كانت فترة رئاسة «دونالد ترامب» فترة عصيبة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب قراراته وتوجيهاته الانعزالية التي أدت إلى تآكل مكانة بلاده كرائدة عالمية في مجال البحث العلمي والتعاون الدولي وتهميش الحقائق.
الآن وبعد إعلان فوز «جو بايدن» في انتخابات رئاسية محتدمة، ما هي أبرز ملامح أجندة جو بايدن العلمية؟ وهل سيستطيع «بايدن» إعادة مكانة بلاده كقِبلة للعلماء والباحثين؟ وما هي أهم الأولويات العلمية والبحثية في أجندته الرئاسية؟ وكيف سيقوم بتنفيذها في دولةٍ انقسم فيها الرأي العام بشدة؟
فلا شك أن مجرد تولي «جو بايدن» منصبه في 20 يناير المقبل، ستُتاح له فرصة تغيير العديد من السياسات التي تبنتها إدارة ترامب. تلك التي أسفرت عن تأخر الولايات المتحدة عن ملاحقة تسارع أبحاث العلوم والصحة العامة والتخاذل عن المشاركة في حل المشكلات العالمية.
محتويات المقال :
إدراة ترامب في مواجهة الأزمات العالمية
إن أسلوب تعامل الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» مع الأزمات العالمية مثل: جائحة كوفيد-19، أزمة تغير المناخ، وتهميش الحقائق واعتماد الاخبار المضللة، تجاهل دور العلماء والعاملين في وكالات الصحة العامة مثل (مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، كذلك إدارة الغذاء والدواء). وعدم الالتزام بالقوانين والمعاهدات الدولية. كل ذلك كان مرعبًا للغاية، عبر عنها الباحثون بأنها أزمة وطنية على عكس أي أزمة شوهدت من قبل.
أزمة جائحة كوفيد-19 في أجندة جو بايدن العلمية
سعى «ترامب» مرارًا إلى التقليل من شأن هجوم الفيروس التاجي. كما سعى إلى التقليل من شأن معارضة الجهود الحكومية والمحلية لإحتواء الأزمة. فقد أغلق الطريق أمام التواصل مع الدول والمنظمات العالمية خلال حربها ضد الفيروس. لا سيما حينما قرر سحب الثقة من منظمة الصحة العالمية-WHO -منتقدًا المنظمة لدعمها الصين حيث بدأ تفشي المرض- وإيقاف التمويل الذي تشتد الحاجة إليه من قِبل منظمة الصحة لمكافحة الفيروسات مثل فيروس كورونا وفيروس شلل الأطفال، والأمراض الأخرى على مستوى العالم. كما زعم «ترامب» أن التوجيهات والتقارير الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض، تعمد إلى إبطاء اختبار اللقاح بهدف الإضرار بفرص إعادة انتخابه.
في هذا الصدد، نجد أبرز ملامح أجندة جو بايدن العلمية هو إعادة الولايات المتحدة للمشاركة في مواجهة الوباء من جديد، والتي بدأ تنفيذها في شهر مارس هذا العام. فقد كوَّن «بايدن» فريقًا خاصًا للتعامل مع تبعيات فيروس كورونا المستجد، الفريق الذي يضم العديد من الشخصيات البارزة في مجال الطب والصحة العامة. ويعمل الفريق على تكثيف برامج الاختبار وتتبع العمل مع المسئولين لتنفيذ إجراءات السلامة وتعزيز مرافق الصحة العامة، ذلك للمساعدة في السيطرة على انتشار فيروس كورونا المستجد وإعادة بناء برامج التأهب للأوبئة التي أوقفتها إدارة ترامب.
كما وعد الفريق بالاستماع إلى العلم. وأشاد العلماء بتلك الخطوات، لأنها ستعطي الفرصة للوكالات الحكومية للقيام بعملها بشكل صحيح. هذا بالإضافة إلى إعادة فتح طرق التواصل مع الدول الأخرى بشأن أبحاث الحرب ضد فيروس كورونا المستجد. كم االتزم بإعادة دعم منظمة الصحة العالمية مرة أخرى.
أزمة تغير المناخ
فيروس كورونا المستجد ليس هو القضية الخلافية الوحيدة التي سيواجهها الرئيس «بايدن»ز فبعد أن تحرك «ترامب» لسحب الولايات المتحدة رسميًا من اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، وتراجعه عن تنفيذ بعض اللوائح التي تهدف إلى الحد من الغازات الدفيئة ووصفة للإحترار العالمي بأنه “خُدعة”! أصبحت مشكلة المناخ أيضَا من المشكلات التي تترأس جدول أعمال «بايدن».
فقد وضع خطة لحملة بتكلفة 2 تريليون دولارًا أمريكيًا، هي أساس برنامج أطلق عليه برنامج المناخ الأكثر عدوانية على الإطلاق. سيقوم البرنامج على استثمارات الطاقة النظيفة واعتماد البنية التحتية منخفضة الكربون. كما تهدف خطة بايدن إلى توليد كهرباء نظيفة بنسبة 100٪ بحلول 2035، بصافي انبعاثات “صفر” بحلول 2050. والسؤال الأهم هنا، ماهي الخطوات التي ستسير بها تلك البرامج الضخمة؟
أوضح «بايدن» أن الولايات المتحدة ستنضم مجددّا إلى اتفاقية باريس للمناخ، سعيًا منه لأن تصبح بلاده شريكًا نشطًا مع أكثر من 190 دولة التزمت بالحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. بالإضافة لتعيين لجنة صديقة للمناخ في وكالة حماية البيئة، والتحرك سريعًا لاستعادة وتعزيز اللوائح المناخية والبيئية التي تراجعت في عهد «ترامب».
ميادين بحثية أخرى تشغل أجندة جو بايدن العلمية
أبحاث علوم السرطان
بالإضافة إلى تعزيز أساليب التعامل مع الوباء وتغير المناخ، سيكون لدى الرئيس بايدن الحماس لإعطاء الأبحاث العلمية دورها المستحق من جديد. فسيستعين «بايدن» بالخبراء لتنسيق السياسة العلمية وإنشاء محاور بحثية في البيت الأبيض. وتعتبر علوم السرطان هي المجال البحثي الأكثر وضوحًا «لبايدن». لاسيما بعد وفاة ابنه عن عمر 46 عامًا في عام 2015 بسبب سرطان الدماغ. فقد ترأس «بايدن» مبادرة حكومية انطلقت عام 2016 تحت إسم “Cancer moonshot” التي تهدف إلى تسريع وتيرة التقدم والبحث العلمي حول مرض السرطان من خلال التنسيق مع المؤسسات والباحثين لتبادل البيانات والنتائج.
مجال الفضاء
يعد مجال استكشاف الفضاء أحد المجالات القليلة التي بذلت فيها إدارة «ترامب» جهودًا كبيرة. فما هي خطة «بايدن» في هذا المجال؟ وهل سيستطيع تغيير المسار الذي حدده «ترامب» للتقدم في مجال الفضاء؟
إنه لأمر غير معروف، خاصةً أن «بايدن» لم يكن منخرطًا بعمق في قضايا السياسة الفضائية. ومع ذلك أعرب عن حماسه للإهتمام بمجال الفضاء. من ناحية أخرى، يشير الخبراء إلى أن وكالة ناسا قد لا تغير مسارها بشكل كبير في عهد الرئيس «بايدن»، فهي ملتزمة بمواصلة استكشاف الفضاء. لكن لا أحد يعلم ما هي توجيهات إدارة «بايدن» إزاء ما يجب تنفيذه في برنامج الانتقال البشري للفضاء التابع لوكالة ناسا. إذ وجه «ترامب» الوكالة سابقَا للتركيز على هبوط البشر على القمر بحلول عام 2024. فهل مازال سطح القمر على الموعد الذي حدده ترامب؟ أم سيكون لـ «بايدن» موعدًا آخر؟
حظر السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية
لم يهمل «بايدن» أيضًا القرارات الخاصة بإدارة ترامب المتعلقة بالهجرة وحظر السفر، طالت بعضًا من الدول المسلمة. التي قللت من جاذبية الولايات المتحدة كوجهة للطلاب والباحثين الأجانب.
فقد تعهد «بايدن» بإلغاء حظر السفر وتسهيل الأمر على العلماء والمهندسين الأجانب، الحاصلين على درجة الدكتوراه. للبقاء بشكل دائم في الولايات المتحدة. كما اقترح زيادة عدد التأشيرات المتاحة للعمال ذوي المهارات العالية.
هكذا تبدو الملامح الأولى لأجندة جو بايدن العلمية. التركيز على البحث العلمي والأمن القومي والسيطرة على ما خلفته فترة إدارة «ترامب» للبلاد. وتغيير رسائل الصحة العامة ومعالجة حالة انعدام الثقة العامة التي طالت المجتمع الدولي تجاه بلاده. من أجل إعادتها إلى مكانتها الريادية في البحث العلمي.
لكن، أيمكن لفترة رئاسية واحدة مدتها 4 سنوات أن تضع الولايات المتحدة على طريق التعافي؟
المصادر:
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :