Ad

يعد اكتشاف الكائنات الحية الدقيقة (الميكروبيوم) (microbiome) التي تعيش في الدماغ البشري اكتشافًا رائدًا أثار اهتمامًا كبيرًا في المجتمع العلمي. توصل باحثون من جامعة إدنبره إلى اكتشاف مذهل مفاده أن الدماغ البشري، الذي كان يُعتقد في السابق أنه عضو معقم، هو موطن لمجموعة متنوعة من الميكروبيوم. هذا الإنجاز له آثار كبيرة على فهمنا لصحة الدماغ والمرض.

لقد فتح هذا البحث الرائد آفاقًا جديدة لاستكشاف دور الميكروبيوم في صحة الدماغ والأمراض، بما في ذلك مرض ألزهايمر. بينما نتعمق في عالم ميكروبيوم الدماغ، فإننا مضطرون إلى إعادة تقييم فهمنا للدماغ البشري وعلاقاته المعقدة مع الميكروبيوم.

الدماغ المعقم

لقرون عديدة، كان يُعتقد أن الدماغ البشري عضو معقم، محمي من العالم الخارجي ومحمي من المواد الضارة المنتشرة في الدم. وقد دفعت هذه الفكرة العلماء إلى الاعتقاد بأن الدماغ خالي من الميكروبيوم، على عكس أجزاء الجسم الأخرى. ومع ذلك، مع تقدم التقنيات الجزيئية والتسلسل الجيني، بدأ الباحثون في الكشف عن الأدلة التي تتحدى هذا الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة.

تعود فكرة أن الدماغ عضو معقم إلى أوائل القرن العشرين، عندما اكتشف العلماء الحاجز الدموي الدماغي (BBB). ويتكون هذا الحاجز الوقائي من خلايا وبروتينات متخصصة تمنع المواد الضارة، بما في ذلك الميكروبيوم، من دخول الدماغ. إنه حاجز فعال للغاية لدرجة أنه كان يُعتقد أنه غير قابل للاختراق، مما يجعل من المستحيل على الميكروبيوم التسلل إلى الدماغ.

ومع ذلك، مع تقدمنا ​​في السن، يصبح الحاجز الدموي الدماغي عرضة للتسريب، مما يسمح للمواد بالمرور، بما في ذلك الكائنات الحية الدقيقة. يُعتقد أن هذا التغيير في نفاذية الحاجز الدموي الدماغي يساهم في تطور الأمراض العصبية، مثل مرض ألزهايمر. بالإضافة إلى ذلك، مع تقدمنا ​​في العمر، يضعف جهاز المناعة لدينا، مما يجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالعدوى وربما يسمح للكائنات الحية الدقيقة بالسيطرة على الدماغ.

لمحة عن تاريخ أبحاث الميكروبيوم في الدماغ

قد يبدو مفهوم ميكروبيوم الدماغ، حيث تتواجد الكائنات الحية الدقيقة داخل دماغنا، وكأنه فكرة ثورية، لكنه يتمتع بتاريخ غني من الأبحاث يعود إلى عام 2013. العمل الرائد للعلماء الذين تجرأوا على تحدي الفكرة القديمة المتمثلة في إن الدماغ عضو معقم، وخالي من الكائنات الحية الدقيقة، مما مهد الطريق لهذا الاكتشاف الرائد.

في عام 2013، اقترحت دراسة فكرة أن الدماغ قد يكون لديه ميكروبيوم خاص به، لكنها لم تحظ بالكثير من الاهتمام في ذلك الوقت. قام الباحثون بالتحقيق فيما إذا كانت الميكروبات يمكن أن تغزو أدمغة الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، ومن المثير للدهشة أنهم وجدوا مادة وراثية من أكثر من 173 نوعًا من البكتيريا والعاثيات (phages) في الأدمغة التي تمت دراستها. ألمح هذا الاكتشاف إلى إمكانية وجود ميكروبيوم في الدماغ، ولكن كانت هناك حاجة إلى مزيد من البحث لترسيخ هذا المفهوم.

وفي السنوات الأخيرة، أدى التقدم في التقنيات الجزيئية، مثل تكنولوجيا التسلسل الجديدة، إلى تمكين العلماء من دراسة الشفرة الوراثية للكائنات الحية الدقيقة بدقة أكبر. وقد أدى ذلك إلى تجدد الاهتمام بميكروبيوم الدماغ، حيث قام باحثون من جامعة إدنبرة بمقارنة أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر بالأدمغة السليمة. ووجدوا أن أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر تحتوي على بكتيريا وفطريات أكثر من الأدمغة السليمة، مما يشير إلى وجود صلة محتملة بين ميكروبيوم الدماغ والأمراض العصبية.

حدود جديدة في العلوم

لقد فتح اكتشاف الميكروبيوم الدماغي آفاقًا جديدة في العلوم، والباحثون حريصون على استكشاف هذه المنطقة المجهولة. من المعروف الآن أن الدماغ، الذي كان يُعتقد سابقًا أنه عضو معقم، يؤوي مجتمعًا متنوعًا من الكائنات الحية الدقيقة. ولكن ماذا يعني هذا، وكيف يؤثر على فهمنا لوظيفة الدماغ والمرض؟

أحد الجوانب الأكثر روعة في ميكروبيوم الدماغ هو تشابهه مع ميكروبيوم الأمعاء. أظهرت الأبحاث أن ميكروبيوم الدماغ هو مجموعة فرعية من ميكروبيوم الأمعاء، حيث يوجد حوالي 20٪ من الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في الدماغ أيضًا في القناة الهضمية. وهذا يثير تساؤلات حول العلاقة بين الأمعاء والدماغ، وكيف يمكن للتغيرات في أحد الميكروبات أن تؤثر على الآخر.

كيف تدخل الكائنات الحية الدقيقة إلى الدماغ

تشير الأبحاث إلى أن أحد الطرق المحتملة للدخول يمكن أن يكون عن طريق الفم. أمراض الفم، مثل أمراض اللثة أو تسوس الأسنان، يمكن أن تسبب تلف الأنسجة، مما يسمح للبكتيريا الموجودة عادة في الفم بالانتقال إلى الدماغ عبر الجهاز العصبي.

وتدعم هذه النظرية حقيقة أن البكتيريا الفموية قادرة على إنتاج بروتينات الأميلويد، وهو البروتين الذي يلعب دورًا حاسمًا في وظائف المخ الطبيعية ولكنه موجود أيضًا في كتل غير طبيعية لدى الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر. ومن الممكن أن تغزو هذه البكتيريا الدماغ، مما يساهم في تطور أمراض مثل مرض ألزهايمر.

يعد لغز كيفية دخول الكائنات الحية الدقيقة إلى الدماغ أمرًا بالغ الأهمية، حيث أن فهم هذه العملية يمكن أن يحمل المفتاح لتطوير علاجات جديدة لأمراض الدماغ. ومن خلال كشف هذا اللغز، قد يكشف العلماء عن طرق جديدة للوقاية من أمراض مثل مرض ألزهايمر، أو حتى علاجها، والتي يمكن أن يكون لها تأثير عميق على الصحة العامة.

الآثار المحتملة للميكروبيوم على أمراض الدماغ

تخيل المستقبل حيث يمكن معالجة مرض ألزهايمر، الذي كان يعتبر ذات يوم قوة لا يمكن إيقافها، بشكل مباشر. ويعتقد الباحثون أن خلل التوازن في ميكروبيوم الدماغ يمكن أن يكون عاملا مساهما في تطور هذا المرض المدمر. ومن خلال فهم التفاعل المعقد بين الكائنات الحية الدقيقة في الدماغ، قد يكشف العلماء عن طرق جديدة للعلاج. يمكن أن يؤدي هذا إلى علاجات شخصية مصممة خصيصًا للميكروبيوم الدماغي الفريد للفرد، مما قد يبطئ أو حتى يوقف تطور مرض ألزهايمر.

ولكن هذا ليس كل شيء. يمتد تأثير ميكروبيوم الدماغ إلى ما هو أبعد من مرض ألزهايمر ليشمل اضطرابات عصبية أخرى، مثل مرض باركنسون، والتصلب المتعدد، وحتى الاكتئاب. يثير اكتشاف الكائنات الحية الدقيقة في الدماغ تساؤلات حول دورها المحتمل في هذه الظروف. ومن خلال استكشاف الميكروبيوم في الدماغ، قد يكشف الباحثون عن أدلة جديدة لفهم الأسباب الكامنة وراء هذه الأمراض، مما يمهد الطريق لعلاجات أكثر فعالية.

المصادر:

live science

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


صحة أحياء طب

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 100
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق