لقد دخلت إلى غرفة مليئة بالقرود التي تكتب على الآلات الكاتبة مثل سكرتيرة منهمكة في عملها. لاتقلق، هذا ليس مشهد من فيلم، إنها نظرية القرد اللامحدودة (Infinite Monkey Theorem). تنص النظرية على أن القرد الذي يضغط على مفاتيح آلة كاتبة بشكل عشوائي لمدة لا نهائية من الزمن سوف يكتب بالتأكيد أي نص معين، بما في ذلك الأعمال الكاملة لويليام شكسبير. في الواقع، سوف يكتب القرد بالتأكيد كل نص محدود ممكن عددًا لا نهائيًا من المرات. ويمكن تعميم النظرية لتنص على أن أي سلسلة من الأحداث التي يكون احتمال حدوثها غير صفري سوف تحدث بالتأكيد عددًا لا نهائيًا من المرات، مع وجود كمية لا نهائية من الوقت أو كون لا نهائي الحجم.
وتهدف دراسة إلى وضع هذه النظرية تحت الاختبار. ومن خلال فحص حدود كوننا المحدود، أراد الباحثون أن يعرفوا مدى إمكانية قيام قرد (أو حتى جيش من الشمبانزي) بكتابة نص ذي معنى.
محتويات المقال :
كوننا المحدود
إن الدراسة الجديدة تكشف أن الأمر سيستغرق قدراً هائلاً من الوقت، أطول من عمر الكون، حتى يتمكن قرد يكتب على الآلة الكاتبة من كتابة أعمال شكسبير بشكل عشوائي. وعلى هذا فإن النظرية، رغم صحتها، مضللة إلى حد ما. لقد قرر الباحثون فحص النظرية باستخدام حدود كوننا المحدود.
إن نظرية القرد اللامحدودة تأخذ في الاعتبار فقط الحد اللانهائي، سواء كان هناك عدد لا نهائي من القرود أو فترة زمنية لا نهائية لعمل القرد. لقد قرر الباحثون أن ينظروا إلى احتمالية قيام عدد محدود من القرود بكتابة سلسلة معينة من الحروف خلال فترة زمنية محدودة بما يتفق مع تقديرات عمر الكون الذي نعيش فيه.
اختبار قرد الآلة الكاتبة
قام العلماء باستخدام تقديرات كوننا المحدود، لحساب احتمال كتابة سلسلة معينة من الحروف بواسطة عدد محدود من القرود خلال فترة زمنية محددة. ولأغراض تحليل الأرقام، افترض الباحثون أن لوحة المفاتيح تحتوي على 30 مفتاحًا بما في ذلك جميع حروف اللغة الإنجليزية بالإضافة إلى علامات الترقيم الشائعة.
وبالإضافة إلى استخدام قرد واحد، فقد أجروا الحسابات أيضاً باستخدام تعداد سكان العالم الحالي الذي يبلغ نحو 200 ألف من الشمبانزي، وافترضوا سرعة كتابة مثمرة إلى حد ما تبلغ مفتاحًا واحدًا كل ثانية حتى نهاية الكون في حوالي (100^10) سنوات.
القرود لن تنتج أعمال شكسبير
تكشف النتائج أنه من الممكن (بنسبة احتمال تبلغ نحو 5%) أن يكتب قرد شمبانزي واحد كلمة “موز” أثناء حياته. ولكن حتى مع إشراك كل قرود الشمبانزي، فمن المؤكد تقريباً أن أعمال شكسبير الكاملة (والتي يبلغ عددها نحو 884647 كلمة) لن تُطبع أبداً قبل نهاية الكون.
ولكي نفهم الأمر بشكل صحيح، إذا كان لدينا 200 ألف شمبانزي يكتبون منذ الانفجار الكبير (منذ حوالي 13.8 مليار سنة)، فسيظلون قد كتبوا حوالي 0.000001٪ فقط من أعمال شكسبير بحلول الوقت الذي ينتهي فيه الكون. تُظهر هذه الأرقام مدى الانخفاض الكبير في احتمالية قيام قرد كاتب بكتابة أعمال شكسبير.
ما وراء الآلة الكاتبة
في عصر أصبح فيه المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي منتشرًا بشكل متزايد، تتحدانا هذه النظرية لإعادة النظر في معنى أن تكون مبدعًا. هل يمكن للآلة أن تخلق شيئًا أصليًا حقًا، أم أنها مجرد إعادة ترتيب للأفكار الموجودة؟ إن الكتابة العشوائية التي يقوم بها القرد، على الرغم من قدرتها من الناحية النظرية على إنتاج أعمال شكسبير، تسلط الضوء على أهمية النية البشرية والغرض وراء المساعي الإبداعية.
علاوة على ذلك، فإن الدراسة التي تتحدى النظرية تثير أسئلة مهمة حول القيود التي يفرضها كوننا. وبينما نواصل دفع حدود التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، يجب علينا أن نأخذ في الاعتبار الآثار المترتبة على الاعتماد على الموارد المحدودة لتحقيق أهداف غير محدودة. هل سنكون قادرين على تكرار الإبداع على المستوى البشري باستخدام الآلات، أم أن هناك جوانب أساسية للوعي لا يمكن تكرارها؟
المصادر
A numerical evaluation of the Finite Monkeys Theorem | science direct
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :