محتويات المقال :
البيانو ومسيرة تطوره
في أوائل القرن الثامن عشر (حوالي عام 1700) طور الإيطالي بارتولوميو كريستوفوري (Bartolomeo Cristofori) ما يعرف الآن باسم البيانو. ولكن لا يمكن القول إن هذه الآلة لم تكن موجودة قبل ذلك، بل إن لها أسلافاً من آلات موسيقية بأنواع وآليات عمل مختلفة. فإذا ما أردنا أن نتعرف على البيانو، لا بدّ من العودة في التاريخ إلى ما قبل القرن الثامن عشر، والبحث في أنواع الآلات المختلفة والتطورات التي طرأت عليها، حتى وصلنا إلى هذه النتيجة الرقيقة العذبة المسماة بيانو [1].
الآلات الموسيقية التي انحدر منها البيانو
تصنف الآلات الموسيقية في ثلاث مجموعات حسب آلية إصدارها للصوت. فهناك الآلات الوترية (string instruments)، والآلات الهوائية أو النفخية (wind instrumetns)، والآلات الإيقاعية (percussion instruments)، وتوجد أيضاً آلات المفاتيح (keyboard instruments) [1].
يمكن تعقب سلف البيانو إلى أكثر من آلة موسيقية، مثل الكلافيكورد (clavichord)، والهاربسكورد أو البيان القيثاري (harpsichord)، والدولسيمر أو السانتور (dulcimer) [1].
وعند العودة أكثر في التاريخ، يمكن الوصول إلى أن البيانو انحدر من آلة المونوكورد (monochord)، حيث يصدر الصوت الموسيقي نتيجة اهتزاز الأوتار داخله، ولهذا يعتبر أنه آلة وترية [1].
لكن يندرج البيانو كذلك ضمن مجموعة الآلات الإيقاعية، لأن حركة الأوتار واهتزازها ناتجة عن ضربها بمطارق داخلية. وبهذا تكون آلية عمله شبيهة بالدولسيمر، الذي يعتمد كذلك على طرق الأوتار بمطرقة صغيرة. فالدولسيمر يمثل أحد أسلاف البيانو المباشرين [1].
وكتصنيف آخر، يقع البيانو في عائلة آلات المفاتيح، وتعود هذه العائلة إلى آلة الأورغن التي تعمل عن طريق إرسال دفعات هوائية عبر أنابيب لإصدار الأصوات. وقد طور الحرفيون المختصون آلة الأورغن وأضافوا لها بعض التحسينات حتى وصلوا إلى آلة الكلافيكورد في القرن الرابع عشر. وكانت هذه إحدى الخطوات في الطريق إلى آلة البيانو لاحقاً [1].
ومع الزمن، في القرن السادس عشر، اختُرعت آلة الهاربسكورد في إيطاليا، وانتشرت لاحقاً إلى فرنسا وألمانيا وبريطانيا. ويقوم مبدأ هذه الآلة على الضغط على مفاتيح للتحكم بأوتاد خشبية تنقر على أوتار متصلة بها. وتشبه آلية العمل بين الأوتار واللوحة تلك الموجودة في البيانو والتي تطورت عنها لاحقاً [1].
الصوت الرقيق
إذاً، مر تطور البيانو بمراحل عديدة حتى وصل إلى شكله الحالي، لذلك لا يمكن القول تماماً أن الإيطالي بارتولوميو كريستوفوري هو من “اخترع” هذه الآلة. ولكنه عمل على تعديل أسلافها، وتحديداً الهاربسكورد. فقد كان غير راضٍ عن عدم قدرة العازف على التحكم بقوة الصوت الصادر عن الهاربسكورد، وينسب له تعديل آلية العمل واستخدام المطارق في بداية القرن الثامن عشر. وقد أُطلق على هذه الآلة الجديدة بدايةً اسم “الهاربسكورد الذي يعزف أصواتاً رقيقة (piano) وقوية (forte)”، أي أن كلمة “بيانو” تعني “الرقيق” بالإيطالية! [1].
آلية العمل
عندما يضغط العازف على المفتاح، تتحرك مطرقة داخلية وتضرب على الأوتار من الأسفل. ولكن الصوت الصادر عن هذا هو صوت رقيق [2].
تدعم الأوتار من إحدى الجهات جسور صغيرة تكون معلقة بأجهزة الأداء، وتنتقل الاهتزازات من الأوتار إلى الأجهزة عبر هذه الجسور. وبالنتيجة يخرج صوت قوي من اهتزاز الهواء بفعل أجهزة الأداء [2].
تصميم البيانو
لم يتغير شكل البيانو وهيكله كثيراً عما سبقه من الآلات الموسيقية التي تطور عنها، حيث بقيت لوحة المفاتيح والصندوق والمطارق والأوتار والدواسات من الأجزاء الرئيسية [3].
الأجزاء الأساسية
أولاً لوحة المفاتيح (keyboard)، وهي الجزء الظاهر والذي تتم فيه عملية التفاعل بين الآلة والعازف. تتألف لوحة المفاتيح القياسية من 88 مفتاحاً بالمجمل. ومن الواضح للناظر أن هذه المفاتيح تنقسم إلى مجموعتين. المجموعة الأولى هي المفاتيح البيضاء أو الطبيعية، وعددها 52. سميت بالطبيعية لأن العلامات الموسيقية (notes) التي تعطيها تكون طبيعية، أي ليست حادة أو مسطحة. أما المفاتيح السوداء، وهي 36 مفتاحاً، فتكون أقصر من أخواتها البيضاء، وتعطي علامات حادة أو مسطحة [3].
القسم الثاني هو الصندوق والغطاء (case and lid). وهو الصندوق الذي يحتوي الآلة بأكملها. على الرغم من سهولة تمييز شكله على الفور، قد يختلف الصندوق بعض الشيء بين نوع وآخر. كما يمكن أن يختلف حجمه وتأثير رفع الغطاء على الصوت الموسيقي [3].
ثالثاً، تأتي المطارق والأوتار (hammers and strings) وهي الأجزاء الجوهرية التي تقوم بالعمل. تقع المطارق والأوتار داخل الصندوق وتحت الغطاء، وتكون الأوتار متصلة بالمطارق. عند النقر على المفاتيح، يصبح المفتاح النقطة الأساسية التي تحرك المطارق وتؤثر على الأوتار. أما الأوتار، فهي مربوطة ومضبوطة لتعطي صوتاً أو علامة موسيقية محددة [3].
المثبط (damper) هو المكون الرابع في هذه الآلة المنسجمة، ويهدف إلى الحفاظ على التناغم في الصوت ومنع اختلاط الأصوات الصادرة عن مختلف العلامات الموسيقية. حيث تتمثل وظيفته بالتقاط الوتر وإيقافه عن الاهتزاز بعد أداء وظيفته، وبهذا يبقى كل صوت محافظاً على استقلاله عن بقية الأصوات. يتموضع المثبط فوق الأوتار، ويقوم بمهمته بعد أن يرفع العازف إصبعه عن المفتاح، إلا إذا كان العازف يستخدم الدواسات الموجودة في قاعدة البيانو [3].
إذاً وصلنا إلى الدواسات (pedals)، وهي الجزء الخامس. عادة ما يكون هنالك دواستان أو ثلاث حسب النوع، وهي مثبتة في القاعدة خارج الصندوق، في المكان أسفل قدم العازف. وينطوي دورها على إنشاء علامة موسيقية معينة، أو الحفاظ على علامة موجودة في اللحن، أو إيقاف الاهتزاز لإنهاء علامة صادرة عن أحد المفاتيح [3].
أنواع البيانو
تقسم آلات البيانو إلى ثلاث مجموعات رئيسية، تتفرع بدورها إلى مجموعات أصغر. وهذه المجموعات الرئيسية هي القائم أو العمودي (upright piano)، والكبير (grand piano)، والرقمي (digital piano) [4].
البيانو القائم
سمي بهذا الاسم لأن الأوتار تكون متوضعة بشكل عمودي مع الأرض. وبناء على هذا، يجب أن تضرب المطارق بشكل أفقي حتى تصيب الأوتار العمودية [4].
تختلف آلية العمل في المرحلة بين الضغط على الأزرار وضرب المطارق للأوتار عن تلك الموجودة في البيانو الكبير، لذا قد يبدو العزف مختلفاً بعض الشيء. كما أن الأوتار أقصر وأجهزة الأداء أصغر [4].
البيانو الكبير
يعد هذا النوع أكبر الأنواع وأغلاها. وتكون أجهزة الأداء فيه أفقية مما يفتح مجالاً لاستخدام أوتار أطول. وبما أن توضع الأوتار أفقي، يختلف عمله عن النوع القائم ذو الأوتار العمودية [4].
يمكن لهذا النوع أن يعزف بشكل أسرع ويوفر قدرة أكبر على التحكم لأن المطارق تود إلى وضعها بفعل الجاذبية [4].
البيانو الرقمي
تختلف آلية عمل البيانو الرقمي عن تلك الموجودة في القائم أو الكبير مع أن الصوت الصادر عنه يبدو مشابهاً. فبدلاً من تقوم المطارق بالضرب على الأوتار، يؤدي ضغط المفاتيح إلى تشغيل حساس، وهذا ما ينتج عنه إطلاق صوت بيانو مسجل من مجموعة مكبرات صوت [4].
ويضم هذا النوع مجموعات متعددة من التسجيلات أو النماذج لكل علامة موسيقية، كما يمكن أن يتغير مستوى الصوت حسب قوة الضغط التي يطبقها العازف [4].
أشهر العازفين
عند ذكر آلة البيانو، سرعان ما يتبادر إلى الذهن أسماء لامعة كالألماني بيتهوفن والنمساوي موزارت من القرن الثامن عشر، والبولندي شوبان من القرن التاسع عشر، وغيرهم من الأسماء الكثيرة التي يصعب حصرها. لنستمع إلى هذه المقطوعة التي تصنف من أشهر ما أبدعه بيتهوفن “من أجل إليزا” (Für Elise).
اقرأ أيضاً: تاريخ الموسيقى
المصادر
- Yamaha – The Origins of the Piano
- Yamaha – The Sound-Producing Mechanism
- Anatomy of a Piano
- Merriam Music
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :