نظرية الألعاب التطورية
محتويات المقال :
ما هي نظرية الألعاب؟
هل بوسعك أن تحلل جميع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية مستخدمًا إطار وحيد؟
نظرية الألعاب هي فرع من فروع الرياضيات توفر أدوات لتحليل المواقف التي يتخذ فيها اللاعبين قرارات معينة، إذ تصف النظرية القرارات المُثلى للاعبين الذين قد يكون لديهم اهتمامات متشابهة أو متعارضة أو مختلطة وتصنف نتائج تلك القرارات، وتعتمد على استراتيجيات الأفراد الآخرين، ولا يتحكم أي فرد في قرار الأخر.
طُبقت نظرية الألعاب على علوم عدة من العلوم الاجتماعية الإنسانية وعلوم الهندسة الطبيعية. إذ تهتم نظرية الألعاب بالمشاكل الاجتماعية، إذ أنك لست الوحيد المتخذ لقرار ما لانك تتعامل مع آخرين. كل منهم يعتمد على تصرف الخصم. لذلك فإن نظرية الألعاب تتبنى نماذج رياضية لتتنبأ كيف سيتصرف الناس في مثل هذه المواقف الاستراتيجية، فالنظرية تدرس سلوك الناس في المواقف الاستراتيجية.
أمثلة توضيحية
لكن دعني عزيزي القارئ أوضح موضوع نظرية الألعاب، لذا سأطرح عليك سؤالين في البداية:
السؤال الأول، هناك حملة سياسية بين الديموقراطيين والجمهوريين، فمن الذي سيفوز؟ وكيف ستدار سياسة كل منهما؟
السؤال الثاني: ماذا يحدث لو انشأنا طريق جديد بين س وص كيف سيؤثر ذلك على المرور على الطريق الحالي وكيف توفر وقت السفر بين س و ص؟
نظرية الألعاب تقدم لك طريق موحد لكل المشاكل الاجتماعية، فيمكنك وضع العراك السياسي بين الحزبين عن هيئة نموذج رياضي بسيط.
في المثالين السابقين، ستعتمد على حدسك لتجد الإجابة فبذلك تجد نهج موحد يمكن تطبيقه على جميع المشاكل الاجتماعية، فالمشترك بين كل المسائل الاجتماعية هو أن الافراد يحاولون عمل أفضل ما بوسعهم ضد الاخرين ولكن هناك قواعد واجب الالتزام بها كمثال المعركة بين الديموقراطيين والجمهوريين، يمكنهم نداء الناس من خلال منصتهم ولكن لا يمكنهم رشوتهم! لذا فكل مشكلة اجتماعية لديها قواعد.
المشاكل الاجتماعية في قالب رياضي
لنصيغ الآن المشاكل الاجتماعية في شكل نموذج رياضي للعبة، لماذا سنحتاج برأيك؟
نحتاج أن نحدد ثلاث عناصر:
الأول: يجب أن نحدد من سيشارك في المسألة/المشكلة الاجتماعية وهم اللاعبون.
الثاني: يجب أن تحدد ما يستطيع كل لاعب أن يفعله في المسألة الاجتماعية وما ستحدده يُسمى “الإستراتيجية”، أي لاعب في مسأله اجتماعية يتخذ استراتيجية معينة.
الثالث: تحدد نتائج كل لاعب.
هذه الإستراتجيات ستوضح لنا ما هي نظرية الألعاب التطورية ولكن دعنا نتعرف على العلاقة بين النظرية وعلم الأحياء التطوري.
الحصول على الغذاء
يستخدم علماء الأحياء نظرية الألعاب لتوضيح النتائج التطورية للتفاعلات، إذ يحاول علماء البيئة التطوريون فهم العلاقات السلوكية المعقدة بين الكائنات الحية أثناء تفاعلها للحصول على الموارد (غذائها). إذ تتراوح هذه التفاعلات من العدائية إلى التعاونية، وتحدث أيضًا حالات استغلال وإيثار.
يستثمر الكائن الحي طاقته في مواجهاته اليومية مع غيره من الحيوانات، كما يسثتمرها أيضًا في التعاون مع أفراد نوعه للحصول على الموارد الغذائية المختلفة، مما يجعله يستهلك طاقة للحصول على الطاقة. كما أن تجنب الكائن الحي لاستهلاك الطاقة يمكن أن يكون مكلفًا إذا فَنيت الطاقة ولم يصل الكائن إلى الموارد التي استثمر فيها طاقته مثل ركضه خلف حيوان أسرع منه أو صعوده شجره صعبة للوصول لثمرة في مكان عال.
الطاقة التي تُستغل هي تكلفة على الكائن الحي، والموارد هي الفوائد. تؤدي استراتيجيات التفاعل المختلفة مثل القتال أو التعاون إلى مكافآت مختلفة بناءً على طبيعة التفاعل.
الأعلى لياقة هو من يفوز!
يتعامل علماء البيئة التطورية مع هذه الاستراتيجيات (ولنرجع هنا لإستراجيات النظرية الموضوعة في قالب رياضي ولاحظ التشابهة) على أنها أنماط ظاهرية. تعمل الكائنات الحية الأكثر نجاحًا على زيادة مواردها وزيادة قدرتها على التكاثر. إذ يتميز الكائن الذي يتمتع بأفضل استراتيجية تفاعل بأعلى لياقة. نظرًا لأن استراتيجية التفاعل (النمط الظاهري) يمكن أن ترتبط ارتباطًا مباشرًا باللياقة، إذ يتم تفضيل الاستراتيجية المُثلى في ظل الانتقاء الطبيعي.
يمكن التعامل مع التفاعلات بين الكائنات الحية ذات الاستراتيجيات المتنافسة أو المتطابقة على أنها ألعاب مع لاعبين متعددين. نظرًا لأن التفاعلات البيولوجية تشمل اثنين أو أكثر من صناع القرار (أي الأفراد الذين لديهم استراتيجيات).
كيف بدأت نظرية الألعاب التطورية؟
تم تطوير نظرية اللعبة التطورية لأول مرة بواسطة «رونالد فيشر_Ronald Fisher». أثناء محاولته لشرح المساواة التقريبية لنسبة الجنسين (نسبة الذكور إلى الإناث) في الثدييات. كان اللغز الذي واجهه فيشر هو لماذا تتساوى نسبة الجنسين تقريبًا في العديد من الأنواع. إذ لا تتزاوج غالبية الذكور مطلقًا؟
في هذه الأنواع، يبدو أن الذكور غير المتزوجين هم عبء زائد يحمله بقية السكان، وليس لهم فائدة حقيقية. أدرك فيشر أنه إذا قمنا بقياس اللياقة الفردية من حيث العدد المتوقع للأحفاد. سنجد أن اللياقة الفردية تعتمد على توزيع الذكور والإناث في السكان. عندما يكون هناك عدد أكبر من الإناث في السكان. يكون لدى الذكور لياقة فردية أعلى، وعندما يكون هناك عدد أكبر من الذكور في السكان، تتمتع الإناث بلياقة فردية أعلى.
أشار فيشر إلى أنه في مثل هذه الحالة، تؤدي الديناميكيات التطورية إلى أن تصبح نسبة الجنس ثابتة عند أعداد متساوية بين الذكور والإناث.
حقيقة أن اللياقة الفردية تعتمد على التكرار النسبي للذكور والإناث في السكان تُقدم عنصرًا استراتيجيًا في التطورات. يمكن فهم حجة فيشر من الناحية النظرية، لكنه لم يذكرها بهذه المصطلحات.
قدم «ريتشارد ليوونتين-Richard Lewontin» عام 1961 أول تطبيق صريح لنظرية اللعبة في علم الأحياء التطوري في “Evolution and the Theory of Games”. حدد «ماينارد سميث-Maynard Smith» في عام 1972 مفهوم الاستراتيجية التطورية المستقرة.
ظهر بحث ماينارد سميث الأساسي “التطور ونظرية الألعاب” في عام 1982، ومن بعده بوقت قصير عمل «روبرت أكسلرود-Robert Axelrod» الشهير “تطور التعاون” في عام 1984. ومنذ ذلك الحين، تزايد اهتمام الاقتصاديين وعلماء الاجتماع بالنظرية.
نهجان لنظرية الألعاب التطورية
النهج الأول مستمد من عمل ماينارد سميث وبرايس ويستخدم مفهوم الاستراتيجية المستقرة تطوريًا كأداة رئيسية للتحليل.
يبني النهج الثاني نموذجًا واضحًا للعملية التي يتغير بها تواتر الاستراتيجيات في السكان ويدرس خصائص الديناميكيات التطورية ضمن هذا النموذج.
وبالتالي يمكن أن يوفر النهج الأول تحليلًا مفاهيميًا ثابتًا للاستقرار التطوري. “ثابت” لأنه على الرغم من تقديم تعريفا ت الاستقرار التطوري، فإن التعريفات المتقدمة لا تشير عادةً إلى العملية الأساسية التي تتغير بها السلوكيات (أو الاستراتيجيات) في السكان. على العكس من ذلك، لا يحاول النهج الثاني تحديد مفهوم الاستقرار التطوري. بمجرد تحديد نموذج لديناميكيات السكان، يمكن تطبيق جميع مفاهيم الاستقرار القياسية المستخدمة في تحليل الأنظمة الديناميكية.
تزداد أهمية نظرية الألعاب التطورية مع مرور الوقت وأصبحت ذات أهمية قصوى لدى الاقتصاديين وعلماء الاجتماع وعلماء الأنثروبولوجيا وكذلك الفلاسفة. اهتمام علماء الاجتماع بها مثلًا مربوط بالتطور الذي عالجته نظرية الألعاب وليس من الضروري أن يكون تطورًا بيولوجيًا.
المصادر
Sciencedirect
Nature
Cousera
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :