كشف العلماء عن نسخة جديدة رائدة من أداة تحرير الجينات الشهيرة كريسبر، وهي نسخة لإيقاف عمل الجينات مؤقتا بدلاً من إيقافها بشكل دائم. هذا النظام الثوري، المسمى بـ”type IV-A CRISPR”، لا يقطع الحمض النووي مثل نظام كريسبر الأصلي، ولكن بدلاً من ذلك، يقوم بإسكات التعبير الجيني مؤقتًا دون تغيير تسلسل الحمض النووي. يتمتع هذا الابتكار بالقدرة على إحداث تحول في الأبحاث الجينية ويمكن أن يؤدي إلى علاجات جديدة لمختلف الأمراض.
العلماء الذين يقفون وراء هذا الاكتشاف هم فريق من الباحثين في جامعة فيلنيوس في ليتوانيا. وتكشف دراستهم، التي نشرت في مجلة “Nature Communications” في 29 أكتوبر، عن البنية التفصيلية للجزيئات ضمن نظام “type IV-A CRISPR”، مما يوفر فهمًا أعمق لكيفية عمل هذا النظام.
محتويات المقال :
بداية تحرير الجينات
تحرير الجينات ليس مفهوما جديدا. لقد كان البشر مفتونين بفكرة التلاعب بالشفرة الجينية لعقود من الزمن. بدأت الرحلة في الستينيات، عندما اقترح العلماء لأول مرة فكرة استخدام الإنزيمات لتحرير الجينات. ومع ذلك، لم يتم تطوير أول أداة لتحرير الجينات، تسمى نيوكلييز اصبع الزنك (Zinc-finger nucleases)، إلا في الثمانينيات.
في التسعينيات، ظهرت أداة جديدة تسمى نوكلييز مؤثر شبيه بمنشط النسخ (TALEN). على الرغم من أنها كان بمثابة تحسين على نوكلييز إصبع الزنك، إلا أنه لا يزال لديه قيود. وجاء الإنجاز في عام 2012، عندما اكتشفت جينيفر دودنا وإيمانويل شاربنتييه نظام كريسبر-كاس9. لقد أحدث هذا النظام ثورة في تحرير الجينات من خلال توفير طريقة دقيقة وفعالة لتحرير الجينات.
ويعمل نظام كريسبر-كاس9 باستخدام دليل الحمض النووي الريبوزي لتحديد موقع تسلسل معين من الحمض النووي. وبمجرد تحديد موقعه، يقوم إنزيم كاس9 بقطع الحمض النووي، مما يسمح للباحثين بتحرير الجين. منذ اكتشافه، أحدثت تقنية كريسبر تحولًا في مجال البحث الجيني، مما مكن العلماء من دراسة الأمراض الوراثية بدقة غير مسبوقة.
ومع ذلك، فإن كريسبر-كاس9 له حدوده. إن أحد المخاوف الرئيسية هو التأثيرات غير المستهدفة، حيث يقوم كريسبر بقطع الأجزاء غير المقصودة من الجينوم. وقد دفع هذا الباحثين إلى استكشاف أدوات جديدة لتحرير الجينات يمكنها التغلب على هذه القيود.
إيقاف عمل الجينات مؤقتا
على عكس نظام كريسبر التقليدي، الذي يقطع شريط الحمض النووي، يعمل “type IV-A CRISPR” بشكل مستمر على الجين المطلوب، حيث يقوم بفك الحلزون المزدوج للحمض النووي لإسكات التعبير الجيني دون تغيير تسلسل الحمض النووي. وهذا يعني أن الباحثين يمكنهم الآن التحكم في نشاط الجينات دون إجراء تغييرات لا رجعة فيها، مما يفتح آفاقًا جديدة لاستكشاف كيفية عمل الجينات وتفاعلها.
وبينما يعتمد “type IV-A CRISPR” الحالي على إنزيم محدد لفك الحمض النووي، يتصور الباحثون دمج إنزيمات أخرى يمكنها التلاعب بعلم الوراثة فوق الجينية. يمكن لهذه العوامل التأثير على نشاط الجينات دون تغيير تسلسل الحمض النووي الأساسي، مما يوفر سيطرة أكبر على التعبير الجيني.
ومن أكثر الجوانب المثيرة للاهتمام في “type IV-A CRISPR” قدرته على إسكات الجينات الموجودة بعيدًا عن موقع الهدف الأولي. حيث يتم تحقيق هذا التأثير على مسافة بعيدة من خلال إنزيم يُعرف باسم “DinG”، والذي يمكنه فك حلزون الحمض النووي المزدوج وعبور المشهد الجيني.
هذه الآلية الفريدة تميز “type IV-A CRISPR” عن تقنيات تحرير الجينات الأخرى التي تعتمد على التفاعلات المباشرة مع تسلسل الهدف. ومن خلال تمكين العلماء من التأثير على نشاط الجينات عن بعد، يوفر هذا النظام أداة قوية لاستكشاف الآليات المعقدة التي تنظم التعبير الجيني.
مستقبل تحرير الجينات
في الطب، يمكن استخدام “type IV-A CRISPR” لعلاج مجموعة واسعة من الأمراض، بما في ذلك الاضطرابات الوراثية والسرطان. ومن خلال القدرة على إسكات أو تنشيط جينات معينة بشكل انتقائي، يمكن للأطباء توجيه العلاجات بدقة للمرضى. وهذا يمكن أن يؤدي إلى علاجات أكثر فعالية مع آثار جانبية أقل.
في الزراعة، يمكن استخدام “type IV-A CRISPR” لزيادة إنتاجية المحاصيل، وتقليل هدر الطعام، وإنشاء أنظمة غذائية أكثر مرونة واستدامة. حيث يستطيع العلماء إنتاج محاصيل أكثر مقاومة للأمراض والآفات، وتتطلب موارد أقل لنموها.
التطبيقات المحتملة واسعة، ومن الواضح أن هذه التكنولوجيا لديها القدرة على تغيير الطريقة التي نتعامل بها مع البحث والعلاج الجيني. ومع استمرار العلماء في دراسة هذه الأداة وتحسينها، يمكننا أن نتوقع رؤية اكتشافات وابتكارات جديدة من شأنها تحسين حياتنا وعالمنا.
المصادر
New CRISPR system pauses genes, rather than turning them off permanently | live science
Structural variation of types IV-A1- and IV-A3-mediated CRISPR interference | nature communications
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :