Ad

من وضع أسس المعلومات الحديثة؟

اتصالات وحوسبة وتشفير وذكاء اصطناعيّ وتعلم آلي… في عصرنا عصر المعلومات الفضل يعود لعالم عبقري وحيد. إذ قدم إسهامات هامة وفريدة، اسمه قد يكون غريب على مسمعك فهو ليس «ألبرت أينشتاين_Albert Einstein» أو «ريتشارد فاينمان_Richard Feynman» ولم يفز بجائزة نوبل! إنه العالم «كلود شانون_Claude Shannon». ففي ورقة بحثية واحدة، وضع أساسيات الاتصالات التي كانت العمود الفقري لعصر المعلومات الحديث. هل تشعر الآن بفضول للتعرف عليه أكثر وعلى ما قدمه؟ في السطور القادمة سنسرد لك قصته، فهيا بنا…

حياة كلود شانون

ولد كلود شانون في جيلورد بولاية ميشيغان بالولايات المتحدة في عام 1916م. توفي في 24 فبراير 2001، كان والده رجل أعمال محلي ومعلم. تخرج شانون من جامعة ميشيغان بدرجة البكالوريوس في الرياضيات والهندسة الكهربائية في عام 1936م. حصل على منصب باحث مساعد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT). عمل مع الباحث الشهير «فانيفار بوش_Vannevar Bush». قد ألهمت فترة التدريب الصيفي التي قضاها شانون في «مختبرات بيل_Bell Labs» الأمريكية للهاتف والتلغراف في مدينة نيويورك عام 1937م مهاراته البحثية. حصل شانون على درجتي الماجستير في الهندسة الكهربائية والدكتوراه في الرياضيات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في عام 1940م. إذ ساهم لأول مرة في العمل على أنظمة التحكم في الصواريخ المضادة للطائرات في عام 1941م، وأصبح شانون أستاذًا زائرًا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في عام 1956م، وعضوًا دائمًا في هيئة التدريس في عام 1958م.

من وضع أسس المعلومات الحديثة؟
كلود شانون

الجدير بالذكر أن رسالة الماجستر الخاصة به في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا كانت في الجبر البوليني -هو منسوب للعالم «جورج بول_George Boole»، إذ يتعامل مع القيم المنطقية ويتضمن متغيرات ثنائية، ونستخدمه كمثال في تحليل البوابات والدوائر الرقمية- لتحليل وتركيب دوائر التبديل، حيث حول تصميم الدوائر من فن إلى علم.

من الدخان إلى الحمام الزاجل!

من التواصل بالدخان والنيران، حيث استخدمت القبائل الأصلية في أمريكا الشمالية النيران منذ مئات السنين أو حتى قبل ذلك؛ لنقل الرسائل فمثلًا كانوا يقيمون سُحب صغيرة بالدخان بأشكال مختلفة يمكن أن يكون لكل من رقم السحابة وشكلها والفاصل الزمني بينها معنى محدد. لم يكونوا هم الوحيدين، إذ استخدم الصينيون إشارات الدخان في العصور القديمة لإعطاء تحذيرات بشأن اقتراب العدو وكذلك اليونانيون.

ثم يأتي الحمام ونرى صورته على نقوش في سومر القديمة منذ ما يقرب من 5000 عام. كذلك الخلفاء المسلمون، إذ قاموا بإنشاء خدمة بريد الحمام الزاجل في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ولم يتقاعد الحمام الزاجل حتى القرن الماضي. لعب أدوار مهمة في الحربين العالميتين. ومن الدخان إلى الحمام الزاجل ننتقل إلى الهاتف والتلفزيون! سعى البشر لإيجاد طرق تتيح لنا التواصل بشكل أسهل وأسرع، وهنا أتى دور عالمنا شانون الذي كان له دور هام.

رسالة بحثية لفانيفار بوش تغير مسار التاريخ

قام شانون بإرسال رسالة لمعلمه فانيفار بوش في عام 1939م. وضح فيها بعض أفكاره الأولية حول “الخصائص الرئيسة للأنظمة العامة لنقل الذكاء”. بعد عقد من الزمن، نشر شانون نظريته المصيرية. نشر “نظرية رياضة للتواصل” في عام 1948م، فدعونا نتعرف على تلك النظرية…

ما هي النظرية الرياضية في الاتصال؟

وضع شانون نموذج اتصال بسيط وهو أن يقوم المرسل بتشفير المعلومات في إشارة وتلك الإشارة تفسدها الضوضاء ثم يأتي مُستقبل ويفك تلك الإشارة ومن ثم نسمع الصوت واضح. على الرغم من بساطة النموذج إلا أنه شمل رؤيتين وهما عزل مصادر المعلومات والضوضاء عن نظام الاتصال المراد تصميمه، وتصميم هذين المصدرين بشكل احتمالي. تخيل أن مصدر معلومات ينتج العديد من الرسائل الممكنة للتواصل، ولكل منها احتمال معين. أضافت الضوضاء الاحتمالية المزيد من العشوائية لفك لغز المستقبل. قد ركز شانون -عزيزي القارئ- على سؤالين في ورقته البحثية وهما:

  • تحديد الترميز الأكثر كفاءة للرسالة باستخدام أبجدية معينة في بيئة خالية من الضوضاء. ‏
  • ‏فهم الخطوات الواجب تنفيذها في ظل وجود الضوضاء. ‏ما معنى الكلام السابق؟ هذا ما سنتعرف عليه.

شرح نموذج شانون

هناك عدة مكونات في نموذجه ألا وهي:

  • مصدر الرسالة: هو المصدر أو المرجع الذي أنشأ الرسالة غالبًا ما يكون مصدر الرسالة بشريًا ولكن في نموذجه قد يكون حيوانًا أو كمبيوترًا أو أي كائنًا آخر حي أو غير حي.
  • المُشفر: هو الكائن الذي يربط الرسالة بالإشارات المادية الفعالة المرسلة فمثلًا، هناك طرق عديدة لتطبيق هذا النموذج على شخصين بينهما محادثة هاتفية. يمكن اعتبار أن الكلام الذي يقوله شخص واحد هو الرسالة واعتبار الهاتف والإلكترونيات المرتبطة به التي يتواصل من خلالها هي المُشفر. ذلك المُشفر الذي يحول الكلام إلى إشارات كهربائية تنتقل عبر شبكة الهاتف.
  • القناة: هي الوسيلة التي تنقل الرسالة، قد تكون القناة عبارة عن أسلاك أو هواء أو فضاء.
  • الضوضاء: هي التي تعارض إرسال الإشارة فهي بمثابة المانع. يحتوي النظام الواحد على عدة مصادر للضوضاء، لكن إذا تم فهم كل هذه المصادر، سيكون من الممكن التعامل مع كل مصدر على حدى وحل مشكلته.
  • وحدة فك التشفير: هي المسؤولة عن تحويل الإشارة إلى شكل مفهوم يمكن للمستقبل من خلاله فهم الرسالة. جهاز فك التشفير قد يكون سماعة الأذن مثلًا ودوائرها الإلكترونية.
  • المُستقبل: الكائن الذي يحصل على الرسالة.

لاحظ شانون أن مفتاح الاتصال هو «مبدأ عدم اليقين». مثال على مبدأ عدم اليقين، معك عملة عليها رمزان متساويان في الاحتمال إما صورة أو كتابة (على جهاز كمبيوتر مثلًا)، فقبل قذف العملة لا يعرف المُتلقي البيانات وأي رمز سيصدر في الجهاز وحيث يكون المُتلقي لديه حالة نسميها عجز بياناتي. فاستخدم هنا شانون المصطلح المعبر عن العجز البياناتي ألا وهو «عدم اليقين».

بدأ شانون في إطار عدم اليقين والاحتمال، بوضع مفهوم «بت_Bit» المعلومات الذي استخدمها كوحدة أساسية لعدم اليقين وقد كان أول من استخدم الكلمة (على الرغم من قوله أن عالم الرياضيات «جون توكي_John Tukey» استخدمها في مذكرة أولًا).

أهم ما توصل إليه شانون

  • توصل إلى معادلة للحد الأدنى من عدد البتات في الثانية لتمثيل المعلومات، وهو رقم أطلق عليه «معدل إنتروبي». وصياغة مفهوم الإنتروبي في الميكانيكا الإحصائية. يرتبط المفهوم المعلوماتي والديناميكا الحرارية للإنتروبي من خلال مفاهيم الاحتمالات والعشوائية. ذلك الرقم يحدد مقدار عدم اليقين في تحديد الرسالة التي سيولدها المصدر وكلما انخفض معدل الإنتروبي «H»، قل عدم اليقين. أي تقابل القيم الأعلى للإنتروبي الكميات الأعلى من عجز البيانات.
  • قدم معادلة للحد الأقصى لعدد وحدات البت في الثانية التي تتمكن من مواجهة الضوضاء والتي أسماها سعة النظام C وهذا المعدل الأقصى الذي يمكن للمُستقبل من خلاله حل عدم اليقين في الرسالة وفهمها بشكل أسرع.
  • أخيرًا، وضح أن الاتصال الفعال للمعلومات من مصدر يمكن أن يواجهة الضوضاء إذا كانت H <C، فالمعلومات كالماء وإذا كان معدل التدفق أقل من سعة الأنبوب، فسيمر الماء بشكل فعال.

تفسيرات غير منطقية!

إذا كنت تتحدث في مكان يعج بالصخب، فمن المنطقي أن أفضل طريقة تتأكد بها من وصول رسالتك هي أن تكررها عدة مرات. لكن وضح شانون أن ذلك ليس فعالًا للغاية. بالفعل كلما كررت كان الاتصال أكثر فعالية لكنك تضحي بالسرعة من أجل الفاعلية، فوضح أنه يمكن للمرء عدم التكرار وأن التواصل سيتم بشكل أسرع.

 نتيجة أخرى، أنه مهما كانت طبيعة المعلومات فمن الأفضل ترميزها إلى أجزاء قبل إرسالها. في الراديو مثلًا يشير شانون إلى تحويل الموجة الصوتية أولاً إلى وحدات بت، ثم تعيين تلك البتات في الموجة الكهرومغناطيسية بما أن كلا من الصوت والإشارة الكهرومغناطيسية موجات.  تُعد تلك النتيجة هي أساس عصر المعلومات الرقمية الحديث.

في نهاية مقالنا عزيزي القارئ، يمكننا القول بأن شانون اخترع رياضيات جديدة لوصف قوانين الاتصال. إذ وضحت النظرية كيفية إنتاج المعلومات ونقلها -كما وضحنا-. يُعتبر شانون” أب نظرية المعلومات”. فقد أصبحت الآن نظريته هي أساس ما تقوم عليه جميع أنظمة الاتصالات الحديثة: البصرية أو تحت الماء أو حتى بين الكواكب.

المصادر

  1. quantamagazine
  2. britannica
  3. scientificamerican
  4. مقدمة قصيرة جدًا | المعلومات لـ لوتشانو فلوريدي

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Ayaa Yasser
Author: Ayaa Yasser

آية من مصر، أدرس الرياضيات، مُحبة للعلوم والبحث العلمي.

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تقنية رياضيات

User Avatar

Ayaa Yasser

آية من مصر، أدرس الرياضيات، مُحبة للعلوم والبحث العلمي.


عدد مقالات الكاتب : 48
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *