لنفترض أن هناك مستقبل تستطيع فيه أجهزة الكمبيوتر حل المشكلات المعقدة بسرعات غير مسبوقة، وكشف أسرار الكون وإحداث ثورة في الطريقة التي نعيش بها. هذا هو وعد الحوسبة الكمومية (Quantum computing)، وهي تقنية تسخر الخصائص الغريبة والقوية لميكانيكا الكم لإجراء حسابات تتجاوز قدرات أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية. ولكن لتحقيق هذه الرؤية، يجب على العلماء التغلب على الطبيعة الهشة للمعلومات الكمومية. والمعلومات الكمومية هي عرضة للتدمير حتى من خلال أدنى اضطراب. ويكمن أحد الحلول في نوع نادر وغريب من الجسيمات يسمى ماجورانا (Majorana)، والذي يمكنه تخزين المعلومات الكمومية بطريقة أكثر استقرارًا. الآن، حقق الباحثون في (QuTech)، وهو تعاون بين (TNO) و(TU Delft)، تقدمًا كبيرًا في السعي وراء الحوسبة الكمومية القائمة على ماجورانا. حيث نجحوا في إنشاء جسيمات ماجورانا ثنائية الأبعاد
محتويات المقال :
حلم الحوسبة الكمومية
في الحوسبة الكلاسيكية، يتم تخزين المعلومات في وحدات البت، والتي يمكن أن تكون قيمتها إما 0 أو 1. ومع ذلك، تستخدم أجهزة الكمبيوتر الكمومية الكيوبتات، والتي يمكن أن توجد في حالة 0 أو 1 أو كليهما في ذات الوقت. تسمح هذه الخاصية، المعروفة باسم التراكب الكمي، لأجهزة الكمبيوتر الكمومية بمعالجة احتمالات متعددة في وقت واحد، مما يجعلها أسرع بكثير من أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية.
ولكن كيف يمكن لأجهزة الكمبيوتر الكمومية تحقيق هذه السرعة المذهلة؟ تكمن الإجابة في الخوارزميات الكمومية، المصممة للاستفادة من السلوك الغريب للكيوبتات. واحدة من أشهر الأمثلة هي خوارزمية شور (Shor’s algorithm)، والتي يمكنها تحليل الأعداد الكبيرة بشكل أسرع من أي خوارزمية كلاسيكية معروفة. وهذا له آثار كبيرة على التشفير، لأنه من المحتمل أن يكسر العديد من بروتوكولات التشفير المستخدمة حاليًا.
مثال آخر هو خوارزمية جروفر (Grover’s algorithm)، والتي يمكنها البحث في قاعدة بيانات غير مصنفة في جزء صغير من الوقت الذي يستغرقه الكمبيوتر الكلاسيكي. وقد يُحدث هذا ثورة في مجالات مثل تحليل البيانات والتعلم الآلي، حيث يعد البحث في البيانات الضخمة مهمة شائعة ومكلفة حوسبيًا.
هشاشة البتات الكمومية
في سعيهم لتسخير قوة الحوسبة الكمومية، ناضل الباحثون منذ فترة طويلة مع هشاشة الكيوبتات. هذه الحالات الكمومية الدقيقة عرضة للأخطاء الناجمة عن التأثيرات الخارجية، مما يجعلها غير مناسبة للحسابات واسعة النطاق. ومن ناحية أخرى، تعتمد أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية على أجزاء قوية يمكنها تحمل الاضطرابات البيئية. لقد أعاقت نقاط ضعف الكيوبتات تطوير أجهزة كمبيوتر كمومية موثوقة.
تعتمد كيوبتات ماجورانا على حالات المادة المحمية طوبولوجيًا، مما يعني أنها تستطيع مقاومة الاضطرابات المحلية والحفاظ على معلوماتها الكمومية سليمة. في الكيوبتات التقليدية، يتم تشفير المعلومات في الحالات الكمومية الهشة للمادة، مما يجعلها عرضة لفك الترابط. وفي المقابل، تعتمد البتات الكمومية من ماجورانا على الخصائص الجوهرية للمادة، مما يضمن بقاء المعلومات الكمومية قوية ضد الاضطرابات الخارجية. هذا الاستقرار المتأصل يجعلها مرغوبة للغاية في الحوسبة الكمومية، حيث يمكنها حل المشكلات المعقدة بسرعة ودقة غير مسبوقة.
جسيمات ماجورانا ثنائية الأبعاد
يمثل إنشاء جسيمات ماجورانا في مستوى ثنائي الأبعاد إنجازًا كبيرًا في مجال الحوسبة الكمومية. وهذا الإنجاز، الذي أصبح ممكنا من خلال الجمع بين خصائص الموصلات الفائقة وأشباه الموصلات، يفتح آفاقا جديدة للتجريب والبحث. توفر المرونة المتأصلة في هذه المنصة ثنائية الأبعاد فرصة فريدة لاستكشاف تجارب لم يكن من الممكن الوصول إليها سابقًا مع ماجورانا.
لفهم أهمية هذا الإنجاز، دعونا نتعمق أكثر في مفهوم الأبعاد في الفيزياء. في الفيزياء الكلاسيكية، نحن على دراية بأبعاد الفضاء الثلاثة، الطول والعرض والعمق. ومع ذلك، عند التعامل مع الجسيمات على المستوى الكمي، تأخذ الأبعاد معنى جديدًا. وقد أدى نهج الأسلاك النانوية أحادي البعد، الذي تم استخدامه سابقًا لإنشاء ماجورانا، إلى الحد من إمكانيات التجريب وقابلية التوسع.
إن التوسع في البعدين بعد أن كان المتاح هو بعد واحد، يغير قواعد اللعبة. فكر في الأمر على أنه انتقال من شارع ضيق ذي اتجاه واحد إلى صحراء واسعة ومفتوحة. توفر المنصة ثنائية الأبعاد مساحة أكبر للمناورة، مما يسمح للباحثين بتصميم وتنفيذ تجارب كانت مستحيلة في السابق. ستمكن هذه المرونة المتزايدة العلماء من دراسة جسيمات ماجورانا بمزيد من التفصيل، وفتح رؤى جديدة حول خصائصها وسلوكها.
سلسلة كيتايف
إن سلسلة كيتايف (Kitaev-chain)، هو مفهوم ثوري مكن الباحثين من إنشاء ودراسة جسيمات ماجورانا في بعد واحد. والآن، أخذ العلماء في (QuTech) هذه الفكرة إلى المستوى التالي من خلال تنفيذ سلسلة كيتايف في بُعدين. هذا الإنجاز المذهل له آثار كبيرة على مجال أبحاث ماجورانا والحوسبة الكمومية.
في النظام ثنائي الأبعاد، يمكن اعتبار سلسلة كيتايف بمثابة شبكة من النقاط الكمومية المترابطة، حيث تستضيف كل نقطة جسيم ماجورانا. توفر هذه المنصة ثنائية الأبعاد قدرًا أكبر من المرونة وقابلية التوسع مقارنة بنظيرتها أحادية الأبعاد.
مستقبل الحوسبة الكمومية
يمثل الإنشاء الناجح لجسيمات ماجورانا ثنائية الأبعاد علامة بارزة. حيث يفتح هذا الإنجاز آفاقًا جديدة للباحثين لاستكشاف خصائص ماجورانا، مما يمهد في نهاية المطاف الطريق لتطوير أجهزة كمبيوتر كمومية قوية وفعالة. ستسمح مرونة وقابلية التوسع للمنصة ثنائية الأبعاد للعلماء بإنشاء شبكات من ماجورانا، ودمجها مع العناصر المساعدة، ووضع استراتيجيات ملموسة للتحكم وقراءة كيوبت ماجورانا.
يمكننا تصور واقع حيث تكون أجهزة الكمبيوتر الكمومية قادرة على محاكاة الأنظمة المعقدة، وفك التشفير. والتطبيقات المحتملة واسعة النطاق، وتتراوح من إحداث ثورة في مجالات مثل الطب ونمذجة المناخ إلى تغيير الطريقة التي نعيش ونعمل بها.
الاحتمالات لا حصر لها، ولم يبدو مستقبل الحوسبة الكمومية أكثر إشراقًا من أي وقت مضى. ومع استمرار الباحثين في كشف أسرار جسيمات ماجورانا، يمكننا أن نتوقع رؤية تطورات كبيرة في مجال الحوسبة الكمومية. ومع إمكانية تحويل الصناعات وإحداث ثورة في الطريقة التي نتعامل بها مع المشكلات المعقدة، فإن اكتشاف جزيئات ماجورانا ثنائية الأبعاد يعد إنجازًا رائدًا سيكون له آثار بعيدة المدى على الأجيال القادمة.
المصادر:
A route to scalable Majorana qubits / phys.org
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :