المدرسة الواقعية
ظهرت المدرسة الواقعية في فرنسا في خمسينيات القرن التاسع عشر في أعقاب ثورة 1848، وهو الحدث الذي أنشأ (حق العمل) في البلاد. وقد قدمت الحركة الواقعية موضوعات مختلفة عما سبقتها. فقد قدمت المدرسة الواقعية الأشخاص العاديين والطبقة العاملة والمشاهد اليومية والمعاصرة كمواضيع فنية أساسية وجديدة وجديرة بالاهتمام.
وقد نبعت المدرسة الواقعية من رغبة الفنانين في تقديم وجهات نظر أكثر صدقًا وبحثًا عن الحياة اليومية. كما عبرت عن رغبتهم في استخدام الفن كوسيلة للنقد الاجتماعي والسياسي. أهم ما يصف تلك المدرسة هو عدم اعتمادها على تقليد الأساليب الفنية السابقة ولكن على تصوير حقيقي ودقيق للنماذج التي تقدمها الطبيعة والحياة اليومية للفنان بمختلف أحداثها.
محتويات المقال :
سمات المدرسة الواقعية
أهم ما رفضه فنانو الواقعية هي معايير المدرسة الرومانسية السابقة لهم، والتي عادة ما تميزت لوحاتها بالأشكال الخيالية أو المشاهد السامية للطبيعة. في كل الحالات تعتبر الخيالية من الصفات التي رفضها الواقعيون بشكل صارم، فهم يعتبرون أن الواقعية تصويرًا دقيقًا ومفصلًا للطبيعة أو للحياة المعاصرة. تقوم الواقعية على الملاحظة الدقيقة للمظهر الخارجي رافضة لكل الأشكال المثالية الخيالية.
اتفق مؤيدو الواقعية الفرنسيون على رفض التصنع الموجود في كلًا من الكلاسيكية والرومانسية في الأكاديميات. حاول الواقعيون تصوير حياة ومظاهر ومشاكل وعادات الطبقات الوسطى والفقيرة، وكل ما هو عادي ومتواضع وغير مزخرف.
كوربيه – رائد الواقعية
يعتبر “غوستاف كوربيه – Gustave Courbet” من وضع الأساس لتلك الحركة في أربعينيات القرن التاسع عشر. بدأ غوستاف بتصوير الفلاحين والعمال في مواضيع دينية أو تاريخية أو رمزية، وعارض “كوربيه” المثالية في فنه بشدة. حَثّ الفنانين الآخرين على جعل الفن الواقعي والمعاصر محط تركيزهم، فقد نظر إلى التصوير الصريح لمشاهد الحياة اليومية على أنه فن ديمقراطي حقيقي.
كانت اللوحات التي قام بعرضها في صالون خريف 1850-1851 مثالًا على الواقعية وصدمةً للجمهور والنقاد لعرضه الحقيقة الصريحة وغير المزينة. صوّر غوستاف في لوحات صالون الخريف الفلاحين المتواضعين والعمال، مثل لوحتي (Ornans (1849 و (Stone Breakers (1849.
وقبل ظهور “كوربيه”، لم يكن الرسامون يصورون المشاهد كما رأوها؛ بل قاموا بإضفاء الطابع المثالي عليها. أدى التوجه المثالي إلى محو أي عيوب، وكان ذلك بالنسبة إلى “كوربيه” ضارًا بالرسم؛ لقضاء ذلك على أي شعور بالفردية.
“باختصار، إنه طريقي لرؤية المجتمع بكل اهتماماته وشغفه، فالعالم كله قادم إليّ لأرسمه “. -غوستاف كوربيه.
والحقيقة أن كوربيه لم يمجد فلاحيه ولم يزيّن صورهم، بل قدّمهم بجرأة بأشكالهم الحقيقية المتواضعة. أدى تقديم كوربيه إلى رد فعل عنيف في عالم الفن. بنى كوربيه أسلوبه وموضوعاته على أرض بناها بالفعل رسامو مدرسة (الباربيزون).
مدرسة الباربيزون
وقد استقر عدد من الفنانين كـ “ثيودور روسو – Théodore Rousseau ” في قرية (باربيزون) الفرنسية بهدف إعادة إنتاج الطابع المحلي للمناظر الطبيعية على حقيقتها بصدق ودون تجميل زائف. وعلى الرغم من أن كل رسام من (الباربيزون) كان له أسلوبه الخاص ومصالحه الخاصة، لكنهم جميعًا أكدوا على الجوانب البسيطة والعادية والطبيعية بدلاً من الجوانب الفخمة والثرية للطبيعة. وابتعدوا عن المشاهد الدرامية ورسموا أشكالاً صلبة ومفصلة نتجت عن ملاحظاتهم الدقيقة.
جان فرانسوا ميليت
كان “جان فرانسوا ميليت – Jean-François Millet” من أوائل فنانين المدرسة الواقعية الذين صوروا عمال الفلاحين وأحد موسسي مدرسة (الباربيزون)، وقد اختار أيضًا أن يُظهر أشخاصًا من الطبقة العاملة في لوحاته.
نظرًا لإقامة ميليت في الريف الفرنسي، فقد عاد مرارًا وتكرارًا إلى اعتبار المزارعين موضوعًا أساسيًا لاختياراته.
“إن مواضيع الفلاحين هي ما تناسب طبيعتي، لأنه يجب أن أعترف أن الجانب الإنساني هو أكثر ما يمسني في الفن.”
مقولة تنسب إلى جان فرانسوا ميليت
دومييه
كان “أونوريه دومييه – Honoré Daumier” مصوّرًا ونحاتًا ورسامًا كاريكاتوريًا، استخدم دومييه مواهبه للتعليق بجرأة على سياسات فرنسا المعاصرة. وعلى عكس أعمال “كوربيه” و”ميليت”، كان فن “دومييه” -أي الرسوم الكاريكاتورية السياسية- غالبًا ما قدمت لمحات تفتح الأعين على تفاصيل دقيقة للحياة في فرنسا في القرن التاسع عشر.
اختار دومييه أبطال أعماله من الطبقة العاملة والمحامين والسياسيين الفاسدين، بالإضافة إلى الأحياء الفقيرة وشوارع باريس. كان ديمقراطيًا متحمسًا مثل كوربيه، واستخدم مهارته كرسام كاريكاتير مباشرة لخدمة الأهداف السياسية. وقد استخدم “دومييه” أسلوبًا ذو تفاصيل واقعية بجرأة لانتقاد اللاأخلاقية والقبح الذي شاهده في المجتمع الفرنسي.
الواقعية في أمريكا
نتيجة لنجاح الواقعية في أوروبا، تبنى الفنانون الأمريكيون النهج ذاته بعد فترة وجيزة من ظهوره. تجلى تأثير الواقعية بشكل خاص في لوحات “توماس إيكنز-Thomas Eakins”، ودراسات “إدوارد هوبر-Edward Hopper” الكاشفة عن حياة المدينة الحديثة.
وقد ألهمت الواقعية بشكل مباشر حركات الفن المعاصر البارزة، بما في ذلك الواقعية الفوتوغرافية (Photorealism) والواقعية المفرطة (Hyperrealism). وبناءً على التركيز الواقعي الملحوظ لهذه المدرسة، وضحت هذه الأنواع الإرث الدائم والمتطور لها.
المصادر
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :