Ad

إن القدرة على تسجيل نمط جديد من النشاط في دماغ الشخص من شأنه أن يسمح بالتعلم بشكل أسرع، أو علاج أفضل للاضطرابات النفسية والتنموية مثل الاكتئاب أو التوحد. والقيام بذلك بطريقة لا تتطلب جراحة الدماغ أو أي تلاعب جسدي تبدو وكأنها فيلم خيال علمي من إخراج كريستوفر نولان، أليس كذلك؟ لقد ابتكر الباحثون طريقة مبتكرة للتعلم البصري باستخدم التصوير العصبي في الوقت الفعلي والتغذية الراجعة العصبية ثانية بثانية لتعديل كيفية تمثيل الدماغ للمعلومات المتعلقة بالأشياء المرئية ومعالجتها. وتوضح الدراسة نهجًا جديدًا لتعليم الدماغ البشري التعلم من خلال التلاعب الخارجي والارتجاع العصبي (neural feedback)، وهو ما يسمونه “نحت” أنماط نشاط الدماغ.

الدماغ قابل للتغيير

إن الدماغ البشري وهو كيان معقد وغامض. ولعدة قرون، كنا نحاول فهم كيفية عمله، وكيف يتعلم، وكيف يتكيف مع المعلومات الجديدة.

لقد كان يُعتقد قديماً أن الدماغ كيان ثابت، غير قابل للتغيير بعد عمر معين. ومع ذلك، مع اكتشاف المرونة العصبية، نعلم الآن أن الدماغ قادر على إعادة تنظيم نفسه استجابة للتجارب والبيئات والمعلومات الجديدة. لقد أحدث هذا المفهوم ثورة في فهمنا للدماغ، وفتح إمكانيات جديدة للتعلم والعلاج.

ولكن ما هي بالضبط المرونة العصبية، وكيف تعمل؟ بعبارات بسيطة، تشير مرونة الدماغ إلى قدرة الدماغ على التغيير والتكيف استجابةً للمعلومات الجديدة. يمكن أن يحدث هذا من خلال وسائل مختلفة، مثل تعلم مهارات جديدة، أو ممارسة عادات جديدة، أو حتى التعافي من إصابات الدماغ. يمكن إعادة رسم الروابط العصبية للدماغ، التي كان يُعتقد في السابق أنها ثابتة، وإعادة تنظيمها، مما يسمح بظهور أنماط جديدة من النشاط.

إعادة كتابة أنماط الدماغ

أثناء الاستلقاء داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، شاهد المشاركون في الدراسة أشياء تم عرضها على مرآة فوق رؤوسهم، والتي بدت وكأنها شاشة صغيرة. كان الجسم، وهو شكل مجرد وصفه بعض المشاركين بأنه بتلة أو بصيلة نبات أو فراشة، يتحرك برفق على مرآة المشاركين.

كان الشكل يتحرك حتى يتمكن المشارك من التلاعب به ذهنيًا لمطابقة نمط نشاط دماغي محدد مسبقًا من قبل العلماء. وجه الباحثون المشاركين لتحريض حالة ذهنية من شأنها تثبيت الشكل، دون تقديم تعليمات صريحة حول كيفية تحقيق هذه الحالة.

من المثير للاهتمام أن المشاركين لم يتم تعليمهم صراحةً كيفية تحقيق ذلك. بدلاً من ذلك، تم منحهم هدف تقليل حركة الشكل وتركهم لمعرفة الاستراتيجية العقلية بأنفسهم. وهذا يشير إلى أن أدمغتنا يمكن أن تتعلم وتتكيف مع المعلومات الجديدة دون وعي.

ومن بين النتائج الأكثر إثارة للدهشة في هذه الدراسة أن المشاركين كانوا قادرين على تعلم والاستجابة لفئات جديدة من المعلومات البصرية دون أن يدركوا ذلك بوعي. وهذا يشير إلى أن أدمغتنا قادرة على تعلم ومعالجة المعلومات على مستوى اللاوعي. ويستند هذا الاكتشاف إلى أبحاث سابقة في علم النفس حول المعالجة الضمنية، والتي تستكشف كيف يمكن لعقولنا أن تستجيب للمحفزات دون وعينا.

طريقة مبتكرة للتعلم البصري

ردود فعل فورية

تلقى المشاركون في الدراسة ردود فعل فورية (feedback)، حيث توقفت الصورة على المرآة عن الاهتزاز بمجرد تمثيلهم ذهنيًا للكائن المرئي بطريقة تتوافق مع نمط نشاط دماغي محدد مسبقًا من قبل الباحثين. بدلاً من الطريقة التي كان من المفترض أن يتم بها تمثيل الكائن في أدمغتهن بشكل طبيعي. بعبارة أخرى، طور العلماء طريقة تجعل الناس يتعلمون فئات جديدة من الكائنات المرئية، ليس من خلال تعليمهم ما هي الفئات، ولكن من خلال تغيير كيفية عمل أدمغتهم عندما ينظرون إلى الكائنات الفردية في تلك الفئات.

وبدلاً من تعليم المشاركين معلومات جديدة ومراقبة كيفية تغير أدمغتهم، أنشأ الباحثون مباشرة طريقة جديدة للتفكير في أذهانهم. واختبروا ما إذا كان المشاركون قادرين على التعرف على هذه الفئة المنشأة حديثًا والاستجابة لها، وكانت النتائج إيجابية.

ولتحفيز المشاركين، عُرضت عليهم مكافآت مالية مقابل التحكم بنجاح في حركة الشكل. وشجعهم هذا الحافز على المشاركة بنشاط في التجربة والسعي إلى الحالة الدماغية المرغوبة.

يُظهِر هذا الفيديو المُحاكي الجسم المتذبذب في المركز الذي شاهده المشاركون في الدراسة مُسقطًا على مراياهم أثناء وجودهم داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي.

مستقبل جديد للتعلم

هذه الطريقة المبتكرة للتعلم البصري يمهد لعلاج الاضطرابات النفسية والتنموية مثل الاكتئاب أو التوحد دون جراحة الدماغ أو الأدوية. كما يفتح طرقًا جديدة للعلاج، حيث يمكن إعادة ضبط أنماط نشاط الدماغ لتشبه أنماط نشاط الأفراد الأصحاء. ولهذا النهج الثوري آثار بعيدة المدى، ليس فقط في علاج الاضطرابات ولكن أيضًا في تعزيز التعلم والقدرات المعرفية.

وفي المستقبل، يمكن استخدام هذه التكنولوجيا لتطوير واجهات الدماغ والحاسوب، مما يسمح للناس بالتحكم في الأجهزة بعقولهم. ويمكن أن يؤدي أيضًا إلى علاجات جديدة لحالات مثل العمى، حيث يكافح المرضى في التعرف على الأشياء اليومية. ومن خلال إعادة كتابة أنماط الدماغ، قد يتمكن العلماء من استعادة وظائف المخ الطبيعية، مما يحسن حياة الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم.

المصادر

Sculpting the brain (without chisel or scalpel) | science daily

Sculpting new visual categories into the human brain | pnas

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


أحياء طب علم

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 560
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *