ها أنت ذا على وشك القفز داخل ثقب أسود. إذا اعتبرنا أنك وبطريقة ما استطعت البقاء على قيد الحياة، فما الذي ينتظرك هناك؟ أين سينتهي بك المطاف؟ وما القصص العجيبة التي سترويها للناس عند عودتك؟ ربما تكون أبسط إجابة على ذلك أن “لا أحد يعلم!” فالعلماء حتى الآن غير متيقنين من طبيعة الثقوب السوداء. كما أن عبور أفق حدث ثقب ما –إن لم يمزقك إربًا بسبب الجاذبية- يمنعك من إرسال أي رسالة للعالم الخارجي. فلا شيء يعود من ثقب أسود!
من المتوقع أن تكون الإجابة السابقة محبطةً ومؤلمةً بعض الشيء. فقد توقعت نظرية النسبية العامة لأينشتاين وجود الثقوب السوداء، عندما اعتبرت أن الجاذبية تؤثر في نسيج المكان-الزمان. ومنذ ذلك الوقت؛ عرفنا تشكل الثقوب السوداء بعد موت النجوم. حيث تموت النجوم هائلة الكتلة مخلفةً وراءها نواةً صغيرة وكثيفة من المادة. وإذا ما كانت كتلة هذه النواة أكبر من ثلاثة أضعاف كتلة الشمس أي «حد تشاندراسيخار-Chandrasekhar limit»؛ ستطغى الجاذبية وينهار النجم على نفسه في نقطة واحدة تدعى «المتفردة-Singularity».
ينتج عن كل ذلك ثقب أسود له قوة جاذبية هائلة، حتى أن الضوء لا يمكنه الهرب منه. أما «أفق الحدث-Event horizon» فهو حد من الثقب الأسود؛ وأي شيء يتجاوزه لا يستطيع العودة أبدًا. لا مهرب من أفق الحدث!
وبمجرد وصولك لأفق الحدث ستعمل قوى الجاذبية على تمزيقك لخيوط من الذرات فيما يعرف ب «تأثير السباجيتي-Spaghettification»، ثم ستعمل المتفردة على تحطيم ما تبقى منك. يبدو أن فكرة إمكانية الخروج من الثقب الأسود لمكان آخر أقرب إلى الخيال، فحتى لو قادك الثقب لمكان آخر؛ لن تصمد إلى ذلك الحين! [1]
محتويات المقال :
منذ سنوات؛ درس العلماء احتمالية كون الثقوب السوداء ثقوبًا دوديةً تقودنا لمجرات أو عوالم أخرى. فقد حاول «ألبرت أينشتاين-Albert Einstein» بمساعدة «ناثان روزن-Nathan Rosen» وضع فرضية عن “جسور” تربط بين نقاط مختلفة من نسيج المكان-الزمان عام 1935. كما طرحت الفكرة مجددًا لافي الثمانينيات عندما قام الفيزيائي «كيب ثورن-Kip Thorne» بمناقشة إذا ما ستستطيع الأجسام عبور هذه الجسور. [2]
لكننا حتى الآن لم نرصد أي دليل على وجود هكذا جسور أو ثقوب دودية! فقد كتب ثورن في كتابه «The science of interstellar» عام 2014: “لا نرى أي أجسام يمكنها التحول لثقوب دودية في كوننا.” تكمن المشكلة في عدم قدرتنا على الاقتراب كفاية من الثقوب السوداء لنرى بأنفسنا، حتى أن أول صورة لثقب أسود التقطت مؤخرًا عام 2019.، أي بعد حوالي قرن من اقتراح فكرة الثقوب السوداء!
كما يعتقد «دوغلاس فينكبينر-Douglas Finkbeiner» وهو بروفيسور الفيزياء والفلك في جامعة هارفرد أننا حتى ولو اقتربنا؛ لن نستطيع رؤية رائد فضاء يسقط في الثقب الأسود. يمكننا فقط رؤيته يصبح باهتًا وأحمرًا مع اقترابه من أفق الحدث، نتيجةً لتأثير الانزياح نحو الأحمر بسبب الجاذبية. كما أنه وبمجرد سقوطه داخل الثقب؛ سيبقى محتجزًا فيه إلى الأبد. وكأن الثقوب السوداء تقود لنهاية الزمن! [3]
إذا قادتنا الثقوب السوداء لجزء آخر من المجرة أو إلى كون آخر؛ فلا بد من وجود شيء يقابلها في الجهة الأخرى. فهل يكون ذلك «ثقب أبيض-White hole»؟ وضع عالم الكونيات الروسي «إيغور نوفيكوف-Igor Novikov» فرضيته عام 1964، واقترح فيها أن الثقب الأسود يرتبط بثقب أبيض موجود في الماضي. وعلى عكس الثقوب السوداء؛ تسمح البيضاء للمادة والضوء بالخروج منها وتمنعها من الدخول. [4]
استمر العلماء بدراسة العلاقة المحتملة بين الثقوب السوداء والثقوب البيضاء. وفي دراسة نشرت في مجلة «Physical review D» عام 2014؛ ادعى الفيزيائيان «كارلو روفيلي-Carlo Rovelli» و «هال م.هاغارد-Hal M. Haggard» أنه يوجد مقياس كلاسيكي متوافق مع معادلات أينشتاين تنهار فيه المادة داخل ثقب أسود ثم تنبثق من ثقب أبيض. أي أن كل المادة التي ابتلعها ثقب أسود ما يمكن أن تخرج من ثقب أبيض، كما أن الثقوب السوداء قد تتحول لبيضاء عندما تموت. وبعيدًا عن تدمير المعلومات التي تدخله؛ قد يتوقف انهيار الثقب الأسود، وقد يحدث نوع ما من الارتداد الكمي الذي سيسمح للمعلومات بالخروج. [5]
تلقي الفكرة السابقة الضوء على مقترح عالم الكونيات الشهير ستيفن هوكينج، والذي ناقش في السبعينيات إمكانية إطلاق الثقوب السوداء جسيمات وإشعاع حراري فيما يعرف ب«إشعاع هوكينج-Hawking’s radiation». وبحسب هوكينج لا تدوم الثقوب السوداء إلى الأبد. فقد وجد أنها تفقد طاقتها نتيجة إطلاقها الإشعاع، وتتقلص تدريجيًا حتى تختفي. [6]
لكنه يقترح كذلك أن الإشعاع المنطلق عشوائي تمامًا ولا يتضمن أية معلومات عما سقط في الثقب. وكأن موت الثقب الأسود يمحي كمًا هائلًا من المعلومات. مما يعني أن فكرة هوكينج تتعارض مع نظرية الكم التي تشترط عدم ضياع أو تدمير المعلومات. قاد هذا التعارض لما يعرف بمفارقة معلومات الثقب الأسود، وحتى الآن لا نعرف إلام سيقود! [7]
فهل نعود لفكرة الثقوب البيضاء التي تشع معلومات محفوظة؟ ربما. في دراسة نشرت عام 2013 في مجلة «Physical Review Letters»؛ قام العالمان «خورخي بولين-Jorge Pullin» و«رودولفو غامبيني-Rodolfo Gambini» بتطبيق فكرة الجاذبية المكمّمة على ثقب أسود، ووجدوا أن الجاذبية ازدادت باتجاه المركز ثم تناقصت ملقيةً كل ما دخل الثقب في مكان آخر من الكون. أعطت نتائج الدراسة مصداقيةً أكبر لفكرة كون الثقوب السوداء بوابة. واعتبر العلماء أن المتفردة غير موجودة في الدراسة السابقة، وبالتالي لن يكون هناك حد فاصل يدمر كل المعلومات. [8]
يعتقد العلماء أحمد المهيري و«دونالد مارلوف-Donald Marlof» و«جوزيف بولشينسكي-Joseph Polchinski» و«جيمس سولي-James Sully» أن هوكينج لم يكن مخطئًا تمامًا. فقد عملوا على فرضية تعرف باسم «جدار النار-AMPS Firewall». ووفقًا لحساباتهم؛ يمكن لميكانيك الكم أن تحول أفق الحدث إلى جدار عملاق من النار يحرق كل ما يلمسه بلمح البصر. وفي هذه الحالة؛ لا تقودنا الثقوب السوداء لأي مكان لأننا لا نستطيع دخولها حتى!
لكن هذا الادعاء يتعارض مع نظرية النسبية العامة؛ التي تقول أن الجسم الذي يعبر أفق الحدث يكون في حالة من السقوط الحر ويخضع لقوانين الكون المعروفة. وحتى لو لم يتعارض ذلك مع النسبية؛ فهو يقترح ضياع المعلومات، مما يخالف ميكانيك الكم. [9]
وفي جميع الأحوال؛ لا ننصحك بالاقتراب من ثقب أسود!
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…