Ad

لا يمكن سحب جوائز نوبل، لذلك يجب على لجنة التحكيم التفكير مليًا في اختياراتهم للجوائز الست كام عام. تكمن الأزمة في المعضلة التالية، فالاكتشاف قد يبدو رائدًا اليوم، ولكن هل سيصمد أمام اختبار الزمن؟ أراد مؤسس الجائزة ألفريد نوبل تكريم أولئك الذين حققت اكتشافاتهم “أكبر فائدة للبشرية”. فيما يلي عدة قرارات لجائزة نوبل تبدو موضع تساؤل بعد أن رماها الزمان بسهامه. إليك في هذا المقال ثمانية قرارات جعلت جوائز نوبل تبدو حمقاء بدرجة ما!

1. فوز ألماني شارك في هجمات بالغاز السام

حصل فريتز هابر على جائزة الكيمياء لعام 1918 لاكتشافه كيفية إنتاج الأمونيا من غازات النيتروجين والهيدروجين. وتم استخدام طريقته لتصنيع الأسمدة، وقدم اكتشافه دفعة كبيرة للزراعة في جميع أنحاء العالم. لكن تغاضت لجنة نوبل تمامًا عن دور هابر في المواد الكيميائية التي استخدمت خلال الحرب العالمية الأولى. إذ دعم هابر بحماسة المجهود الحربي الألماني، وأشرف على أول هجوم بغاز الكلور في إبرس في بلجيكا عام 1915. وقد أسفر استخدام غاز الكلور في إبرس عن مقتل الآلاف من قوات الحلفاء.

2. عندما منحت نوبل في الطب لاكتشاف سبب السرطان

فاز العالم الدنماركي يوهانس فيبيجر بجائزة الطب عام 1926 لاكتشافه أن الدودة المستديرة تسبب السرطان في الفئران. وكانت هناك مشكلة واحدة فقط، وهي أن الدودة المستديرة لا تسبب السرطان في الفئران!

أصر فيبيجر على أن بحثه أظهر أن الفئران التي تناولت يرقات الديدان عن طريق أكل الصراصير قد أصيبت بالسرطان. وفي الوقت الذي فاز فيه بالجائزة، اعتقدت لجنة تحكيم نوبل أن هذا أمر منطقي. ولكن اتضح لاحقًا أن الفئران أصيبت بالسرطان بسبب نقص فيتامين أ. خطأ كارثي من اللجنة ومن منهجيتها بالطبع!

3. مكتشف استخدام مادة الدي.دي.تي DDT

كانت جائزة الطب لعام 1948 للعالم السويسري بول مولر تكريمًا لاكتشاف ذو حدين. إذ لم يخترع مولر ثنائي كلورو ثنائي الفينيل ثلاثي كلورو الإيثان، أو المعروف اختصارًا بالـ DDT، لكنه اكتشف خصائصه كمبيد قوي للآفات. إذ يمكن للمادة أن تقتل الكثير من الذباب والبعوض والخنافس في وقت قصير.

أثبت المركب فعاليته في حماية المحاصيل الزراعية ومكافحة الأمراض التي تنقلها الحشرات مثل التيفوس والملاريا. أنقذ المبيد مئات الآلاف من الأرواح وساعد في القضاء على الملاريا في جنوب أوروبا.

ولكن في الستينيات، وجد دعاة حماية البيئة أن مادة الدي.دي.تي سامة للحياة البرية والبيئة. فحظرت الولايات المتحدة مادة الدي.دي.تي عام 1972. وفي عام 2001، تم حظر الDDT بموجب معاهدة دولية، على الرغم من السماح ببعض الإعفاءات لبعض البلدان التي تكافح الملاريا.

4. فوز جراحة الفص المخي بجائزة الطب

ربما بدا قطع أدمغة الناس فكرة جيدة في ذلك الوقت، ولكن بلا شك لم تكن مكافأة العالم البرتغالي أنطونيو إيغاس مونيز في عام 1949 لابتكاره عملية جراحية للفص المخي لعلاج الأمراض العقلية أفضل أوقات جوائز نوبل.

أصبحت هذه الجراحة شائعة جدًا في الأربعينيات من القرن الماضي، وفي حفل توزيع الجوائز تم الإشادة بها باعتبارها “واحدة من أهم الاكتشافات على الإطلاق في مجال العلاج النفسي”. لكن كان لها آثار جانبية خطيرة، إذ مات بعض المرضى وأصيب آخرون بأضرار بالغة في الدماغ. حتى العمليات التي اعتُبرت ناجحة تركت المرضى غير مستجيبين ومخدرين عاطفيًا.

تراجعت هذه الطريقة بسرعة في الخمسينيات من القرن الماضي حيث انتشرت أدوية علاج الأمراض العقلية. وبالطبع نادرًا ما يتم استخدامها اليوم.

5. عندما لم يفز المهاتما غاندي بجائزة السلام

تم ترشيح زعيم الاستقلال الهندي، الذي يعتبر أحد أعظم أبطال التاريخ في الكفاح السلمي، لجائزة نوبل للسلام ما لا يقل عن خمس مرات. ولكنه لم يفز قط!

وقد أقرت لجنة جائزة السلام، التي نادرًا ما تعترف بخطأ، في النهاية بأن عدم منح جائزة غاندي كان بمثابة إغفال. وفي عام 1989 – أي بعد 41 عامًا من وفاة غاندي – أشاد رئيس لجنة نوبل بغاندي عندما قدم جائزة ذلك العام إلى الدالاي لاما. بالتأكيد لا يحتاج غاندي لإشادة نوبل، فكفاحه باقٍ في تاريخ بلاده للأبد. وسيبقى تجاهل غاندي من القرارات التي جعلت جوائز نوبل تبدو حمقاء، أليس كذلك؟

6. تكريم عرفات ورابين وبيريز!

كرمت لجنة جائزة نوبل للسلام عام 1994 رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين ووزير الخارجية الإسرائيلي شيمون بيريز وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات لجهودهم في التفاوض على السلام بين إسرائيل وفلسطين في سلسلة اللقاءات التي جرت في أوسلو عام 1993. وقد مُنحوا جائزة نوبل للسلام على الرغم من عدم تمكنهم من التوصل إلى أي اتفاق عملي للسلام في تلك الاجتماعات.

عندما صوتت لجنة نوبل لمنح عرفات جائزة السلام، استقال أحد أعضائها على الفور واستنكر علنًا عرفات”كإرهابي “.

المؤرخ بيرتون فيلدمان في “جائزة نوبل: تاريخ العبقرية والخلاف والهيبة”

في الواقع، كان عرفات قد انخرط في السابق في العديد من الأعمال البارزة ضد إسرائيل. كما ترأس الفلسطينيين حيث استمروا في كفاح مسلح في السنوات اللاحقة حتى وفاته في عام 2004. المهزلة هنا تكمن في اعتبار عرفات “إرهابي” رغم كفاحه ضد احتلال لبلاده، وأن يمنح المحتل جائزة عن سلام لم يتحقق من الأصل. وحتى إن فرضنا أن نوبل لا تمنح لإنجازات من منظور وطني محدود، فلم منحت الجائزة لنيلسون مانديلا رغم كفاحه المسلح ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. لذلك يأتي منح رابين وبيريز مدعاة أكبر للاستنكار ويستحق الاستقالة أكثر من عرفات بالتأكيد.

7. أدباء عظماء خسروا الجائزة بسبب سوء تفسير

صرح مؤسس جائزة نوبل ألفريد نوبل في وصيته أن جائزة الأدب يجب أن تُمنح للمؤلف الذي أنتج “في مجال الأدب العمل الأكثر تميزًا في اتجاه مثالي”.و في السنوات الأولى للجائزة (1901 إلى 1912)، فسرت لجنة اختيار نوبل هذه الصياغة على أنها تعني الكتّاب الذين كانوا يدافعون عن المثالية السامية الداعية للحياة والتفاؤل.

لهذا السبب، لم تعترف اللجنة ببعض أشهر المؤلفين في ذلك الوقت – وفي الواقع، طوال الوقت – مثل جيمس جويس، وليو تولستوي، وأنطون تشيخوف، ومارسيل بروست، وهنريك إبسن، ومارك توين، الذين اعتُبرت أعمالهم متشائمة وديستوبيا رغم عظمة كتاباتهم.

ماتت هذه الأساطير الأدبية قبل أن تعيد اللجنة تفسيرها لإرادة نوبل، لتعيد صياغة كلماته على أنها تعني “الأعمال ذات الجدارة الأدبية الدائمة”.

8. جدول مندليف لم يفز بنوبل!

يعد الجدول الدوري للعناصر أحد أكثر الأدوات فائدة – وبالتأكيد الأكثر شهرة – في كل الكيمياء. وكانت البصيرة العظيمة لمنشئ الجدول الأصلي، الكيميائي الروسي دميتري مينديليف، في تنظيم العناصر وفقًا لأوزانها الذرية. ويؤدي القيام بذلك إلى الكشف عن أنماط في خصائصها.

على سبيل المثال، جميع العناصر الكيميائية الموجودة في العمود الموجود في أقصى اليمين هي “غازات نبيلة” لا تكوّن بسهولة روابط كيميائية مع أي شيء آخر. علاوة على ذلك، فإن العناصر الموجودة في المنطقة الوسطى من الجدول كلها معادن. قام منديليف باستخدام جدوله الدوري بالعديد من الاستنتاجات المفيدة حول طبيعة المادة. وكان قادرًا حتى على التنبؤ بخصائص العناصر التي لم يتم اكتشافها بعد.

ومع ذلك، على الرغم من حقيقة أن مندليف عاش حتى عام 1907، أي بعد ست سنوات من بدء منح جائزة نوبل في الكيمياء، لم يتم الاعتراف بإنجازاته. كان ذلك بحق إحدى القرارات التي جعلت جوائز نوبل تبدو حمقاء!

كان استبعاد مندليف بسبب مكائد وراء الكواليس من قبل أحد أعضاء لجنة اختيار نوبل الذي اختلف مع عمل مندليف.

“الطريق إلى ستوكهولم: جوائز نوبل والعلوم والعلماء” (أكسفورد، 2002)، للكاتب إستفان هارغيتاي والعهدة عليه في مصداقية ادعاءاته

بعض هذه الأحداث يمكن تفسيرها بأشكال مختلفة. وبعضها قد يفسره أعضاء تحكيم نوبل فقط ولا يمكن الدفاع عنهم بأي حال من الأحوال. لكن من المؤكد أن الجائزة تحاول أن تصبح على درجة أعلى من التدقيق في العقود الأخيرة، لكن يبدو أن الأخطاء لا مفر منها. إذ سقطت الجائزة في فخ الفضائح الجنسية والمالية وتلاها استقالات عديدة، مما أدى إلى إلغاء جائزة نوبل في الأدب عام 2018 وتأجيلها لمدة عام. إذن، فالأخطاء جزء رئيسي في أي جماعة بشرية ولا يمكن تلافيه، لكن ما يجب تمييزه هو القدرة على تصحيح المسار. فالفارق بين جماعة تصحح وتنبذ سلوكياتها الخاطئة وجماعة أخرى لا تعترف بها بالمرة. وتبقى تلك القرارات الثمانية التي جعلت جوائز نوبل تبدو حمقاء، فهل لديكم المزيد؟ شاركونا آرائكم في التعليقات.

المصادر

Five decisions that made the Nobel Prizes look bad (phys.org)
Top 5 Nobel Prize Goof-Ups | Live Science
The official website of the Nobel Prize – NobelPrize.org

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تاريخ جوائز

User Avatar

abdalla taha

أحب القراءة ومتابعة العلوم.


عدد مقالات الكاتب : 74
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق