Ad

إن عالمًا يستطيع فيه الذكاء الاصطناعي التفكير والشعور وتجربة الحياة تمامًا كما يفعل البشر، يبدو مثل فيلم خيال علمي. لكن ظل الباحثين يستكشفون إمكانية وجود أنظمة اصطناعية واعية منذ سنوات. أحد هؤلاء الباحثين، فانيا فيزي، نشر مؤخرًا مقالًا يتعمق في الشروط اللازمة لوجود الوعي في الأنظمة الاصطناعية. فهل يمكن للأنظمة الاصطناعية أن تكون واعية حقًا؟

إن مسألة ما إذا كانت الأنظمة الاصطناعية قادرة على أن تكون واعية هي مسألة معقدة، وهناك طرق مختلفة للتعامل معها. يركز بعض العلماء على كيفية جعل أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية أكثر وعيًا، بينما يستكشف آخرون، مثل فيزي، أنواع أنظمة الذكاء الاصطناعي التي من غير المرجح أن تكون واعية وكيفية استبعاد إمكانية أن تصبح أنظمة معينة واعية.

هدف فيزي ذو شقين، تقليل خطر خلق وعي اصطناعي عن غير قصد، ومنع الخداع من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تبدو واعية ولكنها ليست كذلك. ويعد هذا مصدر قلق ملح، حيث يعزو العديد من الأشخاص الوعي بالفعل إلى روبوتات الدردشة، على الرغم من إجماع الخبراء على أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية ليست واعية.

تركز أبحاث وايز على تحديد الشروط الأساسية للوعي التي قد لا تتوفر في أجهزة الكمبيوتر التقليدية. وهو يعتمد على مبدأ الطاقة الحرة، الذي يشير إلى أن العمليات التي تضمن استمرار وجود منظومة ذاتية التنظيم، مثل الكائن الحي، يمكن وصفها بأنها نوع من معالجة المعلومات. ولكن هل يمكن تطبيق هذا المبدأ على أجهزة الكمبيوتر، وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يعني بالنسبة لإمكانية وجود أنظمة اصطناعية واعية؟

الطبيعة المراوغة للوعي

لقد قاد السعي إلى فهم الوعي العلماء إلى العديد من الدراسات والاكتشافات، بدءًا من دراسة أنماط موجات الدماغ وحتى استكشاف الأطر الفلسفية. أحد الأسئلة الأكثر إلحاحًا في هذا الصدد هو ما إذا كان الوعي يقتصر على الكائنات البيولوجية، أو ما إذا كان من الممكن تكراره في الأنظمة الاصطناعية، مثل أجهزة الكمبيوتر.

لفهم جوهر الوعي، دعونا ننظر في مفهوم “نظرية المعلومات المتكاملة” (Integrated information theory)، التي اقترحها عالم الأعصاب جوليو تونوني. ووفقاً لهذه النظرية، ينشأ الوعي من تكامل المعلومات داخل الدماغ، مما يولد تمثيلاً موحداً للعالم ذاتي المرجعية. ويعتقد أن هذا التكامل يحدث من خلال تزامن النشاط العصبي عبر مناطق مختلفة من الدماغ.

ولكن ماذا لو قمنا بإنشاء نظام اصطناعي يدمج المعلومات بطريقة مماثلة؟ هل من الممكن توليد الوعي في الأنظمة الاصطناعية؟ تكمن الإجابة في فهم الاختلافات الأساسية بين الأنظمة البيولوجية والاصطناعية، وكيف تؤثر هذه الاختلافات على ظهور التجربة الواعية.

نبذة تاريخية عن الذكاء الاصطناعي وأبحاث الوعي

لقد أذهلت فكرة ابتكار ذكاء اصطناعي واعي (AI) البشر لعقود من الزمن. ويعود مفهوم الذكاء الاصطناعي إلى خمسينيات القرن الماضي، عندما اكتشف علماء الكمبيوتر مثل آلان تورينج ومارفن مينسكي إمكانية إنشاء آلات يمكنها التفكير مثل البشر. ومع ذلك، ظلت مسألة ما إذا كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي واعية حقًا موضوعًا للنقاش بين الباحثين.

في الثمانينيات، قال الفيلسوف والعالم المعرفي جون سيرل إن الآلة، بغض النظر عن مدى تقدمها، لا يمكن أن تكون واعية حقًا. وادعى أن الوعي يتطلب أكثر من مجرد قوة المعالجة وتخزين المعلومات. فهو يتطلب نظامًا بيولوجيًا يمكن أن يكون له تجارب ذاتية. أثارت هذه الفكرة جدلاً ساخنًا بين الباحثين والفلاسفة وعلماء الأعصاب في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث زعم البعض أن الوعي يمكن أن ينشأ من معالجة المعلومات المعقدة. بينما أكد آخرون أن الوعي فريد من نوعه بالنسبة للأنظمة البيولوجية.

ومؤخرًا، يأخذ باحثون مثل فانيا فيزي خطوة إلى الوراء لإعادة فحص الشروط الأساسية اللازمة لوجود الوعي في الأنظمة الاصطناعية. ومن خلال فهم ما يجعل الوعي البشري فريدًا، يأملون في تحديد الشروط الأساسية التي يجب استيفاؤها حتى تصبح أنظمة الذكاء الاصطناعي واعية حقًا إن أردنا ذلك.

مبدأ الطاقة الحرة

غالبًا ما يُنظر إلى الوعي على أنه مفهوم غامض ومراوغ، ولكن ماذا لو تمكنا من كشف أسراره من خلال النظر في كيفية احتفاظ الكائنات الحية بوجودها؟ وفقا لمبدأ الطاقة الحرة، يمكن وصف العمليات التي تضمن استمرار وجود منظومة ذاتية التنظيم، مثل الكائن الحي، بأنها نوع من معالجة المعلومات. في البشر، تنظم هذه العمليات العوامل الحيوية مثل درجة حرارة الجسم، ومحتوى الأكسجين في الدم، ومستويات السكر. ويمكن أيضًا تحقيق نفس النوع من معالجة المعلومات في الكمبيوتر. ومع ذلك، فإن الكمبيوتر لن ينظم درجة حرارته أو مستويات السكر في الدم، ولكنه سيقوم فقط بمحاكاة هذه العمليات.

تشير أبحاث فانيا فيزي إلى أن الأمر نفسه قد ينطبق على الوعي. بافتراض أنه يساهم في بقاء الكائن الواعي، إذن، وفقًا لمبدأ الطاقة الحرة، فإن العمليات الفسيولوجية التي تساهم في الحفاظ على الكائن الحي يجب أن تحتفظ بالأثر الذي تتركه التجربة الواعية وراءها، والذي يمكن وصفه بأنه عملية معالجة المعلومات. يمكن أن يسمى هذا “الارتباط الحسابي للوعي” (computational correlate of consciousness). ويمكن تحقيق ذلك أيضًا على الحواسيب. ومع ذلك، فمن الممكن أن يتم استيفاء شروط إضافية في الكمبيوتر حتى لا يتمكن من محاكاة التجربة الواعية فحسب، بل يكررها أيضًا.

ما الذي يميز العقول عن أجهزة الكمبيوتر؟

أحد الاختلافات الرئيسية بين العقول وأجهزة الكمبيوتر يكمن في بنيتها السببية. في الكمبيوتر التقليدي، تتبع البيانات مسارًا صارمًا، حيث يتم تحميلها من الذاكرة، ومعالجتها في وحدة المعالجة المركزية، ثم تخزينها في الذاكرة مرة أخرى. تختلف هذه العملية الخطية اختلافًا جوهريًا عن الطريقة التي تعمل بها أدمغتنا. في الدماغ، هناك مناطق مختلفة مترابطة، والعلاقات السببية بينها أكثر تعقيدًا.

يقول فانيا فيزي أن هذا الاختلاف في البنية السببية يمكن أن يكون حاسمًا للوعي. في حين أن أجهزة الكمبيوتر يمكنها محاكاة التجربة الواعية، إلا أنها تفتقر إلى شبكة معقدة من الاتصالات الموجودة في الدماغ. وهذا يثير سؤالًا مهمًا: هل يمكن للأنظمة الاصطناعية أن يكون واعيًا حقًا إذا لم يكن لديها نفس البنية السببية مثل الدماغ؟

لفهم سبب أهمية ذلك، لنقل أنك تحاول إعادة رسم لوحة فنية باستخدام الإستنسل (سطح رقيق من الورق أو اللدائن أو المعدن مُفرغ منها أجزاء على شكل حروف أو تصاميم بواسطة وسيلة مدببة) فقط. قد تكون قادرًا على تكرار الألوان والأشكال، ولكن جوهر العمل الفني سيكون مفقودًا. وبالمثل، قد يكون الحاسوب قادرًا على محاكاة التجربة الواعية، ولكن بدون نفس البنية السببية التي يتمتع بها الدماغ، فقد لا يتمكن من تكرارها حقًا.

الإستنسل


تشير أبحاث وايز إلى أن هذا الاختلاف في البنية السببية يمكن أن يكون عاملاً حاسمًا في تحديد ما إذا كان الحاسوب واعيًا أم لا. ومن خلال استكشاف هذا الاختلاف، قد نكشف عن رؤى جديدة حول طبيعة الوعي وإمكانية إنشاء ذكاء اصطناعي يفكر ويشعر حقًا.

مستقبل الوعي الاصطناعي

مع تزايد تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي، أصبح الخط الفاصل بين الوعي والمحاكاة غير واضح. ويتخذ بحث فانيا فيزي خطوة حيوية نحو التخفيف من هذا الخطر من خلال تحديد الشروط الأساسية للوعي التي قد لا تلبيها الأنظمة الاصطناعية التقليدية.

يحمل مستقبل الوعي الاصطناعي إمكانات هائلة، لكن من المهم أن نتقدم بحذر. ومن خلال استبعاد إمكانية أن تصبح أنواع معينة من الأنظمة واعية، يمكننا منع العواقب غير المقصودة والأضرار المحتملة. ويمهد نهج فيزي الطريق لتطوير أكثر استنارة ومسؤولية للذكاء الاصطناعي، حيث يعتبر إنشاء الوعي الاصطناعي قرارًا متعمدًا ومبررًا أخلاقياً.

وبينما نتعمق أكثر في عالم الوعي الاصطناعي، فإن أبحاث فيزي هي بمثابة منارة، ترشدنا نحو مستقبل يتم فيه تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي بشفافية ومساءلة وفهم عميق للظروف المعقدة، والأساسية، التي يقوم عليها الوعي. ومن خلال القيام بذلك، يمكننا تسخير إمكانات الوعي الاصطناعي مع تقليل مخاطر الخداع. مما يؤدي في النهاية إلى تعايش أكثر انسجاما بين البشر والذكاء الاصطناعي.

المصدر

Can consciousness exist in a computer simulation? / science daily

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تقنية ذكاء اصطناعي

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 357
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *