Ad

يعدّ النزف الدموي الوراثي، المعروف بالهيموفيليا، من الأمراض الوراثية النادرة والمعقدة التي تؤثر على نظام تخثر الدم. وعلى الرغم من ندرتها، إلا أنها تمثل تحدياً كبيراً للأفراد الذين يعانون منها ولأسرهم. إنّ الهيموفيليا تُعَدّ واحدة من الأمراض التي تؤثر على جودة حياة المصابين بها بشكل كبير، وتتطلب رعاية مستمرة وفهماً عميقاً لتفاصيلها ومضاعفاتها.

في هذا المقال، سنتناول بتفصيل الهيموفيليا كمرض وراثي، ونتناول جوانب عدة تشمل أسبابها وأنواعها وأعراضها، وكيفية التعامل مع هذا المرض الذي يصاحبه نزف الدم الشديد. سنتطرق أيضاً إلى التقنيات والتطورات الحديثة في مجال علاج الهيموفيليا وكيف ساهمت في تحسين جودة حياة المرضى.

النزف الدموي الوراثي

ما هو مرض نزف الدم الوراثي؟

[1][2]

سيولة الدم أو مرض هيموفيليا (بالإنجليزية: Hemophilia)، أيضاً يسمى مرض الناعور أو مرض نزف الدم الوراثي، ويطلق على هذا المرض في اللغة العربية اسم الناعور، فالناعور في اللغة هو الجرح الذي لا يسكن دمه، وهذا ما يحدث لدى مرضى الهيموفيليا.

وهو أحد أنواع اضطرابات نزف الدم والتي تتسبب بإحداث خلل في آلية تخثر الدم الطبيعية وإبطاء وتيرة تخثر الدم…

مرض سيولة الدم هو حالة تتسم بنقص في العوامل التخثرية في الدم، وهي البروتينات المسؤولة عن التحكم في عمليات التجلط ومنع النزيف. على عكس بعض الأمراض الأخرى، مثل الأمراض المعدية، فإن مرض الهيموفيليا ليس مرضًا معديًا، وعادةً ما يتم اكتشافه عندما يصعب التحكم في النزيف بعد حدوث جرح صغير أو إجراء عملية جراحية.

أسباب الهيموفيليا:

[3][2][1]

كما يشير اسمه، يعود سبب هذا المرض في معظم الحالات إلى خلل وراثي، حيث يتم نقل الجين المسؤول عنه عادة من الأم إلى الجنين. وعلى الرغم من أن الإناث غالبًا ما يكتفين بحمل الجين المسبب للمرض دون تجربته بأنفسهن، إلا أن الذكور هم الذين يصابون بالمرض في معظم الحالات، وتظهر عليهم أعراضه.

أما بالنسبة لمرض نزف الدم المكتسب، فإن هذا النوع ينشأ نتيجة لأسباب مختلفة تمامًا. يحدث عادة عندما يقوم الجسم بإنتاج أجسام مضادة تهاجم عوامل التخثر الموجودة في الدم، مما يعيقها عن القيام بوظائفها الطبيعية بشكل كامل.

أنواع سيولة الدم:

[5][4][3]

يحتوي الجسم البشري على عدة أنواع من عوامل التخثر، والتي يتسبب نقص كل منها بالإصابة بنوع معين من أنواع مرض نزف الدم الوراثي، كما يأتي:

الهيموفيليا من النوع A: أحد أكثر أنواع مرض نزف الدم الوراثي شيوعًا، وينتج عن نقص عامل التخثر من النوع (VIII)، هذا النوع من المرض حاد جدًّا وغالبًا ما يتسبب بنزيف خطير في المفاصل الكبيرة. وتمثل 80% من حالات سيولة الدم.
الهيموفيليا من النوع B: ينتج هذا النوع عن نقص عامل التخثر من النوع (IX)، وتتراوح حدة هذا النوع من المرض ما بين الطفيف والخطير. وتمثل تقريبًا 20% من الحالات.
الهيموفيليا من النوع C: ينتج هذا النوع عن نقص عامل التخثر من النوع (XI)، ويختلف في طريقة انتقاله جينيًّا عن النوعين السابقين، لذا وعلى عكس الأنواع السابقة، قد يصيب هذا النوع من الهيموفيليا النساء.

أنواع النزف الدموي الوراثي

وراثة النزف الدموي الوراثي:

[3][2]

ينتقل الناعور على شكل صفة جينية متنحية تُحمل على الكروموسوم الجنسي ( X ): X-Linked Recessive.

لدى الإناث صبغيين X بينما لدى الذكور صبغي Y وآخر X. ونظرًا لأن الطفرة المسببة مرتبطة بالصبغي X، فإن الإناث تحمل الأنثى المرض على أحد الصبغيين X ولا تكون متأثرة به لأن الصبغي الآخر الذي هو X أيضًا سيعمل على توليد عوامل التخثر.

أما الذكور فإن الصبغي Y لديه لا يحمل أي جينات لتكوين عوامل التخثر الثامنة أو التاسعة، لذا فإنه إذا كانت الجينات على الصبغي X بها عيب فإنها ستؤدي إلى ظهور المرض. بما أن الذكر يرث الصبغي X من أمه، فإن نسبة إصابة ابنه لأم حاملة للمرض هي 50%، أما إذا كانت الأم مصابة، فإن نسبة إصابة الابن تصبح 100%. على العكس، الابنة سترث إحدى الصبغيين من الأم والآخر من الأب، لذلك فرصة إصابة الذكور بالمرض أكثر من الإناث.

وحديثًا، زادت نسبة إصابة الإناث بالمرض نتيجة لتطور طرق العلاج الحديثة والتي سمحت للذكور بالبقاء على قيد الحياة والوصول إلى سن الرشد، مما زاد فرص إصابة بناتهم. من الأعراض التي قد تظهر على الإناث غزارة الطمث.

بشكل عام، يمكن للبشر أن يصابوا بالناعور نتيجة للطفرات الجديدة في الجينات بدلاً من الإصابة بالمرض عن طريق الوراثة الكلاسيكية. هذه الطفرات التلقائية يمكن أن تحدث في أحد أمشاج الأبوين أثناء تكوين الخلايا الجنسية أو في أي وقت آخر خلال النمو والتطور الجسدي.

فيما يتعلق بمرض الناعور، تشكل الطفرات التلقائية حوالي 33٪ من جميع حالات الناعور من النوع A وحوالي 30٪ من حالات الناعور من النوع B. وكان من المستحيل تحديد ما إذا كانت الأم حاملة للمرض أو السبب هو طفرة حتى ظهور اختبار الحمض النووي المباشر الحديث.

أعراضه:

[3][2]

في الأنواع الخفيفة من مرض نزف الدم الوراثي، تظهر الأعراض والعلامات عادةً خلال نمو الطفل، ولكن في معظم الأحيان تظهر منذ الولادة أو في مراحل الطفولة الأولى. هذه الأعراض تشمل:

  1. نزيف الأنف المفاجئ والمتكرر.
  2. ظهور كدمات كبيرة بسهولة.
  3. حدوث نزيف في العضلات والمفاصل بسرعة.
  4. نزيف مستمر لفترة طويلة بعد جرح ناتج عن أداة حادة، أو استخراج ضرس، أو إجراء جراحة، أو عملية ختان للطفل.
  5. نزيف لفترة طويلة بعد وقوع حادث، خاصة إذا كانت الإصابة في منطقة الرأس.
  6. وجود دم في البول.

عند الأطفال، يمكن أن تكون العلامات الأولى لمرض سيولة الدم نزيفًا حادًا في الفم من اللثة، أو اللسان، أو ظهور كدمات واضحة.

في الأشخاص المصابين، يمكن حدوث نزيف داخل الجسم أو خارجه، ولكن معظم النزيف يكون داخليًا. يحدث النزيف بسبب إصابات طفيفة جدًا مثل الاصطدام أو إلتواء المفصل.

أما العضلات التي تصاب بالنزيف بشكل شائع، فتشمل العضلات التالية:

  1. عضلات الذراع العلوي.
  2. عضلة الساعد.
  3. عضلة الجزء الأمامي من منطقة الفخذ.
  4. الفخذ.
  5. عضلات الساق.

أما المفاصل التي يحدث بها سيولة الدم بشكل شائع، فتشمل:

  1. مفصل الركبة.
  2. مفصل الكاحل.
  3. مفصل المرفق.

الأعراض التي تشير إلى حدوث نزيف في العضلات والمفاصل تتضمن:

  1. الألم المستمر.
  2. تورم المنطقة المصابة.
  3. صلابة في المكان المتأثر.
  4. صعوبة في استخدام المفاصل أو العضلات.

إذا حدث نزيف متكرر في نفس المفصل، فإن المفصل يمكن أن يتضرر ويسبب ألمًا شديدًا، مما يؤدي إلى صعوبة في الحركة وأداء الأنشطة اليومية.

يجب مراعاة أن أي نزيف في مناطق حساسة مثل الرقبة أو الحنجرة أو اللسان أمر خطير للغاية، ومثلاً، نزيف الدماغ هو السبب الرئيسي للوفاة في حالات مرضى الهيموفيليا.

تشخيص النزف الدموي الوراثي:

[3][2]

تعتمد عملية تشخيص مرض سيولة الدم على العوامل التالية:

  1. جمع تاريخ الحالة الصحية للمريض.
  2. إجراء تحاليل مخبرية لفحص مستويات العوامل المختلفة المتعلقة بتخثر الدم.

في حالات مرض سيولة الدم الخفيفة، تكون نسبة العامل المسؤول عن تخثر الدم أقل من 5%، مما يتسبب في نزيف بعد الجراحات أو الإصابات.

في الحالات المتوسطة من المرض، تكون نسبة العامل المسؤول عن تخثر الدم بين 1% و5%، وقد يعاني المريض من نزيف مطول بعد السقوط أو التعرض لإجهاد.

أما في الحالات الشديدة لمرض سيولة الدم، تكون نسبة العامل المسؤول عن تخثر الدم أقل من 1%، مما يؤدي إلى تكرار حالات النزيف بشكل متكرر دون سبب ظاهر.

هذه العوامل تساعد الأطباء في تقدير درجة شدة مرض سيولة الدم لدى المريض وتوجيه العلاج اللازم.

العلاج:

[3][2]

هناك اثنتان طرق رئيسية لعلاج سيولة الدم:

العلاج الوقائي: يتضمن هذا العلاج استخدام حقن منتظمة من دواء يشبه عامل التخثر لمنع نزيف الدم وتلف المفاصل والعضلات. يُعطى هذا العلاج في الحالات الشديدة من سيولة الدم ويشمل تدريب الأهل على إعطاء الحقن للأطفال الصغار، ثم يُدرب الأطفال على كيفية حقن أنفسهم عندما يكبرون. في بعض الحالات، يتم إعطاء الحقن باستخدام جهاز يزرع جراحياً تحت الجلد ويُفرز الدواء تلقائياً.

العلاج العند الحاجة: يتم استخدام هذا النوع من العلاج لعلاج حالات النزيف الحادة أو النزيف الذي يستمر لفترات طويلة. يُعطى الدواء كاستجابة فورية للنزيف ويكون ضروريًا فقط عند الحاجة.

علاوة على ذلك، يُمكن استخدام الأدوية المحتوية على مواد معدلة جينياً لعامل التخثر المختلف (عامل VIII في سيولة الدم أ وعامل IX في سيولة الدم ب) لعلاج المرض. هذه الأدوية تُعطى عن طريق الحقن وتُساعد في تعويض نقص عامل التخثر ومنع النزيف.

يجب مراعاة أن العلاج ونوع الدواء يمكن أن يختلفان بين سيولة الدم أ وسيولة الدم ب نظرًا لاختلاف العوامل المتأثرة في كل نوع.

تحديثات عن المرض:

[3]

تطورت التقنيات العلاجية والتشخيصية لمرض سيولة الدم بمرور الزمن، مما أدى إلى تحسين كبير في رعاية المرضى وجودة حياتهم. إليك بعض التطورات العلاجية والتشخيصية للمرض:

1. تقنيات التشخيص:

  • اختبارات الحمض النووي: تم تطوير اختبارات الحمض النووي المباشر والجينوميكس التي تساعد في تحديد نوع السيولة وتحديد الطفرات الجينية المسؤولة عن المرض. هذه التقنيات تساعد في تشخيص المرض بدقة أكبر وتوجيه العلاج بشكل أفضل.

2. العلاج الجيني:

  • العلاج بالجينات: بعض الأبحاث تسعى إلى تطوير علاجات جينية لمرض سيولة الدم، حيث يتم تصحيح الطفرات الجينية المسببة للمرض أو استبدال الجينات المعيبة بجينات سليمة. هذا النهج يعد واعدًا وقد يقدم فرصة للعلاج الشافي.

3. تقنيات العلاج:

  • عوامل التخثر المعدلة جينياً: تم تطوير عوامل تخثر معدلة جينياً تحاكي العوامل الطبيعية لتعويض النقص في عوامل التخثر في الجسم. هذه العوامل تستخدم بشكل فعال في العلاج والوقاية من النزيف.

4. التقنيات الوقائية:

  • التدريب والتوعية: تم تحسين التدريب والتوعية بين مرضى سيولة الدم وعائلاتهم بشأن كيفية التعامل مع المرض وإعطاء الحقن الوقائية. هذا يساعد في تقليل حدوث النزيف وتحسين جودة الحياة.

5. البحث السريري:

  • البحوث والتجارب السريرية: يتم تنفيذ البحوث والتجارب السريرية المستمرة لاختبار وتطوير علاجات جديدة لمرض سيولة الدم. يشمل ذلك تطوير أدوية جديدة واستكشاف نهج علاجية مبتكرة.

6. رعاية شاملة:

  • مراكز الرعاية المتخصصة: تم تأسيس مراكز خاصة لرعاية مرضى سيولة الدم، حيث يمكن توفير الرعاية المتخصصة والتقنيات العلاجية الحديثة للمرضى.

تلك هي بعض التطورات التشخيصية والعلاجية لمرض سيولة الدم. يجب ملاحظة أن التقدم في هذا المجال لا يزال مستمرًا، وقد تظهر تطورات جديدة في المستقبل تسهم في تحسين علاج ورعاية المرضى.

امرض وراثية أخرى: التقزم الهيكلي الغضروفي التصلب الجانبي الضموري

المراجع والمصادر:

[1] NDBF

[2] MedLine Plus

[3] NCBI

[4] OMIM1

[5] OMIM2

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


طب صحة أحياء وراثة

User Avatar

Mohammad Shawerdi

طالب علم، مهتم بالمعرفة والثقافة، مع التخصص بالمجال الصحي-الطبي المتعلق بالتحاليل الطبية.


عدد مقالات الكاتب : 15
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق