Ad

في دراسة رائدة، اكتشف علماء وكالة ناسا أن سرعة الوقت على القمر تختلف عن نظيرتها على الأرض، بفارق حوالي 1.1 ثانية. قد يبدو هذا التناقض البسيط غير مهم، لكنه مهم للغاية بالنسبة لمهمات ناسا القادمة المأهولة إلى القمر وما بعده. بينما تستعد وكالة الفضاء الأمريكية لإعادة البشر إلى سطح القمر بحلول عام 2026، فإن فهم التأثيرات الدقيقة للجاذبية على الوقت يعد أمرًا حيويًا لمزامنة أنظمة الملاحة والاتصالات.

قبضة الجاذبية اللطيفة

الجاذبية هي قوة غالبًا ما نعتبرها أمرًا مفروغًا منه، لكنها تلعب دورًا عميقًا في تشكيل فهمنا للكون وتؤثر على الوقت نفسه. وفقًا لنظرية النسبية العامة الرائدة لألبرت أينشتاين، يمر الوقت بشكل أبطأ بالقرب من الأجسام الضخمة ذات مجالات الجاذبية القوية، مثل الكواكب أو النجوم. وكلما اقتربت من مركز الأرض، كلما تحرك الوقت بشكل أبطأ مقارنة بكونك بعيدًا.

لنقل أن لديك ساعتين، واحدة على سطح الأرض والأخرى على القمر. بسبب جاذبية القمر الأضعف، يمر الوقت بشكل أسرع قليلاً على رفيقنا القمري. وهذا التأثير، المعروف باسم تمدد الزمن الثقالي (Gravitational time dilation)، ضئيل للغاية، لكنه ليس صفرًا. في الواقع، تبلغ جاذبية القمر سدس جاذبية الأرض فقط. مما يعني أن الوقت يتدفق بسرعة أكبر بنحو 1.1 ثانية على القمر.

قد يبدو هذا فرقًا ضئيلًا، لكنه ليس كذلك. ومع مغامراتنا في الفضاء، يمكن أن تصبح التأثيرات التراكمية للجاذبية على الزمن كبيرة. على سبيل المثال، إذا وضعنا ساعتين ذريتين جنبًا إلى جنب، واحدة على الأرض والأخرى على كوكب بعيد يتمتع بمجال جاذبية أقوى بكثير، فإن الساعة على الكوكب ستعمل بشكل أبطأ بسبب الجاذبية الأقوى. ولهذه الظاهرة آثار مهمة على فهمنا للزمان والمكان.

في سياق القمر، تعني قبضة الجاذبية اللطيفة أن جارنا القمري، في الواقع، يتقدم علينا بحوالي 57 جزءًا من مليون من الثانية يوميًا. قد لا يبدو الأمر كثيرًا، لكن هذا الاختلاف بالغ الأهمية بينما نستعد لإعادة البشر إلى القمر والمغامرة في نهاية المطاف في النظام الشمسي. تتطلب الدقة المطلوبة لأنظمة الملاحة والاتصالات فهمًا عميقًا للوقت ودقائقه. وبينما نتعمق في ألغاز الكون، يجب علينا أن نأخذ في الاعتبار الرقص المعقد بين الجاذبية والزمن، خشية أن نخاطر بضياع طريقنا في هذا الفضاء الشاسع.

سعي ناسا لتخطيط وقت القمر

بينما تضع ناسا نصب عينيها إعادة البشر إلى القمر بحلول عام 2026، تواجه الوكالة تحديًا استغرق صياغته عقودًا: التوفيق بين وقت القمر ووقتنا. ومع مهمات أرتميس القادمة، يحتاج العلماء إلى التأكد من تزامن أنظمة الملاحة، وهذا يتطلب فهمًا دقيقًا لكيفية عمل الوقت على سطح القمر.

لم تكن الزيارات القصيرة التي قام بها أبولو إلى القمر تتطلب الغوص العميق في تعقيدات ضبط الوقت القمري. ولكن مع وجود خطط للتواجد المستمر على القمر، فإن المخاطر أكبر. تؤكد شيريل جراملينج من وكالة ناسا أن البنية التحتية على الأرض مثل نظام التموضع العالمي (GPS) تضبط الوقت حتى مستوى النانو ثانية. وأن الدقة المماثلة ضرورية للملاحة والهبوط على القمر.

تولى سلافا توريشيف، عالم الفيزياء في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا، مهمة حساب الوقت على القمر. ومن خلال حساب المقياس الزمني المتدرج للأرض والقمر بالنسبة إلى مركز ثقل النظام الشمسي، توصل توريشيف وزملاؤه إلى رقم دقيق وهو أن القمر يتقدم على الأرض بمقدار 57 جزءًا من المليون من الثانية يوميًا (اليوم على كوكب الأرض).

ويعد هذا الحساب خطوة محورية نحو إنشاء نظام مرجعي زمني موحد للقمر. وهو الهدف الذي تعمل ناسا ووكالات أمريكية أخرى معًا لتحقيقه. وبينما يجتمع المجتمع الدولي لتحديد التوقيت القمري، فإن عمل فريق توريشيف سيلعب دورًا حيويًا في تشكيل مستقبل استكشاف القمر.

سرعة الوقت على القمر

عواقب فروق التوقيت في استكشاف الفضاء

في الفضاء، الدقة هي المفتاح. إذ تعتمد أنظمة الملاحة على ضبط الوقت بدقة لضمان وصول المركبات الفضائية إلى وجهاتها بأمان وكفاءة. قد لا يبدو الفارق الذي يبلغ 57 جزءًا من مليون من الثانية كبيرًا، لكنه يمكن أن يتراكم بمرور الوقت والمسافة. على سبيل المثال، إذا ترك هذا الفارق الزمني دون تحديد، فقد يؤدي إلى خطأ في موقع هبوط المركبة الفضائية على سطح القمر بعدة كيلومترات.


علاوة على ذلك، بينما تخطط وكالة ناسا لتأسيس وجود مستدام على القمر، يصبح ضبط الوقت بدقة أكثر أهمية. مع وجود العديد من المركبات الفضائية ورواد الفضاء الذين يعملون على مقربة من بعضهم البعض، قد تؤدي الأخطاء الصغيرة في ضبط الوقت إلى حدوث تصادمات أو حوادث. ويمكن أن تكون عواقب مثل هذه الحوادث مدمرة، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى نظام مرجعي زمني موحد للقمر.


ويؤكد اكتشاف هذا الفارق الزمني أيضًا على أهمية التعاون الدولي في استكشاف الفضاء. نظرًا لأن العديد من الوكالات والبلدان ستعمل معًا لاستكشاف القمر وأشياء اخرى في الفضاء، سيكون وجود نظام موحد لقياس الوقت أمرًا ضروريًا. وسيتطلب ذلك التعاون والاتفاق على مرجع زمني موحد، مما يضمن أن جميع المركبات الفضائية ورواد الفضاء على نفس الخط الزمني.

المصادر:

Time Ticks Faster on The Moon. Now We Know Precisely How Much. / science alert

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فلك فضاء

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 278
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *