في خطوة هامة نحو السعي لتحقيق الحياد الكربوني، نجح باحثون من جامعة طوكيو متروبوليتان في تطوير خلية كهروكيميائية جديدة يمكنها تحويل ثاني أكسيد الكربون الكامن إلى وقود أخضر
بقيادة البروفيسور فومياكي أمانو، تغلب التصميم المبتكر للفريق على العقبات الرئيسية في تقنية احتجاز الكربون التفاعلي (RCC)، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر استدامة. تتميز الخلية الجديدة بكفاءة فاراداية مذهلة تبلغ 85% وتعمل بسلاسة لأكثر من 30 ساعة، مما يجعلها حلاً واعدًا للتحويل الصناعي لثاني أكسيد الكربون المحتجز إلى مورد قيم. ومع السعي العالمي لتحقيق صافي انبعاثات صِفر، فإن هذا الإنجاز لديه القدرة على إحداث ثورة في الطريقة التي نفكر بها في احتجاز الكربون واستخدامه.
محتويات المقال :
السعي العالمي إلى الحياد الكربوني
أصبحت مكافحة تغير المناخ مصدر قلق ملح للدول في جميع أنحاء العالم. وتتلخص إحدى الإستراتيجيات الحاسمة في هذه المعركة في الحد من انبعاثات الكربون، المسؤولة في المقام الأول عن الاحتباس الحراري العالمي. لقد حظي مفهوم الحياد الكربوني، حيث يتم موازنة كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في الغلاف الجوي بالكمية المزالة، باهتمام كبير.
ولتحقيق هذا الهدف، يستكشف العلماء وصناع السياسات طرقًا مختلفة لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بما في ذلك تكنولوجيا احتجاز الكربون. يتضمن هذا النهج المبتكر احتجاز ثاني أكسيد الكربون من محطات الطاقة والعمليات الصناعية، وحتى مباشرة من الهواء، ثم استخدامه أو تخزينه لمنع انطلاقه في الغلاف الجوي.
تعد تكنولوجيا احتجاز الكربون ضرورية للتخفيف من تغير المناخ، لأنها يمكن أن تقلل الانبعاثات من مختلف القطاعات، مثل توليد الطاقة، وإنتاج الأسمنت، وتصنيع الصلب. ويمكن بعد ذلك استخدام ثاني أكسيد الكربون المحتجز بطرق مختلفة، بما في ذلك الاستخراج المحسن للنفط (EOR)، حيث يتم حقنه في حقول النفط لاستخراج المزيد من النفط أثناء تخزين ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض.
ومع ذلك، فإن التطبيق الواعد هو تحويل ثاني أكسيد الكربون المحتجز إلى منتجات ذات قيمة، مثل الوقود والمواد الكيميائية ومواد البناء. وهذا النهج لا يقلل من الانبعاثات فحسب، بل يخلق أيضًا تدفقًا جديدًا للإيرادات، مما يجعله وضعًا مربحًا للجانبين للبيئة والاقتصاد.
احتجاز الكربون التفاعلي
يعود مفهوم احتجاز الكربون التفاعلي إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. عندما اكتشف العلماء لأول مرة أنه يمكن اختزال ثاني أكسيد الكربون لتكوين مركبات باستخدام الخلايا الكهروكيميائية. ومع ذلك، كانت العملية محدودة بسبب الحاجة إلى غاز ثاني أكسيد الكربون النقي، وهو غاز يستهلك الكثير من الطاقة لإنتاجه.
جاء هذا الإنجاز عندما أدرك الباحثون أن ثاني أكسيد الكربون المذاب في المحاليل القلوية، مثل محاليل البيكربونات، يمكن استخدامه مباشرة لتكوين أيونات الفورمات (formate ions) دون الحاجة إلى الخطوات كثيفة الاستهلاك للطاقة. وقد فتح هذا آفاقًا جديدة لتطوير تقنيات احتجاز الكربون الأكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة.
يتمتع احتجاز الكربون التفاعلي بالعديد من المزايا مقارنة بطرق احتجاز الكربون التقليدية. فهو يسمح بالتحويل المباشر لثاني أكسيد الكربون إلى منتجات قيمة، مما يلغي الحاجة إلى خطوات فصل وتنقية مكلفة ومستهلكة للطاقة. علاوة على ذلك، تعمل تقنية احتجاز الكربون التفاعلي على تمكين إنشاء نظام حلقة مغلقة، حيث يتم تحويل ثاني أكسيد الكربون المحتجز من المصادر الصناعية إلى منتج مفيد، مما يقلل من الانبعاثات ويدر الإيرادات.
ومع ذلك، فإن هذه التقنية تطرح أيضًا العديد من التحديات، بما في ذلك تصميم خلايا كهروكيميائية فعالة يمكنها إنتاج أيونات الفورمات من أيونات البيكربونات بشكل انتقائي. وهنا يأتي دور الخلية الكهروكيميائية الجديدة لفريق جامعة طوكيو متروبوليتان، مما يوفر حلاً واعدًا للتحديات التي تواجهها شركة.
خلية كهروكيميائية جديدة
كانت إحدى العقبات الرئيسية أمام تحويل ثاني أكسيد الكربون المحتجز إلى أيونات فورمات هي تصميم خلية كهروكيميائية فعالة. حتى الآن، تكافح الخلايا لإنتاج أيونات الفورمات بشكل انتقائي من أيونات البيكربونات، وغالبًا ما تخسر أمام التفاعلات الجانبية غير المرغوب فيها، مثل إنتاج الهيدروجين. للتغلب على هذه المشكلة، قام باحثون من جامعة طوكيو متروبوليتان بتطوير خلية كهروكيميائية جديدة أثبتت أنها ستغير قواعد اللعبة.
وتتميز الخلية الجديدة بتصميم فريد من نوعه، حيث تحتوي على أقطاب كهربائية مصنوعة من مادة محفزة مفصولة عن غشاء إلكتروليت البوليمر بواسطة غشاء مسامي مصنوع من إستر السليلوز. يسمح هذا التصميم الذكي لأيونات الهيدروجين المنتجة عند قطب كهربائي واحد بالمرور عبر غشاء الإلكتروليت والتفاعل مع أيونات البيكربونات في الطبقة المسامية، مما يؤدي إلى إنتاج ثاني أكسيد الكربون بكفاءة في المسام. يتم بعد ذلك تحويل الغاز إلى أيونات فورماتية عند القطب الكهربائي الآخر، والذي يكون أيضًا على اتصال بالغشاء المسامي.
وقد أدى هذا التصميم المبتكر إلى نتائج ملحوظة، مع كفاءة فارادية تصل إلى 85%، وهو تحسن كبير مقارنة بالتصميمات الحالية. علاوة على ذلك، أظهرت الخلية استقرارًا ملحوظًا، وعملت بسلاسة لأكثر من 30 ساعة وحققت تحويلًا شبه كامل للبيكربونات إلى فورمات. وبمجرد إخراج الماء، كل ما يتبقى هو وقود الفورمات الصلب البلوري.
تداعيات تحويل ثاني أكسيد الكربون الكامن إلى وقود أخضر
يعد التحويل الناجح لثاني أكسيد الكربون المحتجز إلى وقود أخضر إنجازا رائدا له آثار بعيدة المدى. حيث مستقبل يتم تلبية احتياجاتنا من الطاقة دون المساهمة في تغير المناخ. إن تطبيقات هذه التكنولوجيا واسعة ومتنوعة، ولديها القدرة على تحويل الصناعات وإحداث ثورة في الطريقة التي نعيش بها.
فمن ناحية، يمكن استخدام هذا الوقود الأخضر لتشغيل المركبات، مما يقلل من اعتمادنا على الوقود الأحفوري ويقلل الانبعاثات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدامه لتوليد الكهرباء، مما يوفر مصدرًا نظيفًا ومستدامًا للطاقة. علاوة على ذلك، يمكن أيضًا استخدام إنتاج أيونات الفورمات من محاليل البيكربونات في العمليات الصناعية، لتحل محل الوقود الأحفوري وتقليل الانبعاثات.
ويفتح هذا الاكتشاف أيضًا آفاقًا جديدة لالتقاط الكربون واستخدامه. ومع القدرة على تحويل ثاني أكسيد الكربون المحتجز إلى منتج قيم، تصبح اقتصاديات احتجاز الكربون أكثر قابلية للتطبيق، مما يجعلها خيارا أكثر جاذبية للصناعات والحكومات.
علاوة على ذلك، فإن هذه التكنولوجيا لديها القدرة على خلق صناعات ووظائف جديدة، بدءًا من إنتاج خلايا الوقود الفورماتية إلى بناء مرافق لالتقاط الكربون واستخدامه على نطاق واسع.
المصادر
Scientists reveal new design for cells turning carbon dioxide into a green fuel | eurekalert
Highly selective formate formation via bicarbonate conversions | EES Catalysis
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :