أحياء

أدلة التطور: مشاهدة التطور في المعامل

هذه المقالة هي الجزء 3 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

كثيرًا ما يثير معارضو التطور تساؤل “لماذا لا نشاهد التطور يحدث الآن؟”، وغالبًا ما تكون الإجابة على هذا التساؤل هي أن التطور يحدث على مدى أجيال كثيرة وفترات زمنية طويلة. هذه إجابة صحيحة، إلا أنها غير مكتملة. فالتجارب المعملية أثبتت مرارًا وتكرارًا أن التطور قابل للرصد، وأصبح بمقدورنا مشاهدة التطور في المعامل. تعالوا معنا نستعرض بعضًا من هذه التجارب.

بكتيريا E.coli

في عام 1988، قام عدد من الباحثين من «جامعة ولاية ميتشيجن-Michigan state university» بعمل تجربة على 12 مجموعة من البكتيريا من نوع “Escherichia coli”. قاموا بوضع ال 12 مجموعة في بيئة تحتوي على القليل من ال «جلوكوز-Glucose» و«السترات-Citrate»، وهي مادة لا تستطيع بكتيريا ال E.coli الاستفادة منها غذائيًا في الظروف الطبيعية. وتكاثرت مجموعات البكتيريا في هذه البيئة لآلاف من الأجيال، إلى أن حدثت المفاجأة!

اكتسب الجيل رقم 31,500 قدرة على التمثيل الغذائي للسترات، وهو أمر يدعو للدهشة. إذ يتعرّف العلماء على بكتيريا E.coli عن طريق فشلها في التمثيل الغذائي للسترات، فهي صفة مميزة لها. إلا أن تلك الصفة تطورت لدى فرد واحد، خلية واحدة، من ال 12 مجموعة التي أُجريت عليها التجربة. نجح ذلك الفرد بسبب البيئة الغنية بالسترات في الانقسام الانتشار إلى أن أصبحت صفة لجماعة من البكتيريا. تعد هذه التجربة واحدة من المرات التي استطعنا فيها مشاهدة التطور بأنفسنا في المعامل واختباره. [1]

ذباب الفاكهة تحت تأثير الجفاف

في تجربة علمية، تعرضت 5 مجموعات من ذباب “Drosophila melanogaster” المعروف في اللغة الدارجة باسم «ذباب الفاكهة-Fruit flies» للجفاف لما يزيد عن 200 جيل. نتج ذلك الجفاف عن زيادة في قدرات الذباب على النجاة من تأثيرات الجفاف القاتلة. بالإضافة إلى تطور بعض الصفات الفسيولوجية، مثل تفضيلها لتخزين الكربوهيدرات، وقلة مخزونها الاحتياطي من الدهون، وزيادة ملحوظة في حجم الدم. أدت تلك التغيرات إلى زيادة محتوى الصوديوم والكلورين خارج خلاياها، وتُعد هذه الصفات مميزة إذا ما قورنت بباقي أفراد بني جنسها.

وها نحن ذا نشاهد مرة أخرى كيف أكسب التطور صفات جديدة لجنس محدد، ليتناسب مع بيئته. وأيضًا تمكنا من مشاهدة التطور في المعامل. [2]

Related Post

ذباب الفاكهة في الظلام

في 11 نوفمبر لعام 1954، قام عالم البيئة الياباني “سيوتي موري -Syuiti Mori” بتغطية مستعمرة من ذباب الفاكهة بقطعة من القماش الداكن. أطلق موري بذلك واحدة من أطول تجارب علم الأحياء التطوري.

وبعد 61 عام (أي بعد 1,500 جيل)، تعرّف الباحثون على عدد كبير من التغيرات والتنوعات الجينية التي قد تساعد نسل الذباب (الذي أُجري عليه التجربة عام 1954) على مواكبة الحياة في الظلام.

طوّرت هذه المجموعة صفات جديدة لتساعدها على التعايش مع بيئتها المظلمة الجديدة. إذ أصبحت تمتلك شعيرات رأس أطول (مقارنة بذباب الفاكهة العاديّ)، علمًا بأن ذباب الفاكهة يستخدم هذه الشعيرات كحسّاسات لمصادر الضوء. كما امتلكت حاسة شم أقوى، وأظهرت تفوّقًا ملحوظًا في العثور على شريك جنسي في الظلام مقارنة بأنواع الذباب العاديّة.

إلا أنها احتفظت ببعض صفات أسلافها، فعلى الرغم من حياتها في الظلام إلا أنها ما زالت تنجذب ناحية الضوء. كما حافظت على «دورتها اليومية-Circadian cycle» وهي الدورة المسئولة عن تحديد مواعيد النوم والاستيقاظ.

وهذه الصفات المكتسبة لدى «ذباب الظلام-Dark flies» دليل على التطور، حيث ساقت الظروف البيئية الجديدة ذباب الفاكهة لتطوير صفات جديدة لتتناسب مع البيئة التي يعيش فيها، وهذه التجربة توضح لنا كيف نستطيع مشاهدة التطور في المعامل. [3]

المصادر

[1] PNAS
[2] Oxford
[3] Nature

Author: abdalla taha

أحب القراءة ومتابعة العلوم.

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
abdalla taha

أحب القراءة ومتابعة العلوم.

Share
Published by
abdalla taha

Recent Posts

إنجاز عربي عالمي: الأردني-الأمريكي عمر ياغي يفوز بنوبل الكيمياء 2025

عمر ياغي ونوبل الكيمياء.. من تحديات شُحّ المياه إلى ثورة الأطر المعدنية العضوية (MOFs) الحلم…

23 ساعة ago

ثورة في عالم الاتصالات الكمومية: كيف تمكن عالم مصري من “ترويض” مبدأ عدم اليقين وتصويره في الزمن الحقيقي؟

ضوء كمومي مضغوط فائق السرعة: اختراق علمي يفتح آفاقاً جديدة للاتصالات المشفرة بسرعات "البيتاهرتز" على…

يوم واحد ago

نفق كمومي في يدك: نوبل الفيزياء 2025 تفتح آفاق الحوسبة الكمومية

مُنحت جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2025 (Nobel Prize in Physics 2025) لثلاثة من أبرز…

يومين ago

مملكة دلمون: حضارة البحرين القديمة ومحطة التجارة الكبرى في الشرق الأدنى

تُعد مملكة دلمون واحدة من أقدم الممالك الحضارية في تاريخ الشرق الأدنى القديم، والتي ازدهرت…

3 أيام ago

جائزة نوبل 2025 في الطب تكرم رواد “التسامح المناعي المحيطي”

الفرامل الخفية لـ "جيش المناعة": اكتشاف الخلايا التائية التنظيمية يفتح آفاق علاج أمراض المناعة الذاتية…

3 أيام ago

“الساقية” الذكية: كيف تحولت عجلة الري المصرية القديمة إلى مصنع للطاقة النظيفة؟

السواقي المنسية: مصر تُحيي تراث الألفي عام لتوليد الكهرباء النظيفة.. طاقة المستقبل بين جنبات الماضي…

أسبوعين ago