Ad
هذه المقالة هي الجزء 3 من 9 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن القديم

سلسلة الفن القديم والفن الفرعوني

بعد أن استقر الإنسان في الأرض، وقام بتعميرها زراعيًا واقتصاديًا وفنيًا، وابتعد عن الحياة البدائية،، بدأ يحول اهتمامه نحو الحياة الأخرى بشكل كبير، وهذا ما فعله بالضبط الفن الفرعوني.

أثناء ازدهار حضارة بلاد الرافدين، برزت حضارة أخرى بلغت إسهاماتها للحياة الأخرى ما يميزها عن غيرها، وتوثقه توثيقًا متقنًا بوسائل فن فاقت جميع ما سبقها من حضارات وفنون، فنشأت تلك الحضارة هي الفرعونية متميزة تميزًا ضخمًا.

التسلسل الزمني للفن الفرعوني

أصبح تاريخ الحضارة الفرعونية معروفًا من خلال فنه إلى حد كبير، فقد تطور الفن في مصر القديمة بشكلٍ ملحوظ خلال فترة ما قبل الأسرات (6000 ق.م – 3150 ق.م) من خلال الرسوم الصخرية والأعمال الخزفية.

لكن تم إدراكه بالكامل في فترة الأسرات المبكرة (حوالي 3150 – 2613 ق.م.) في لوح نارمر الشهير.

وكان ذلك أول أبواب الفن في الحضارة الفرعونية، فلوح نارمر من أشهر القطع الفنية في ذلك العصر، وهو طبق حجري تم عمله احتفالًا بالنصر لتوحيد مصر وهو الأمر المدوّن على وجهيه، والمنحوت فيهما مشاهد توحيد الملك نارمر لمصر العليا والسفلى بشكلٍ معقد.

وتتجلى أهميته في التركيبة الغريبة التي تتميز برؤوس أربعة ثيران –والتي ترمز للقوة- في أعلى كل جانب، وبتمثيل غاية في التوازن لشخصيات القصة.

ويعتبر هذا العمل تحفة فنية من عصر الأسرات المبكرة؛ مظهرًا بشكلٍ كبير مدى تقدم الفنانين المصريين في ذلك الوقت.

لوحة نارمر ، مصر ، ج. 3100 قبل الميلاد. تُصوِّر البلاطة الملك نارمر وهو يغزو أعدائه ويُخضع الأرض. (المتحف المصري، القاهرة)
لوحة نارمر ، مصر ، ج. 3100 قبل الميلاد. يصوّر اللوح الملك نارمر وهو يغزو أعدائه ويُخضع الأرض. المتحف المصري، القاهرة.

وقد استمرت إسهاماتهم الفنية بعد هذا اللوح بهرم زوسر (هرم سقارة)، والذي عكس بطبيعة الحال المهارة المصرية في العمل في الحجر على الأعمال الفنية الضخمة.

وقد ازدهر الفن بشكل ملحوظ خلال عصر الدولة الوسطى (2040-1782 قبل الميلاد) والذي يعتبر عمومًا أهم مكان في الثقافة المصرية.

فقد بدأت صناعة التمثال الهائل الحجم، وهي نفس الفترة التي بني فيها معبد الكرنك العظيم في طيبة، مرورًا باستبدال مثالية تصورات المملكة القديمة للتماثيل واللوحات بأشكال واقعية، حتى ظهور فن الطبقات الدنيا أكثر من السابق، والذي كانت تحتكره نخبة المجتمع والطبقات العالية.

معبد الكرنك، يعد أكبر معبد في العالم، مدينة الأقصر، مصر.
معبد الكرنك، أكبر معبد في العالم، مدينة الأقصر، مصر.

لكن حينما ظهرت المملكة الحديثة (1570 – 1069 ق.م) تم اعتبارها فورًا الفترة الأكثر شهرة من تاريخ مصر، وقد أنتجت بعض أروع وأشهر الأعمال الفنية: كتمثال نفرتيتي والقناع الذهبي لتوت عنخ آمون.

ويتميز فن المملكة الحديثة بجودة عالية في رؤيتهم الفنية وتقنياتها؛ وذلك لتفاعل الدولة المصرية مع الثقافات المجاورة، بما أن ذلك العصر هو عصر دخول الإمبراطورية إلى مصر.

سمات الفن الفرعوني

يحتاج أي عمل ببساطة إلى أن يكون جميلًا، ويحظى الفن المصري بإعجاب دائم بجماله بسبب القيمة التي قدمها المصريون القدماء في التماثل – Symmetry.

يعكس التوازن المثالي في الفن المصري القيمة الثقافية للإلهة (ماعت) -إلهة الحق والنظام والعدل- والذي كان نظامها أساسًا قويًا للحضارة المصرية.

فقد جعلت الكون مرتبًا من فوضى متماثلة، وكانت تلك الفوضى هي مفهوم الوحدة، لكنها جعلت الازدواجية -الليل والنهار، الإناث والذكور، الظلام والضوء- منظمة بدقة.

ويجب النظر إلى الفن المصري القديم من وجهة نظر المصريين القدماء لفهمه، فقد كانت التماثيل والصور دائمًا ما تتميز بأوضاع ثابتة إلى حد ما، تحيطها هالة العادات الرسمية، بالإضافة إلى ظهورها بشكل تجريدي.

وغالبًا ما أدت الطبيعة الغامضة للعديد من الفن المصري القديم إلى مقارنات غير عادلة  مع بقية الفنون اللاحقة ، كالفن اليوناني أو فن عصر النهضة.

لكن هذا لا يعني أن المصريين لم يكن لديهم شعور بالجمال. فقد كُتبت الهيروغليفية المصرية مثلًا مع أخذ علم الجمال في الاعتبار بشكل كبير وواضح.

وظيفة الفن الفرعوني

خدم  فن المصريين غرضًا مختلفًا تمامًا عن غرض هذه الثقافات، فقد تم إنشاؤه لغرض عملي، بينما كان الفن اللاحق مخصصًا للمتعة الجمالية.

فبينما نتعجب من الكنوز المتلألئة من قبر توت عنخ آمون، والنقوش البارزة في مقابر المملكة الحديثة ، والجمال الهادئ للتماثيل في الدولة القديمة، من الضروري أن نتذكر أن غالبية هذه الأعمال لم يُقصد منها أن يستمتع بها؛ بل صُممت لتفيد الآلهة أو المتوفيين.

فقد كان غرض التماثيل هو تجسيد المتلقي (الآلهة أو المتوفي) للظهور أمام الشعب وبالتالي استفادتهم من الطقوس المقدمة لهم.

تُظهر معظم
التماثيل بشكل أمامي ورسمي متجهة للأمام؛ لمواجهة الطقوس التي تُجرى أمامها. فالتماثيل -سواء كانت إلهية أو ملكية أو لأفراد من نخبة المجتمع- وفرت نوعًا من القنوات للروح للتفاعل مع العالم الأرضي.

معبد أبو سمبل، 230 كم جنوب غرب أسوان، مصر.
معبد أبو سمبل، 230 كم جنوب غرب أسوان، مصر.

وقد أظهرت لوحات القبور مشاهد من حياة المرء على الأرض حتى تتذكرها الروح، أو مشاهد من الجنة يأمل المرء في بلوغها حتى يعرف كيفية الوصول إليها.

وعلى سبيل المثال، فقد صُممت حديقة تعود للأسرة الحادية عشرة لتحكي قصة رحلته صاحبها في الحياة وصولًا إلى الجنة.

فقد بنيت أعمدة الرواق على شكل أزهار اللوتس والتي ترمز إلى منزله في صعيد مصر، ويمثل حوض السباحة في الوسط  بحيرة (ليلي)، التي يتعين على الروح عبورها للوصول إلى الجنة.

وقد تم تزيين سور الحديقة البعيدة بمشاهد من الحياة الآخرة، لذا في كل مرة يجلس فيها في حديقته؛ستذكره كل تلك المشاهد بطبيعة الحياة باعتبارها رحلة قصيرة، والذي من المرجح أن يضفي عليه نظرة زاهدة للحياة عند مروره بأي ظروف قد تكون مزعجة!

السجلات

تم تسجيل مشاهد تروي قصصًا في مختلف مجالات الحياة بشكلٍ متوازٍ على الحائط يعرف باسم السجلات، وهذه السجلات تفصل المشاهد عن بعضها بخطوط أرضية.

ويوجد نوع آخر من المشاهد المدونة لا تحتوي على سجلات، وعادة ما تسجل مشاهد للقتال والصيد، وفي كثير من الأحيان تظهر الجيوش دون خطوط أرضية.

الخامات المستخدمة في الفن الفرعوني

كان من طبيعة حال الفن في تلك العصور أنه استخدم بواسطة مواد طبيعية ولكن معدة بطرق متقنة، وبالنسبة للحضارة الفرعونية، فقد مزج الفنانون الألوان المصنوعة من معادن طبيعية.

فقد صنعوا الأسود من الكربون، والأحمر والأصفر من أكاسيد الحديد، أما بالنسبة  للأزرق والأخضر فكانوا من من الأزوريت والملكيت، أما  الأبيض كان من الجبس.

يتم خلط المعادن مع المواد العضوية بنسب مختلفة، ثم يتم خلطها مع بياض البيض لجعلها لزجة بحيث تلتصق بالسطح، بالإضافة لمواد غير معروفة حتى يومنا الحالي.

تفاصيل من عرش( توت عنخ آمون) الذي يظهر الفرعون مع زوجته (عنخ إست آمون) على اليمين. 1327 قبل الميلاد ، المتحف القومي للحضارة المصرية، القاهرة.
تفاصيل من عرش( توت عنخ آمون) الذي يظهر مع زوجته (عنخ إست آمون) على اليمين. المتحف القومي للحضارة المصرية، القاهرة، مصر.

وكان الطلاء المصري متينًا لدرجة أن العديد من الأعمال ظلت حية بعد أكثر من 4000 عام، حتى الغير المحمية منها في المقابر!

أما بالنسبة للنحت بنوعيه البارز والغائر، فيتم تنعيم سطح الجدار وهو ممزوج بالجص، ثم يغطى بالرمل.

وفي البداية، يقوم أحد الفنانين بإنشاء نموذج مصغر للعمل الكبير بطريقة دقيقة، ثم يرسم الخطوط الأساسية عليه بتقنية الشبكة ويقوم بنقلها على الحائط بالنسب الجديدة.

ولن تواجه الفنان أية مشاكل مع النسب عند النقل؛ لأنه سيتمكن من نسخ الصورة بالنسب الصحيحة باستخدام العمل الأصغر كنموذج ومرجع.

وحينما ينتهي الفنان من نقل النسب الصحيحة، يُرسم المشهد على الحائط ثم يتم تحديده بالطلاء الأحمر.

وقبل أن يباشر العمل النهائي، يجب المرور على مرحلة الملاحظة والتصحيح، فسيتم إجراء تصحيحات على العمل بواسطة فنان أو مشرفٍ آخر، ثم عند التأكد من كل شيء فيها يتم طلاؤها باللون الأسود، وبمجرد انتهاء تلك المرحلة يبدأ الفنان في النحت والتلوين.

هل ما نراه في المتاحف هو كل شيء؟

إن معظم الأعمال التي نراها في المتاحف هي في الحقيقة نتاج ورش ملكية أو تعود ملكيتها لصفوة المجتمع؛ فتلك القطع تتناسب بشكل أفضل مع أفكارنا الحديثة عن الجمال!

ومع ذلك، فإن معظم أقبية المتاحف يوجد بها الآلاف من القطع الأخرى والمصممة للأشخاص ذوي المكانة المنخفضة – كالتماثيل الصغيرة والتمائم والتوابيت والأحجار- والتي يمكن التعرف عليها بشكلٍ كامل، ولكن نادرًا ما يتم عرضها.

تُظهر هذه القطع بشكل عام جودة أقل في المصنعية؛ بمشاكلٍ في النسب أو لسوء تنفيذها، والتي قليلًا ما يتم اعتبارها (فنًا) بالمعنى الحديث.

لكنها تخدم رغم ذلك نفس الوظيفة بالضبط المتمثلة في توفير المنفعة لأصحابها وبنفس درجة الفعالية، كتلك التي صُنعت للنخبة.

اقرأ أيضًا: الفن في مصر القديمة

المصادر:
Ancient History
Khan Academy

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


نحت آثار فنون رسم عمارة

User Avatar

Dina elkhateib

دينا الخطيب، طالبة بكلية الفنون الجميلة، 20 عامًا. مصرية الجنسية. الاهتمامات: القراءة - الرسم - الكتابة - اللغات - التاريخ


عدد مقالات الكاتب : 33
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق