Ad

الاحتمالات في ميكانيكا الكم

هناك العديد من التفسيرات لميكانيكا الكم، والتي توضح لنا عدم إمكانية التنبؤ بالنتائج بموثوقية تامة، ولكن نعتمد على مجموعة من القواعد والتي تخضع للاحتمال، فما هي الاحتمالات في ميكانيكا الكم؟

ما هي قاعدة «بورن-Born» وما دورها؟

تخبرنا النظريات الفيزيائية عن ماهية النظام وكيف يتغير بمرور الوقت. تفعل ميكانيكا الكم ذلك أيضًا ولكنها تأتي مع مجموعة جديدة من القواعد التي تحكم ما يحدث عند ملاحظة الأنظمة أو قياسها، وخاصة باخبارها إنه لا يمكن التنبؤ بنتائج القياس بثقة تامة. وكل ما علينا فعله هو حساب احتمال الحصول على كل نتيجة محتملة.

إذ تخضع القياسات الكمية لقاعدة «بورن-Born»، وهي قاعدة وضعها ماكس بورن. الذي أدرك أن سعة الموجة الكمية تتنبأ باحتمالية اكتشاف جسيم في موضع معين، وقد تتضمن السعة أعددًا مركبة، ولا نستخدم سوى الأرقام الموجبة في الاحتمال فلا يوجد ما يُسمى الجذر التربيعي لسالب واحد، ذلك لا معنى له في الاحتمال! لكن قاعدة بورن حلت تلك المشكلة، بتعاملها مع الأعداد المركبة، حيث تقوم الدالة الموجية بتعين (سعة) لكل نتيجة قياس واحتمال الحصول على هذه النتيجة يساوي تربيع السعة.

لماذا نربّع السعة؟

المضاعفة هي الطريقة التي نجد بها احتمال وقوع حدثين، تخيل معيّ على سبيل المثال انبعاث فوتون واحد باتجاه لوحة فوتوغرافية. في هذه الحالة يتجه الفوتون نحو موضع معين على الصفيحة وإلكترون في هذا الموضع يمتصه، فأنت ترصد كل من الألكترون والفوتون.

ما هو الاحتمال إذًا في ميكانيكا الكم؟

يبدأ الاحتمال بمعنى مباشر وواضح ومن ثم كلما اقتربنا يصبح أكثر تعقيدًا. لديك عملة معدنية رميتها عدة مرات، فالنسبة قبل التجريب هي احتمال ظهور أي من الوجهين بنسبة 50٪. لكن إذا بدأت بالتجريب عدة مرات قد تختلف النسبة لكل من الوجهين كليًا.

هناك مفاهيم عديدة لتعريف الاحتمال، الأول هو الموضوعية أو المادية التي تتعامل مع الاحتمالية على أنها سمة أساسية للنظام، وهي طريقة لوصف السلوك، فالتكرار هو مثال على نهج موضوعي للاحتمال ويُعرّف هنا الاحتمال بأنه تكرار حدوث الأشياء من خلال العديد من التجارب مثل رمي العملات.

الثاني، هو الذاتية أو الإثباتية والتي تتعامل مع الاحتمالية على أنها شخصية أو انعكاس لمصدقية الفرد أو درجة الاعتقاد حول ما هو صحيح أو ما سيحدث ومثال على ذلك هو احتمال بايز والذي يوضح لنا كيفية تحديد مصداقيتنا عندما نحصل على معلومات جديدة حول شيء أو حدث ما، أي يمكننا وصف احتمالية وقوع حدث ما بمعرفة المعلومات المرتبطة به. وذلك على النقيض من التكرار، فمن المنطقي في نظرية بايز إرفاق احتمالات مسبقة بناء على معلومات مرتبطة بالحدث.

فيساعدنا التفكير في ميكانيكا الكم على توضيح الاحتمالات والعكس صحيح، وبوضوح ميكانيكا الكم كما هي مفهومة لوقتنا هذا لا تساعدنا فعليًا في الاختيار بين المفاهيم المتنافسة للاحتمالية، فهناك حالات مختلفة تستدعي تلك المفاهيم وليس مفهومًا واحدًا محددًا.

أمثلة على الفرق بين الذاتية والموضوعية؟

لننظر لثلاثة من المناهج الرائدة لنظرية الكم. هناك نظريات “الانهيار الديناميكي” مثل نموذج الانهيار التلقائي (GRW) الذي اقترحه «جيانكارلو غيراردي-Giancarlo Ghirardi» و«ألبرتو ريميني-Alberto Rimini» و«توليو ويبر-Tullio Weber» في عام 1985. ثانيًا، هناك نهج “الموجة التجريبية” أو “المتغير الخفي”، وأشهرها نظرية دي برولي-بوم، التي اخترعها «ديفيد بوم-David Bohm» في عام 1952 بناءً على أفكار سابقة من «لويس دي برولي-Louis de Broglie». وأخيرًا، “العوالم المتعددة” التي اقترحها «هيو إيفريت-Hugh Everett» في عام 1957.

تمثل الأمثلة السابقة طريقة لحل مشكلة القياس في ميكانيكا الكم. تكمن المشكلة في نظرية الكم التقليدية بأنها تصف حالة النظام من حيث دالة الموجة، والتي تتطور بسلاسة وحتمية وفقًا لمعادلة شرودنجر. وعند المراقبة تنهار وظيفة الموجة فجأة لتتحول إلى نتيجة رصد معينة، فالانهيار نفسه لا يمكن التنبؤ به. فتقوم الدالة الموجية بتعيين رقم لكل نتيجة محتملة، واحتمال ملاحظة تلك النتيجة يساوي قيمة تربيع الدالة الموجية. فالاحتمالية في مثل هذه النماذج أساسية وموضوعية. لا يوجد شيء في الحاضر يحدد المستقبل بدقة.

المناهج الثلاثة ذاتية أم موضوعية؟ وكيف توضح مفهوم الاحتمالية؟

تتوافق نظريات الانهيار الديناميكي تمامًا مع النظرة المتكررة القديمة للاحتمالية. ما سيحدث بعد ذلك غير معروف، والتكرار هو المؤدي للنتائج المختلفة. فنظريات الانهيار الديناميكي توضح على نحو رياضي دقيق كيف ينشأ العالم الحتمي للأجسام الصلبة الكلاسيكية من العالم المجهري للأنظمة العشوائية والمموجة. فتُصنف نظريات الانهيار على أنها نظريات متنافسة لميكانيكا الكم ويمكن بسهولة تحديد بعض الآثار الفيزيائية باختبارات؛ للإتيان بنتائج قاطعة.

نظرية الموجة التجريبية؟

أما عن نظرية الموجة التجريبية، فهي توضح أنه لا يوجد شيء عشوائي. تتطور الحالة الكمية على نحو حتمي. الجديد هو مفهوم المتغيرات الخفية مثل المواضع الفعلية للجسيمات، إضافةً إلى دالة الموجة التقليدية. الجسيمات هي ما نلاحظه بالفعل، بينما تعمل الدالة الموجية فقط على إرشادها. فهي تعيدنا إلى عالم الميكانيكا الكلاسيكية مع ملاحظة أنه عندما لا نجري ملاحظة، فإننا لا نعرف ولا نستطيع معرفة القيم الفعلية للميكانيكا الكلاسيكية.

فنتعرف على المتغيرات الخفية من خلال مراقبتها، ووجب الاعتراف بجهلنا للآن وإدخال توزيع احتمالي على قيمهم المحتملة. إذًا الاحتمالية في نظريات الموجة التجريبية ذاتية حيث تفسر ميكانيكا الكم على أنها حتمية بعيدًا عن إشكاليات كانهيار الموجة أو ازدواجية الجسيمات وغيرها، فهي بمثابة تفسير لنظرية الكم أيضًا.

الاحتمالات في العوالم المتعددة

وأخيرًا العوالم المتعددة، التي تخضع لمعادلة شرودنجر ولا توجد أية انهيارات أو متغيرات إضافية، فقط نستخدم معادلة شرودنجر لكي نتنبأ بما سيحدث حينما يقيس مراقب جسمًا كميًا في تراكب. حيث يكون النظام المشترك للمراقب والجسم يتطور إلى تراكب متشابك، وفي كل جزء من التراكب، يكون للجسم نتيجة قياس محددة ويقوم المراقب بقياس تلك النتيجة. فكل جزء من النظام يتطور على نحو منفصل عن الأجزاء الأخرى.

لكن ما طبيعة الاحتمال في العوالم المتعددة؟

كما ذكرنا في العوالم المتعددة، يمكن معرفة الدالة الموجية التي تتطور ولا يوجد شيء غير متوقع. لكن تخيل أنك ستقيس نظام كمي وتتفرع الدالة الموجية إلى عوالم مختلفة، للتبسيط سنفرض أن هناك عالمان. لن نسأل بعد القياس في (أي عالم سأكون فيه!) فهذا ليس منطقي. فسيكون هناك شخصان واحد في كل فرع كلاهما ينحدر منك وليس لدى أي منهما ادعاء بأنه (أنت بالفعل).

عدم اليقين والدالة الموجية

ولكن حتى لو كلاهما يعرف الدالة الموجية للكون، فهناك الآن شيء لا يعرفانه: أي فرع من الدالة الموجية هم فيه. سيكون هناك فترة من الوقت بعد حدوث التفرع ولكن قبل أن يكتشف المراقبون النتيجة التي تم الحصول عليها في فرعهم. إنهم لا يعرفون مكان وجودهم في الدالة الموجية، هذا هو عدم اليقين الذاتي بموضعك.

قد تعتقد أنه يمكنك فقط إلقاء نظرة على النتيجة التجريبية بسرعة كبيرة. بحيث لا تكون هناك فترة ملحوظة من عدم اليقين. لكن في العالم الحقيقي، تتفرع الدالة الموجية بسرعة كبيرة بمقاييس زمنية تتراوح من 10 إلى 21 ثانية أو أقل. هذا أسرع بكثير من وصول الإشارة إلى عقلك. ستكون هناك دومًا فترة زمنية عندما تكون في فرع معين من الدالة الموجية، لكنك لا تعرف أي فرع.

فمهما كانت التنبؤات التي تقوم بها للنتائج التجريبية. فلا يجب أن تتغير إذا انفصلت أجزاء من الدالة الموجية تمامًا من النظام. فيوضح لك عدم اليقين بأنه يمكنك معرفة كل شيء عن الكون لكن لا يزال هناك شيء لست متأكدًا منه. فنستخدم قاعدة بورن فمثلًا أنت تعرف كيف سيتطور الكون ولكن تتضمن هذه المعرفة اقتناعك بأن جميع التوقعات التي تصدرها غير مؤكدة وتستخدم هنا قاعدة بورن لتعيين مصداقية كل توقع. ففي حالة الدالة الموجية أيضًا ستستخدم تلك القاعدة.

فمن الممكن اعتبار كل مفاهيم الاحتمال نسخًا من عدم اليقين. فكل ما عليك فعله هو النظر لكل العوالم الممكنة أو النسخ المختلفة للواقع التي يمكن للمرء أن يتصورها، فتخضع بعض العوالم لقواعد نظريات الانهيار الديناميكي، وتتميز كل منها بالتسلسل الفعلي للنتائج لجميع القياسات الكمية التي أُجريت. وتوصف عوالم أخرى من خلال نظريات الموجة التجريبية. فتجول بنا دراسة الاحتمال من تقليب العملات إلى العوالم المتعددة موضحة أننا لا نعتمد على مفهوم واحد أو قاعدة بخصوص الاحتمالات في ميكانيكا الكم، فعالم الكم مليء بالاحتمالات.

المصادر

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


رياضيات

User Avatar

Ayaa Yasser

آية من مصر، أدرس الرياضيات، مُحبة للعلوم والبحث العلمي.


عدد مقالات الكاتب : 48
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق