أصبح بإمكاننا الآن من خلال برامج تتبع وقت الشاشة تحديد عدد الساعات والدقائق والثواني التي نستخدمها لوسائل التواصل الاجتماعي يوميًا. وإذا كان كل الوقت الذي تقضيه في الإعجاب والتمرير والمشاركة قد وصل إلى عتبات معينة، فإن الأبحاث الجديدة التي أجراها فريق من الأطباء النفسيين تشير إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر على الصحة العقلية حتى عند تسجيل الخروج.
فقد أظهرت ورقة بحثية نُشرت في JAMA Psychiatry دليلًا على أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من 30 دقيقة يرتبط بزيادة مخاطر الصحة العقلية لدى المراهقين. لكن التأثيرات الأكثر قوة قد شوهدت في الذين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من 3 ساعات في اليوم، وقد كان أولئك المراهقون أكثر عرضة بنسبة %60 لمخاطر مشاكل الصحة العقلية مقارنة بالذين لم يستخدموا وسائل التواصل الاجتماعي. أما أولئك الذين أمضوا 6 ساعات أو أكثر فقد زادت نسبة تعرضهم إلى %78.
قد يبدو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمدة ثلاث ساعات يوميًا كثيرًا، لكنه ليس بعيد المنال. ففي عينة واحدة من 1125 مراهقًا في هذه الدراسة، أفاد %30.7 منهم عن قضائهم ما بين 30 دقيقة و 3 ساعات يوميًا، و كذلك أفاد %12.3 آخرين عن قضائهم ما بين 3 و 6 ساعات يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي.
يحذر مؤلفو الدراسة من ذلك الأمر، حيث يبدو وكأنه يؤثر سلبًا على الطريقة التي يعالج بها المراهقون ضغوطهم وقلقهم و المشاكل. فقد ارتبطت ثلاث ساعات أو أكثر من الاستخدام بنوع معين من السلوك يطلق عليه الاستيعاب وهو يشبه الحوار السلبي الداخلي مع النفس، والذي يتسبب في انسحاب شخص ما عاطفيًا، وغالبًا ما يرتبط بالاكتئاب أو القلق أو الشعور بالوحدة. وعلى العكس من الاستيعاب هو الخروج والذي يحدث عندما يتعامل الشخص بقوة وعدوانية عند الاستجابة لمشكلة ما.
في تلك الدراسة، ارتبط استخدام وسائل التواصل إلى حد ما بالسلوك الخارجي، ولكنه كان مرتبطًا بشكل أقوى بالسلوك الداخلي على المدى الطويل.
تشرح كيرا ريهم، مؤلفة الدراسة الرئيسية والمرشحة لشهادة الدكتوراه في كلية جونزهوبكنز بلومبرج للصحة العامة أن هناك ثلاث أفكار رئيسية تفسر سبب ارتباط وسائل التواصل الاجتماعي بالسلوك الداخلي فتقول:
“يمكن تفسير ذلك النمط من النتائج من خلال عدد من الآليات المحتملة، بما في ذلك التعرض للتنمر عبر الإنترنت، أو قلة النوم، أو حتى التعرض لعروض تقديمية مثالية، والتي ربطتها دراسات أخرى بأعراض الاكتئاب والقلق”.
تذكِرنا ريهم هنا بأحد أهم الانتقادات الأساسية لوسائل التواصل الاجتماعي وهي أنَنا دائمًا ما نُصدِر من خلالها الصورة المثالية من أنفسنا والآخرين، الأمر الذي يجعل الواقع قاتمًا بالمقارنة.
في تلك الدراسة، ذهب الفريق إلى حد القول بأنه قد يكون من المفيد إعادة تقييم الطريقة التي يتم بها تصميم مواقع التواصل الاجتماعي. فهم -على وجه التحديد- يثنون على جهود Instagram لإخفاء (عدد من قاموا بالإعجاب) من بعض المنشورات. فعلى الأقل من خلال هذه النتائج المبكرة، يبدو أن النظام الذي يعمل بعدد مرات الإعجاب وعدد المشاركات وإعادة التغريدات، له بعض الآثار الضارة على الصحة العقلية، خاصةً عندما يقضي المراهقون ساعات منغمسين في هذا العالم.
يقول مؤلفو الدراسة في ذلك الأمر:
“نعتقد أن شركات التكنولوجيا والهيئات التنظيمية المسؤولة عن منصات التواصل الاجتماعي يجب أن تفكر في كيفية تصميم هذه المنصات لتقليل مخاطر الصحة العقلية”.
لكن هل وسائل التواصل الاجتماعية هي المسئولة حقًا؟
للوهلة الأولى، يبدو من المنطقي أنَّ قضاء ساعات طويلة في النظر إلى إجازات أحلام المشاهير من شأنه أن يجعل الشخص يشعر بالسوء حيال حياته الخاصة بالمقارنة. نعم، فقد كان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مرتبطًا على نحوٍ ثابتٍ بقضايا الصحة العقلية، ولكن لا يزال هناك بعض النقاش حول الطريقة التي تسير بها الأمور. فالسؤال هو: هل تغير وسائل التواصل الاجتماعي فعلًا من الطريقة التي نشعر بها تجاه مشاكلنا، أم أن الناس المعرضين للاستيعاب يتحولون إلى وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متكرر أكثر؟
تقول ريهم في ذلك:
“لقد قمنا في دراستنا بقياس مشاكل الصحة العقلية قبل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك يمكننا أن نكون أكثر يقينًا (ولكن ليس أكيدًا تمامًا) من أن السببية العكسية لا تفسر نتائجنا”.
بمعنى آخر، تجد ريهم وفريقها أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تؤثر فعليًا على الطريقة التي يتعامل بها الناس مع مشاكلهم. وفي نهاية اليوم، يعتقدون أنه إذا اقتصر استخدام المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي على أقل من 30 دقيقة يوميًا، فستقل نسبة المشاكل الداخلية بنسبة %9.4 وتقل نسبة المشاكل الخارجية بمقدار %7.3.
ختامًا يمكن القول إن ورقة فريق ريهم هي مجرد واحدة من العديد من المقالات التي تتعمق في كيفية تأثير الحياة الاجتماعية الرقمية على صحتنا العقلية – في بعض الأحيان بطرق إيجابية أيضًا– الأمر الذي يظهر مدى تأثير التطبيق بقوة على حياتنا، وعلى صحتنا، ويؤكد كيف أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر على الصحة العقلية.
المصدر: Inverse
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :