لطالما ألهمت سماء الليل الإنسان ودفعته إلى التفكر وطرح الأسئلة. فراح يتحرى عن أجرامها ويدرس خصائصها وحركاتها تارة، ممارسًا ما نسميه اليوم علم الفلك (astronomy)، ومحاولًا استخدام تلك الخصائص في تكهن أحداث حياته الشخصية ومعرفة صفاته تارة أخرى، وهذا ما يعرف بالتنجيم (astrology)، وهو علم زائف لأسباب سنبينها في هذا المقال.
في علم الفلك، تسمى مجموعة النجوم ذات الشكل المعين، الكوكبة، وقد حاولت الشعوب منذ القدم إعطاء معنى لأشكال هذه المجموعات، فعندما لاحظ قدماء المصريين أن النجوم موزعة توزيعًا غير متساو، وأنها مجموعات ذوات أشكال معينة، توهموا في إحدى أقدم أساطيرهم أن الآلهة (نوت) تحيط بالسماء وتحمل جسمها على يديها وقدميها، ولتسهيل الوصول إلى مجموعات النجوم التي عرفوها، قسموا منطقة واسعة على طول خط الاستواء إلى ستة وثلاثين قسمًا، يحوي كل منها ما يمكن رصده من النجوم والمجموعات الساطعة كل عشرة أيام، وسموا كل منها (الديكان).
لكن ما يهمنا هو أن قدماء الفلكيين من البابليين، ومن بعدهم الرومان والأغريق، اختاروا اثنتي عشرة مجموعة (كوكبة) من النجوم وأطلقوا عليها أسماء من وحي ثقافاتهم. ولم تكن تلك المجموعات إلا الكوكبات التي تظهر الشمس وسط كل منها في رحلتها خلال السنة الشمسية المكونة من اثني عشر شهرًا (الأرض في الواقع هي من يدور حول الشمس لذا تبدو لنا الشمس تتنقل شهريًا بين المجموعات)، وسميت هذه المجموعات الاثنتي عشرة بالأبراج. ولعل الإسم قد أتى من علو ارتفاعها في السماء.
ومن هنا رسمت دائرة افتراضية تضم هذه المجموعات، تسمى دائرة البروج (zodiac)، ويفترض أن هذه الدائرة تحيط بالدائرة الافتراضية الأخرى التي ترسمها الأرض بالدوران حول الشمس، والتي تنقسم بدورها إلى اثني عشر شهرًا يقابل كل شهر منها برجًا من دائرة البروج.
وبذلك وحسب هذا الاعتقاد، فإننا حين ننظر إلى موضع الشمس في شهر ما، نجدها مستقرة في الكوكبة المقابلة لذلك الشهر. ومن هنا جاء الاعتقاد الآخر القائل إن ولادة مولود في شهر معين، تجعل مجموعة النجوم المقابلة لشهر ولادته (برجه) تؤثر في مجريات حياة هذا الطفل وصفاته.
ولكن هذا غير صحيح لأسباب عدة، نذكر منها:
الإجابة إنها لم تعد كذلك.
إن أماكن الأبراج حسبما نراها اليوم لم تعد حيث كانت قبل ٢٥٠٠ عام، فبفضل ظاهرة تدعى المبادرة المحورية، وهي تغير زاوية المحور الذي تدور به الأرض حول نفسها عبر الزمن (أنظر الصورة في الأسفل)، قد تحركت نقطة تقاطع دائرة البروج مع خط الاستواء السماوي (وهو امتداد فلكي لخط الاستواء الأرضي ليشكل دائرة واسعة حول الأرض في الفضاء) بمقدار ٣٦ درجة، أي عُشر دورة كاملة. ما يعني أن الأبراج قد انتقل موضعها بنحو شهر كامل،فمن كان برجه حسبماوضعت الأبراج قديمًا برج الثور، فإن برجه الآن ما هو إلا الحمل، وهذا يتطلب تغيير ترتيب الأبراج بالكامل، ويغير من الأساس الذي وضعت عليه الأبراج وهو ارتباط الولادة في شهر ما بصفة معينة تخص كوكبة محددة، ولهذا السبب انتشرت أقاويل عام ٢٠١٩ قبل شهور من كتابة هذا المقال عن توزيع جديد للأبراج. لم تكن هذه إلا محاولة لموائمة الأبراج مع علم الفلك وإضفاء الطابع العلمي عليها.
يلجأ المنجمون عادة إلى توقعات فضفاضة يمكن تطببقها بشكل ما على غالبية الناس، ويتجنبون ذكر التفاصيل أو ما يزيد من قابلية النبؤة للتكذيب. ويساعدهم في إقناعنا على تقبل هذا عوامل نفسية عند الإنسان تجعله يميل إلى إسقاط قول المنجمين على نفسه، رغم أن الكلام قد يكون عامًا وينطبق على الكثيرين، وهذا ما يعرف بتأثير فورير، نسبة إلى عالم النفس الأمريكي بيرتام فورير الذي أجرى تجربة على طلابه لاختبارهذا التأثير، فوزع على كل منهم بطاقة تحمل ١٤ نقطة من المفترض أنها تحاول وصف شخصية كل منهم، ثم طلب منهم تقييم دقة هذا الوصف، فكان متوسط التقييم ٤.٣/٥، أي أن أغلبهم شعر أن النقاط المكتوبة تصفه تمامًا..لكن المفاجأة كانت أنهم تلقوا جميعًا نفس البطاقة!
يعرف هذا التأثير كذلك بتأثير بارنوم، نسبة إلى الاستعراضي الأمريكي الشهير (ب. ت. بارنوم).
-ب. ت بارنوم“لدينا شيء ما، لكل واحد من الأشخاص”
مصادر:
تاريخ العلوم-جورج سارتون
live science https://www.livescience.com/4667-astrological-sign.html
historyworld http://historyworld.net/wrldhis/PlainTextHistoriesResponsive.asp?historyid=ac32
https://www.nature.com/articles/318419a0 nature
http://personalpages.to.infn.it personality and individual differences study
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…