Ad

ملخص كتاب قصة الفلسفة اليونانية لزكي نجيب محمود وأحمد أمين

في صفحات هذا الكتاب استطاع الكاتب الكبير زكي نجيب محمود، فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، والكاتب أحمد أمين أن يأخذوا عقولنا في آلة الزمن؛ ليعودوا بنا آلاف السنين فنقابل أبرز العقول المنتجة للفكر، والحضارة، والتي تجلى فيها إعمال العقل لأول مرة في التاريخ تقريباً.

رصد الكاتبان ما أنتجته أدمغة هؤلاء، وكيف نظروا للوجود وما وراء الوجود والسعادة والشقاء وغيرها، كل ذلك وأكثر في ملخص كتاب قصة الفلسفة اليونانية.

فلاسفة يونيا:

في يونيا أو أيونيا الواقعة في الجانب الغربي في آسيا الصغرى كانت بداية كل شئ، فلو دخلنا آلة الزمن لنصل لأول نقطة بدأ عندها التفكير حتماً سنسافر ليونيا؛ حيث التفكير في علل الكون.

من أين جاء الكون؟ وما السر وراء تصرفه على ذلك النحو؟ فهناك ولأول مرة لم تكن إجابات تلك الأسئلة مرتبطة بالأساطير، بل بالتفكير الباحث عن الحقيقة لا الأوهام.

1. طاليس

كانت السؤال الأول الذي دار في أذهان المفكرين الأوائل هو: ما هو أصل الكون؟ هل هناك مادة معينة تشكل منها الكون بأكمله؟ هذا ما حاول طاليس الإجابة عنه ووقع اختياره على الماء؛ فالماء تارة يصبح غازاً، وتارة صلب، وتارة أخرى سائل. لم لا يكون أساس كل المواد هو الماء باعتبار حالات المادة الثلاث؟ فباختلاف كمية الماء وحالته يختلف العنصر المتكون.

افترض طاليس أيضًا أن الأرض ما هي إلا قرص يطفو فوق سطح من الماء غير متناهي الأبعاد. وقد كان طاليس عالماً بالرياضيات؛ فقيل أنه علّم المصريين كيفية قياس ارتفاع الهرم عن طريق ظله. وكان مولعاً بالفلك فاستطاع أن يتنبأ بكسوف الشمس عام 585 قبل الميلاد.

قد ترى أن نظرياته تلك محض خرافة يزدريها العقل ولكن تذكّر أنه أول من حاول أن يفسّر الكون دون الاعتماد على أساطير الشعراء، ويصعب عليه بمقتضيات عصره أن يصل للحقيقة لكن على الأقل بدأ تشييد مفهوم “التفكير لتفسير الطبيعة”.

2.أنكسمندر

نفى تماماً اقتناعه بأن الماء هي الأساس، ولم يضع مادة بديلة واضحة. بالطبع لم يكن عمله الفلسفي مقتصر على نفي رؤية طاليس؛ حيث افترض أنكسمندر أن الأرض في الأساس كانت سائل أخذ يتغير في أحواله بين التجمد والتبخر حتى تكونت طبقات الهواء فالتقى البخار الساخن مع الثلج البارد فكوّنا الكائنات الحية.

اقتصرت الكائنات الحية في بدايتها على الكائنات البحرية فقط ثم أخدت المياه في الانحسار فطورت الأسماك أرجل بدل من الزعانف لاستيطان الأرض، وظلت ترتقى حتى وصلت لأرقى الكائنات وهو الإنسان. يظهر بوضوح التشابه بين نظرية أنكسمندر ونظرية التطور لداروين.

3. أنكسمينس

الجوهر من وجهة نظر أنكسمينس في الهواء؛ فهو يتكاثف ويكوّن السحاب وينزل كقطرات، ويتبخر، ومن الممكن أن يتجمد ويكون مواد الصلبة مثل التربة والصخور وغيرهم. وكذلك الهواء منتشر في كل أجزاء الأرض فهل يوجد على الأرض ما هو فارغ من الهواء؟! إذا -من وجهة نظر أنكسمينمس- الهواء هو الأصل وليس الماء كما رأى طاليس، ولا مادة غامضة كما رأى أنكسمندر.

الفيثاغوريون:

فيثاغورس

كثرت الحكايات والأساطير حول فيثاغورث الذي نُسبَ إليه العديد من المعجزات صعبة التصديق حتى صعب تتبع حياته، ولكن ظلت بعض الحقائق لا شك فيها حيث كان فيثاغورس رجل ينشد للزهد والورع وحياة التقشف هو وجماعته.

كانوا يدعون للإصلاح الديني ولا صلة بينهم وبين أمور السياسة، لكن تعاليمهم المتصوفة الغريبة جعلتهم محط لأنظار حكومة كروتونا -مكان إقامة الجماعة- فاضطهدتهم الحكومة وأحرقت مقرهم، وقتلت بعضهم وشردت البعض، لكن بعد فترة استطاعوا أن يعودوا من جديد.

تُنسب لتلك الجماعة اهتمامهم بالتفكير بشكل ضخم، فمن وجهة نظرهم فالتفكير هو سبيل لتطهير الإنسان. وقد اهتموا بالموسيقى والعلوم الطبيعية من الطب وغيره، وطبعاً معروف اهتمامهم بالعلوم الرياضية أشد اهتمام.

بحث الفيثاغوريون عن علة الأشياء، أو المشترك بينها فوجدوا أنه العدد؛ فجميع الصفات من لون ورائحة وطعم وشكل وغيرهم صفات تتغير ويختلف إدراكها من شخص لآخر، وهذا لا ينطبق على الأعداد؛ فيستطيع الشخص تصور برتقالة ملونة باللون الأحمر أو الأرزق أو حتى شفافة، لكن مستحيل أن يتخيلها بلا عدد.

كان الفيثاغوريون محقين في ذلك، ولكن يُعتقد أنهم غالوا في قيمة الأعداد حتى أنهم لم يميزوا بين عد الأمور الملموسة وبين الأعداد الهندسية؛ فسقط من حساباتهم أن الخط المستقيم يتكون من عدة نقاط وهمية، بل افتراضوا أن تلك النقط الوهمية حقيقية، فاعتبروا أن العدد هو أساس الكون مثله مثل الماء عند طاليس والهواء عند أنكسمينس.

افترض الفيثاغوريون أيضاً أن كل عدد يعبّر عن شئ مثل ستة فهو حياة ونشاط، أما سبعة عقل وصحة، إلا أن ذلك ممكن أن يكون من قبيل الرمز، فقد اشتهرت تلك الجماعة باستخدامهم رموز بلغت من الغموض ما بلغت في صياغة أقوالهم الحكيمة. استطاعت تلك الجماعة أن تجعل الفكر أكثر تجريدا ناظراً للأمور الأساسية للتعرف على ميزات وهوية المادة.

الإيليون:

يُنسب اسمها لإيلية وهي مستعمرة يونانية في جنوب إيطاليا.

إكزنوفنس

كان جوالاً يطوف البلاد ناشداً الأشعار تلك الأشعار التي شكلت أساس لأفكار تلك المدرسة. فاقتبسها بارميندس وجعلها عمود الخيمة لمدرسته الفكرية. وكان من أهم ما ورد في إشعاره دعوته للإصلاح الديني حيث ازدرائه لآلهة اليونانيين حيث يُنكر على الشعب تشكيل آلهته في صورة البشر؛ قائلاً أنه لو كان الثور أو القرود حيوانات عاقلة لحسبت آلهتها في شكل ثور وقرد. معناه أن تشكيل اليونانيين لآلهتهم في شكل بشر نابع من قصور في خيالهم ليس إلا. وأنكر على شعرائهم كيف أنهم صوروا الآلهة تمكر وتخدع وتخطأ كما يفعل البشر، فمن وجهة نظره لا يصح أن يشبه الإله البشر بأي شكل من الأشكال لا في الصورة ولا في الفكر. وافترض إكزنوفنس أن الإله والعالم شيئ واحد لا شيئين. ورأى أن الأرض ستغرق في الماء ويفنى كل من عليها ثم تعود من جديد ثم تغرق مرةً أخرى. ورأى أن الشمس لا تدور حول الأرض أو العكس، بل أنها تتحرك في خط مستقيم حتى تفنى في الفراغ ثم تُخلق واحدة جديدة في اليوم التالي وقال هذا الكلام ليثبت فناء الشمس فإذا لا تصح أن تكون إله.

بارمنيدس

لا شيئ ثابت إذا لا شيئ حقيقي عدا الوجود. هذه الجملة تختصر فلسفة بارمنيدس حيث أنه تأمل من حوله فوجد أن كل شيئ نهايته الزوال أو التغير. فكل ما نشاهد متغير إذا لابد من وجود حقيقة مطلقة ثابته لا تتجزأ موجودة منذ الأزل لا تتغير مع الزمن تلك الحقيقة ما هي إلا الوجود. أنكر ما نشاهده من أشياء حولنا فكلها متغيره فانكر إدركنا لها، ولكن اعترف بما سماه الوجود الذي لا يدركه حس ولا حتى عقل. وقد رأي أن حقيقة الكون الوجود هذا فيه تجريد للمادية، لكنه ناقض نفسه حين صور الكون كرويا فكيف يكون الوجود غير مادة ويُصف بأنه كروي ويشغل حيز من المكان؟! أن في هذا لتناقض واضح.

زينو

لم يكن له آرائه المطلقة بل كل ما فعله هو إضافة البراهين على صحة وجهة نظر معلمه بارميندس. فأنكر كلاً من الحركة والكثرة. فمن وجهة نظرهه حقيقة الكون مطلقة مفردة لاحركة فيها جامدة، بمعنى أن كل ما نشاهد من تعدد وكثرة للأنواع في الأشياء في الكون ما هو إلا ظلال تخدعنا بها حواسنا فنحسبها حقيقةً لكنها ليست كذلك. والأمر ذاته ينطبق على الحركة.

الدليل على بطلان الكثرة:

لو افترضنا أن الكون مكون من أجزاء أصغر حجماً فذلك حتماً سيقودنا لتناقض صعب. حيث أن تلك الأجزاء بطبيعة الحال لابد لها من أن تتجزأ إلى ما هو أصغر منها فأصغر منها حتى تصل لأجزاء بالغة الصغر لا حجم لها إذا سيكون الكون كذلك بالغ الصغر لا حجم له؛ لأنه مجموع الأجزاء الصغيرة تلك. وكذلك سيكون الكون كبير جدا غير متناهي في الحجم حيث ستظل تلك الأجزاء الصغيرة تتجمع مع بعضها البعض إلى ما لا نهاية. هذا هو التناقض إذا فالكون لا يتجزأ، مثلما قال بارميندس أن الكون هو الوجود المطلق الغير قابل للتجزئة.

الدليل على بطلان الحركة:

إذا انطلق سهم من الرمح صوب هدف معين لابد له ان يكون ثابت في كل لحظة زمنية في مكان محدد حيث لا يمكن أن يكون في مكانين في الوقت ذاته؟! إذا مجموع اللحظات الزمنية ستكون السكون وليست الحركة. وهذا يعني ان الحركة وهم تختلقه حواسنا.

الغريب في الأمر ان تلك الحجج قد تظهر غريبة أو تافهة إلا أنها خلفت وراءها جدل لايزال قائم، وشارك فيه هيجل وكانت وغيرهم حول حقيقة الزمان والمكان. إذا تتبعنا ما نتج عن تلك المدرسة سنجد انها تؤمن بالوجود المطلق غير المتغيرفي الحركة ولا قابل للتجزئة وأن كل ما هو متغير ومتعدد هو بالضرورة وهم ليس إلا. وبذلك تكون شيدت تلك المدرسة عالمين متخلفين منفصلين أحدهما الوجود الحقيقي والآخر الوهم اللذي نراه فزادت من المشكلة تعقيداً.

هرقليطس

كان هرقليطس شخص أرستقراطي معتز بنفسه بشدة يرى العامة مجرد أنعام تؤثر الكلأ على الذهب، محتقراً قادة الفكر في عصره أمثال فيثاغورس، وإكزنوفنس. أنكر مبدأ الوجود المطلق الذي آمنت به مدرسة الإيليون؛ فهو مؤمن بأن لا شيئ ثابت لحظتين متتابعتين، حتى ذلك الجبل فهو يطرأ عليه التغيرات مع ما يحيطه من بيئة فيظهر أمامنا ثابت لكنه دائم التغيير لا فرق بينه وبين الحشرة الواقفة عليه دائمة الحركة. فهرقليطس اختلف مع تلك المدرسة التي قسمت الدنيا إلى الوجود المطلق الحقيقي والوهم الباطل المتشكل لحواسنا، أما هرقليطس فآمن بأن كل شيئ موجود دائم التغير فهو موجود وغير موجود في آنٍ واحد مثلا الهاتف الذي تقرأ به المقال بين يديك موجود لكنه دائم التغير. هذا ما أسماه بالصيرورة: هي التحول بين الموجود ولا موجود فلا يبقى هاتفك على حاله لحظة واحدة. كما