Ad
هذه المقالة هي الجزء 4 من 9 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن القديم

الفن القديم والفن الهيلينستي – الفن اليوناني

أصل الفن الهيلينستي

بدأ الفن الهيلينستي اليوناني مع وفاة الإسكندر عام 323 قبل الميلاد واستمر حتى 31 قبل الميلاد. وقد نما الفن الهيلينستي من الأساس القوي للفن اليوناني المتميز بكلاسيكيته الآخاذة.

بدأ الفن الهيلينستي حين شن الإسكندر الأكبر حملاته على بلاد فارس والشرق الأدنى ومصر، وجلب بذلك الثقافة اليونانية إلى تلك الأراضي الشاسعة.

تم دمج التقاليد الفنية الإقليمية مع هذا التأثير اليوناني الجديد لإنتاج فنٍ مختلفٍ في الأسلوب حسب كل منطقة إلى أخرى، لذا سيكون من الصعب تعريف الفن الهلنستي وحده دون الإشارة إلى الفنون الإقليمية المؤثرة عليه.

لكن يمكن تلخيص مصطلح “الهيلينستية” بأنه الإعجاب بأفكار وأسلوب الحضارة اليونانية الكلاسيكية، ثم تقليدها وتطويرها لينتج لنا الفن الهيلينستي.

وعلى الرغم من أن الفن الكلاسيكي للعصر الذهبي لليونان -خصوصًا في أثينا- يحصل على كل المجد، إلا أن فن العصر الهيلينستي غني ومتنوع بشكل كبير. وهو العصر الذي ترجع له بعض أعظم المنحوتات في العالم، مثل: Venus de Milo و Winged Victory of Samothrace.

حينما ركز الفن اليوناني الكلاسيكي على المواضيع الدينية، اهتم الفن الهيلنستي بالتعبيرات الإنسانية بشكل أكبر ودون أي إهمال للشكل الخارجي.

فقد طوّرت تلك الكلاسيكية بواسطة عدة أشياء:

  • أوضاع ومشاهد تتسم بالدرامية أكثر.
  • الخطوط الظاهرة والكبيرة.
  • التباين العالي للظل والضوء.
  • إظهارضخم للعواطف والمشاعر الإنسانية.

وقد تطورت مثالية الفن الكلاسيكي خلال هذه الفترة حتى أصبحت على درجة عالية من الأشكال الحقيقية؛ نتيجة لجهود النحاتين العظماء في القرن الرابع أمثال (Praxitelis ، Skopas ، و Lysipos).

سمات الفن الهيلينستي

  • سعى الفنانون الهيلينستيون إلى نقل المشاعر الإنسانية من خلال أعمالهم.
  • استمر الاهتمام بالآلهة والمواضيع البطولية والأسطورية منذ بداية الفن اليوناني حتى ظهوره في الهيلنستي؛ بخلاف أنه تحول من الموضوعات الدينية إلى تعبيرات إنسانية أكثر درامية، واهتمامٍ بإظهارها بشكل مسرحي شديد.
  • إتاحة مجموعة جديدة كاملة من المواد، بعدما أخذ الموضوع الديني الصدارة لفترة كبيرة، كاستخدام الناس من جميع الأعمار والأعراق -خاصة الشعوب التي أدخلت حديثا- والتي أصبحت الموضوعات المفضلة للفنانين.
  • أظهر الفنانون اهتمامهم بتماثيل النساء العارية حتى أصبحت ذات شعبية كبيرة في الفن الهيلنستي، فقد اجتاحت تماثيل (فينوس) مختلف المواقف حينها.

والذي لا يزال يحظى بالإعجاب اليوم لتجسيده الجمال بنسبه المثالية؛ بداية من الخصر العالي، نزولًا إلى منعطف الساق الأنيق، حتى المنحنى المثالي لجذع الجسم.

ونرى تلك التماثيل الآن تزين قاعات العديد من المتاحف وأكاديميات الفنون في جميع أنحاء العالم.

Venus de Milo, Between 130 and 100 BC, 203 cm (80 in), Louvre Museum, Paris, France

وهبت التعبيرات الكلاسيكية المثالية الحياة للرخام البارد!

فقد أظهر مثلًا كلًا من تأرجح صندل أفروديت في تمثال “Aphrodite, Eros, and Pan” وابتسامتها التي تظهر روح الدعابة، مظاهر بسيطة وعبقرية تقوم بإحياء ذلك المشهد.

و يظهر هنا إله المراعي والصيد البري والغابات (بان) وهو يحاول إغواء (أفروديت) بشدة، حين تحاول هي صده بابتسامة، مؤرجحة صندلها استهزاء به.

APHRODITE, PAN, AND EROS, 6 meters, National Archeological Museum, Athens.

مظاهر تطور الفن الهيلينستي

Eros with the bow, 2nd century AD, 123 cm, Palazzo nuovo, Galleria.

الفن الهيلينستي متنوع بشكل غني بالموضوع وفي تطور الأسلوب، فقد تم إنشاؤه خلال عصر يتميز بإحساس قوي بالتاريخ. ولأول مرة، كانت هناك متاحف ومكتبات رائعة كالتي توجد في الإسكندرية وبيرجامون.

وقد قام الفنانون الهلنستيون بنسخ الأساليب السابقة بالإضافة إلى خلقهم ابتكارات رائعة، كأخذ تصوراتهم للآلهة بأشكالٍ جديدة.

فقد طوروا تمثال (ديونيسوس) إله الخمر والغزاة الأسطوريين للشرق – وهو من العناصر البارزة في الفن الهلنستي- وتمثال (هيرميس) إله التجارة. وقد تم تصوير (إيروس) إله الحب اليوناني كطفلٍ صغير.

كما خرجت التماثيل الهلنستية عن الصندوق المعروف وشملت أي شيء يمكن رؤيته من كل زاوية، فقد عكس التنوع المواضيع مجموعة متنوعة من الأفراد.

فكان هناك النساء والرجال والأطفال وكبار السن. بالإضافة إلى كشف الستار عن المشاعر وتجسيدها، كالعذاب أو اللطف أو الحكمة محفورة بشكل واضح على الوجوه.

“Boy with Goose,” 2nd century BCE

النحت في الفن الهيلنستي

واصل الفنانون تقديم أشكالهم باهتمام كبير بالتفاصيل، وعرضها على مقربة من الطبيعة قدر استطاعتهم خاصة في النحت، وقد تميز النحت في العصر الهيلنستي بعدة أشياء:

  • التخلي عن الأنماط السابقة بتجسيد مواضيعهم في “ذات” التماثيل فقط، لكنها تتميز بدخولها في الوسط البيئي
    وبقوة من خلال مشاهد درامية مساعدة، وذلك بواسطة وضع المنحوتات وسط الطبيعية المناسبة لسياقها.

فمثلًا تم وضع تمثال (Winged Victory of Samothrace) في ملاذ تم بناؤه على حافة جرف مع بركة مياه عاكسة لصورته، ووجود صخور كجزء من المنظر الطبيعي.

وهو مثال نادر على براعة حضور التمثال رغم أنه مادة جامدة، والفهم الفكري العميق من خلال تطبيق للتقنيات الجمالية الكلاسيكية.

لقد اختار النحاتون أن يزينوا شخصياتهم بـ “القماش” لثلاثة أسباب رئيسية:

Winged Victory of Samothrace”, 244 cm, Louvre, Paris, France”.
  1. إبراز الحركة المقترحة للشخصية.
  2. التأكيد على ملامح تشريحها النابض بالحياة.
  3. إظهار مهاراتهم في النحت.

وقد ظهر هذا الأسلوب المعروف باسم “الأقمشة الرطبة” لأول مرة خلال الفترة الكلاسيكية، وتم تبنيه وتطويره من قبل الفنانين الهيلنستيين.

ونرى ذلك في التطابق المثالي -في نفس التمثال- لثنيات القماش العميقة مع الجسم العاري تحتها؛ كاشفة عن الوجود البشري للإلهة وهي تقاوم الرياح والقوة الخارجية.

وتتجسد تلك الرياح الخيالية في التمثال نفسه بتشكيلها للقماش في ترابط مرن بين الأجسام المادية والمتخيلة، مخلدة بذلك حالة الفنان الإنسانية حينها في حجر.

  • استخدم النحاتون الديناميكية والأشكال الملتوية التعبيرية المبالغ فيها لتوضيح الحركة، لتبدو
    التماثيل إنسانية قدر الإمكان. وهو ما يظهر بشدة في تمثال Laocoön and His Sons.
  • قام الفنانون الهلنستيون بصياغة منحوتات مستوحاة من أوضاع بشرية حقيقية.

فبدلاً من تجسيد التماثيل بأوضاعٍ غير واقعية، تم تقديم شخصيات مثل (Venus de milo) بشكلٍ غير رسمي، من خلال استخدام توزيع واقعي للوزن والجسم على شكل حرف S، كأنها شخص يقف بشكلٍ طبيعي لا مبالغة فيه.

اهتم النحات الهيلنستي بالمظهر الخارجي الحقيقي بشكل كبير، لكنه سعى للتعبير من خلاله عن العالم الداخلي للمشهد، وتجسيد المواقف المجتاحة للعواطف والأفكار النفسية الداخلية.

التصوير في الفن الهيلنستي

وجوه الفيوم

كانت البلدان والمستعمرات في جميع أنحاء شرق البحر الأبيض المتوسط ​​معجبًا جدًا بالفن اليوناني، مما يظهر جليًا في اللوحات الشهيرة “وجوه الفيوم” الهلنستية والتي تعود لعام 50 قبل الميلاد.

من المحتمل أن تكون أفضل الأمثلة الباقية لللوحات الهيلنستية، هي لوحات وجوه الفيوم. وهي سلسلة كبيرة من اللوحات تم العثور عليها في الفيوم أكثر من أي مكان آخر في مصر.

وهي عبارة عن صور واقعية للغاية للرأس والكتف، رسمت من قبل فنانين مجهولين بأسلوب الفن اليوناني
من الفترة الهلنستية.

عُلّقت تلك اللوحات على المومياوات التي تعود للعصر القبطي، حيث تم ربطها بقماش الدفن المستخدم
لتغليف الجثث؛ بحيث تغطي وجه الشخص المتوفى.

وقد تم العثور حتى الآن على حتى الآن على حوالي 900 لوحة، والتي حافظت عليها الظروف الجافة في حالة جيدة للغاية، حتى أن الألوان المستخدمة فيها فقدت القليل فقط من بريقها الأصلي.

صوّرت تلك اللوحات الرأس أو الرأس والكتفين للشخص، ولقد شملت الموضوعات الرجال والنساء
والأطفال من جميع الأعمار.

وقد قال الفنان (علاء حجازي) -فنان مصري حاصل على بكالوريوس الفنون الجميلة عام 1986- معبرًا عن رأيه الشخصي عنها:

“إن التعبير المشترك -إلا بعض الإستثناءات- الظاهر على وجوه الفيوم هو نظرة المفارق للحياة، والوجه بكامله كأنه صورة لجواز سفر للحياة الأخرى، والعيون الحزينة. لكن هل بالفعل هذه الحالة الحقيقية لأصحاب تلك الوجوه؟ وهل كانوا يعرفوا انهم يُرسموا لتوضع وجوههم على التابوت، وأنها الصورة التي يريدوا أن يبعثوا عليها؟”

وقال مجيبًا تلك التساؤلات:

“كل ذلك ينفيه وجوه الأطفال القليلة الموجودة ضمن وجوه الفيوم، لأنه لا يعقل أن يخمن أحدهم أن ذلك الطفل سيموت ويبدأ الرسام في رسمه وهو حي ليوضع على التابوت بعد مماته.”

وأضاف: “أو أن ذلك كان طقس من طقوس التحنيط بتلك الفترة الزمنية، وأن الفنان كان يرسم الوجه مستعيناً بالمتوفي نفسه كموديل، إما ان يضع التعبير الأخير على وجه المتوفي، أو يبتكر له ليعبر عن الحالة وهذا هو الأرجح”.

تأثير الفن الهيلنستي على بقية العصور

The Veiled Virgin, by Italian sculptor Giovanni Strazza 1818–1875

أصبح الملوك الهلنستيون رعاة بارزين للفن، فقد كلفوا بالأعمال العامة للهندسة المعمارية والنحت، حتى خلّدت بجدارة واستفادت منها جميع الأجيال اللاحقة.

وتعد أكبر ميزة لهذا العصر هي التنوع الكبير، وقد ظلت التماثيل الهلنستية على مدار عدة قرون واحدة من أكثر الأنواع تأثيرا في الممارسة الفنية.

فطوال عصر النهضة، تم التركيز على تشريح تماثيلها من قبل الفنانين كـ (مايكل أنجلو)، وخلال عصر الباروك، أخذ (برنيني) الإلهام من حركتها الديناميكية.

أما في القرن التاسع عشر، استخدم (جيوفاني ستراتزا)  تقنية “الأقمشة الرطبة” في تمثاله The Veiled Virgin بمهارة كبيرة أظهرت جمال التقنية وبراعة الفنان.

اقرأ أيضًا عن الفن الفرعوني

المصادر:
Art History
Greek Landscapes
Classical Wisdom
Met Museum
My Modern Met
Visual-arts-cork

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


آثار فنون رسم عمارة نحت

User Avatar

Dina elkhateib

دينا الخطيب، طالبة بكلية الفنون الجميلة، 20 عامًا. مصرية الجنسية. الاهتمامات: القراءة - الرسم - الكتابة - اللغات - التاريخ


عدد مقالات الكاتب : 33
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق