على التمييز بين المصادر الموثوقة والصحافة المزيفة.
هناك نهج آخر يتمثل في قيام الحكومات بتنفيذ اللوائح التنظيمية وقمع المعلومات المضللة، كما رأينا عندما علقت المحكمة العليا في البرازيل الوصول إلى منصة x. ومع ذلك، يرى النقاد أن مثل هذه التدابير يمكن أن تكون قاسية وقد تنتهك حرية التعبير.
ويجري أيضًا استكشاف حلول مبتكرة، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي لاكتشاف المحتوى المشبوه والإبلاغ عنه. في حين أن المعلومات المضللة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي تشكل مصدر قلق، فمن الممكن أيضًا تسخير الذكاء الاصطناعي لمكافحتها.
الحرب العالمية على الصحفيين وحرية الصحافة
إن مستقبل الصحافة لا يتعرض للتهديد بسبب المعلومات المضللة والذكاء الاصطناعي فحسب، بل أيضًا بسبب قمع الصحفيين وحرية الصحافة. في جميع أنحاء العالم، يتعرض الصحفيون للسجن والقتل والاعتداء بسبب قيامهم بعملهم. وفي عام 2023، قُتل أكثر من 130 صحفيًا في غارات جوية إسرائيلية، من بينهم 32 استهدفوا أثناء قيامهم بالتغطية. لقد تركت الحرب على غزة أثراً “فظيعاً” على حرية الصحافة، وهي ليست حادثة معزولة.
وفقًا لمنظمة مراسلون بلا حدود، يوجد حاليًا 584 صحفيًا مسجونين في جميع أنحاء العالم، حيث تعد الصين وبيلاروسيا وميانمار من أكثر الدول سجناً للصحفيين في العالم. وتحذر المنظمة من حملة “القمع الصامت” الجارية في بلدان حول العالم، بما في ذلك البلدان الديمقراطية، حيث تُستخدم قوانين جديدة تتعلق بالأمن القومي لعرقلة الصحافة الاستقصائية. إن هذا الاتجاه المثير للقلق هو تذكير مهم بأن الحق في حرية الصحافة يتعرض للهجوم، ومعه أساس الديمقراطية ذاته.
في هذه الحرب على الصحفيين، تكون المخاطر كبيرة. وبدون صحافة حرة، لا توجد مساءلة، ولا تدقيق في السلطة، ولا صوت لمن لا صوت له. والعواقب بعيدة المدى، مع تآكل الثقة، وانتشار المعلومات المضللة، وانحدار الديمقراطية نفسها. إنها معركة تتطلب جهودًا جماعية من الحكومات والمجتمع المدني والأفراد لحماية الرجال والنساء الشجعان الذين يخاطرون بحياتهم من أجل تقديم الحقيقة لنا. إن مستقبل صناعة الأخبار المجهول يمكن إنقاذه إذا تصرفنا الآن.
المصدر
‘Broken’ news industry faces uncertain future | techxplore
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :