Ad

في مدينة لينكسفيلد الاسكتلندية، كشفت أحفورة تم اكتشافها منذ أكثر من 180 عامًا أسرارها أخيرًا، مما سلط الضوء على فترة حاسمة في تطور الثدييات. تبدأ قصة الحفرية، المعروفة باسم (Saurodesmus robertsoni)، في العصر الثلاثي المتأخر، منذ حوالي 200 مليون سنة. لقرون عديدة، حيرت هذه الحفرية الغامضة العلماء، وأخطأوا في تصنيفها. ومع ذلك، فقد حددت دراسة حديثة أجراها الدكتور توماس سزيجيلسكي وفريقه الدولي من الباحثين أن الحفرية تعود لواحدة من أقدم السينودونتات غير الثديية المعروفة في اسكتلندا وأحد أقدم الكائنات ذات الأسنان ثلاثية النتوء (Tritylodontids). وقد نشرت الدراسة مؤخرًا في مجلة (PLOS ONE). دعونا في هذه المقال نلقي الضوء على حفرية أول حيوان ثديي شبه كامل في اسكتلندا

كشف سر التطور المبكر للثدييات

يلقي اكتشاف ساورودسموس روبرتسوني (Saurodesmus robertsoni) الضوء على لحظة محورية في تاريخ الحياة على الأرض وهي تطور الثدييات. ولكن لفهم أهمية هذه النتيجة، علينا أن نتعمق أكثر في قصة تطور الثدييات. تبدأ الرحلة منذ أكثر من 300 مليون سنة، خلال حقبة الحياة القديمة (Paleozoic)، عندما ظهرت رباعيات الأرجل الأولى (الفقاريات ذات الأطراف الأربعة) من المحيطات البدائية. كانت رباعيات الأرجل المبكرة هذه بعيدة كل البعد عن الثدييات التي نعرفها اليوم، لكنها وضعت الأساس لتطور هذه المجموعة.

كان أحد الخصائص الرئيسية التي ميزت الثدييات المبكرة عن أسلافها من الزواحف هو تطور ذوات الدم الحار (Warm-blooded). وقد سمح ذلك للثدييات بتنظيم درجة حرارة أجسامها، مما منحها ميزة تنافسية في عالم تهيمن عليه الزواحف ذات الدم البارد. وكان التكيف الحاسم الآخر هو تطور الشعر، الذي وفر العزل وساعد في الحفاظ على الحرارة.

تعود أقدم الثدييات المعروفة إلى العصر الجوراسي، منذ حوالي 200 مليون سنة. كانت هذه الثدييات المبكرة مخلوقات صغيرة آكلة للحشرات، ومن المحتمل أنها عاشت في ظلال أبناء عمومتها من الزواحف. ومع ذلك، فقد امتلكوا مجموعة فريدة من الخصائص التي من شأنها أن تؤدي في النهاية إلى ظهور مجموعة متنوعة من الثدييات التي نراها اليوم، من الخفافيش الصغيرة إلى الحيتان الزرقاء الضخمة.

الأحفورة التي تم تصنيفها بشكل خاطئ

تبدأ قصة (Saurodesmus robertsoni) بأحفورة تم اكتشافها في أربعينيات القرن التاسع عشر، لكن هويتها ظلت لغزًا لأكثر من قرنين من الزمان. في البداية، كان يُعتقد أن الحفرية تعود لسلحفاة، أو كائن يشبه السحلية، أو تمساح. ومع ذلك، لم يتم إثبات أي من هذه النظريات. ويسلط التصنيف الخاطئ للحفرية الضوء على التحديات التي تواجه فهم العينات القديمة، خاصة عندما كانت المعرفة والتكنولوجيا محدودة في ذلك الوقت.

في الماضي، كان تصنيف الحفريات يعتمد بشكل كبير على الفحوصات البصرية والمقارنات مع الأنواع الموجودة. وكانت العملية في كثير من الأحيان ذاتية، حيث كان من المألوف أن يتم تصنيف الحفريات بشكل خاطئ. ومثلت أحفورة (Saurodesmus robertsoni)، بعظم فخذها المتضرر، لغزًا مثيرًا للاهتمام بشكل خاص. حيث لم تتناسب سماته الفريدة بدقة مع أي مجموعة معروفة من الزواحف أو الثدييات، مما أدى إلى الارتباك حول هويته.

ومع حدوث اكتشافات جديدة وتطور فهمنا للحياة القديمة، ظلت الأحفورة تمثل لغزًا. لقد كانت لا تتناسب مع سرد التطور المبكر للثدييات، مما ترك فجوة في فهمنا لتاريخ الحياة على الأرض.

عظم فخذ متضرر Credit: Wits University

حفرية أول حيوان ثديي شبه كامل

شرع الدكتور توماس سزيجيلسكي وفريقه الدولي من الباحثين في مهمة لفك لغز (Saurodesmus robertsoni). وباستخدام التقنيات الحديثة ومواد مقارنة جديدة، أعادوا فحص الحفرية الغامضة، عازمين على الكشف عن هويتها الحقيقية. من خلال رفض النظريات القديمة، تمكن الفريق من تحديد مكان (Saurodesmus robertsoni) في شجرة عائلة رباعيات الأرجل، وتحديده في النهاية على أنه من نوع كلبيات الأسنان (سينودونت) (cynodont)، وهو قريب قديم للثدييات.

ولم يكن هذا الموضوع بالأمر السهل. حيث أثار الاقتراح الأولي للدكتور داود دروزو بأن الحفرية قد تكون عبارة عن عظم سينودونت تحقيقًا مثيرًا. ومن خلال مقارنات واسعة النطاق، أثبت الفريق صحة هذه الفكرة، وكشف عن السمات الفريدة لعظم الفخذ لدى (Saurodesmus robertsoni)، والتي أشارت إلى أن وضعية الورك والأطراف الخلفية كان أقرب إلى الثدييات أكثر من معظم السينودونت الأخرى ورسمت صورة لحيوان رشيق وقابل للتكيف. ولا يلقي هذا الاكتشاف الضوء على الخطوات التطورية التي أدت إلى ظهور الثدييات فحسب، بل يسلط الضوء أيضًا على أهمية إعادة النظر في العينات التاريخية في علم الحفريات.

إلقاء الضوء على تطور الثدييات

إن إعادة اكتشاف (Saurodesmus robertsoni) باعتباره أقدم السينودونتات غير الثديية المعروفة له آثار بعيدة المدى على فهمنا لتطور الثدييات. يلقي هذا الاكتشاف المهم الضوء على الخطوات التطورية التي أدت إلى ظهور الثدييات، بما في ذلك البشر. ومن خلال سد فجوة حاسمة في السجل الأحفوري، يقدم (Saurodesmus robertsoni) قطعة جديدة من اللغز تساعدنا على فهم الرحلة المعقدة للثدييات المبكرة بشكل أفضل.

ولهذا الاكتشاف آثار كبيرة على دراسة تطور الثدييات، لأنه يسلط الضوء على أهمية إعادة النظر في العينات التاريخية والاستفادة من التقنيات الحديثة للكشف عن رؤى جديدة.

المصدر

Shedding light on Scotland’s first ‘almost-mammal,’ Saurodesmus robertsoni / phys.org

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


أحياء تطور

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 299
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *