Ad

تأملت حجم الأشياء كما لو كانت بانتظار أن ينبع من ذلك التأمل فكرة ما.. مفهوم ما .. أو ربما حكم ما يلخص معنى الحياة ! أو ربما اتجاه طريقها في حالة ما إذا كان ثمة طريق آخر لن يقودها إلى المقبرة.. لكن لم يحدث أي شيء”.

هكذا كانت الوحدة رواية للكاتب والقاص الإسباني «خوان خوسيه مياس – Juan José Millás». ولد خوان في عام 1946م بأسبانيا، درس الآداب والفلسفة في جامعة كوم بلوتس ويعتبر من أهم كتاب الأدب الاسباني المعاصر وحاز على العديد من الجوائز مثل جائزة «  نادال-Premio Nadal »عام 1990 عن روايته هكذا كانت الوحدة.

“فكرت والسماعة في يدها في أن هذه أفضل ساعة للرحيل عن ذلك العالم “.

حينما تلقت إلينا خبر وفاة والدتها عبر سماعة الهاتف من زوجها إنريكي كانت منهمكة في عملية إزالة الشعر عن ساقها اليمنى وبدلًا من البكاء والانهيار المصحوب لهذا الموقف تعلقت عينا إلينا بالساعة المعلقة في حجرة الصالون، الزمن يعبر بسرعة ستتوالى الأيام وستلحق بأمها.

 ألا يجعل ذلك موت أمها تأكيد لحدث مفروغ منه؟

على أي حال موت والدتها بالنسبة لها أمر حدث منذ زمن لطالما كانت علاقتها بوالدتها مضطربة كانتا دائمتا الشجار حتي إنها انقطعت عن زيارتها قبل وقت كبير من وفاتها، كان والدها يُرجع ذلك إلى كونهما متشابهتين كثيرًا من وجهة نظره على الأقل.

آلالام القولون وسيجارة

تمضي إلينا المراسم الجنائزية في حالة من اللامبالاة أو بالأحرى حالة من اللاوعي، ربما بسبب السيجارة التي دخنتها قبل مراسم الجنازة والتي تركتها تنام في سلام في تلك الليلة فطوال مراسم الجنازة كانت تمضي من اتجاه لآخر مشوشة.

بينما كانت تلاحظ زوجها إنريكي شديد التفاعل مع الآخرين لقد ورثت ابنتها مرسيدس تلك الصفة من والدها .

في الصباح التالي لمراسم الجنازة تستيقظ إلينا بحال أفضل بعدما عانت من نوبة الآلام قولون في وقت متأخر من ليلة الجنازة تذهب لتستحم وفجأة يتبدد ذلك الشعور ليحل مكانه شعور بالفراغ.

تذكرت وفاة والدها قبل ثماني سنوات لأول مرة تشعر بأنها يتيمة تحاول ألا تغرق في موجة بكاء تقرر بعدها أنها لن تذهب إلى مراسم الدفن كان على إنريكي خلق مئات الأعذار لإبنتها وأختها ليبرر غيابها.

بعد عدة أيام من انقضاء مراسم دفن والدتها تقضي إلينا نهار كان يمكن أن يصف بالجيد لولا مداهمة نوبة من نوبات الآلام القولون لها.

لقد خرجت في ذلك النهار وأخذت وجبة في إحدى المطاعم وتمشت في شوارع المدينة ولكنها شعرت بتوعك مُفاجئ انتهي بإغماء في إحدى مراحيض حضانة كانت الأقرب لها وقت حدوث ذلك.

حينما عادت إلى المنزل كانت أفضل لقد طلب لها العاملون في هذه الحضانة سيارة لتقلها، كان زوجها في المنزل يعد حقائبه عندما وصلت، “منذ متى وأنت تعمل في أيام الإجازات” تسأل إلينا فيجيب “أنه عليه حضور إحدى المؤتمرات المهمة”.

يثير ذلك شكوك إلينا فتغيبه الطويل عن البيت وسفرة متعللاً بالعمل حتى في أيام الإجازات وراءه شيء آخر.

تدرك إلينا جيدًا الهوة العميقة بينها وبين إنريكي لقد تغير كثيرًا منذ عرفته لقد تحول تقريباً من ذلك الشاب الطموح الذي أحبته إلي رجل لايهمه سوى جني الأموال وإجراء الصفقات التي تدر عليه الأرباح.

بالطبع هو فقط، لقد استثني إلينا من تلك الأعمال منذ زمن، فرصيدها تحت تصرفه تقريبًا.

على خلفية ذلك تتعاون إلينا مع إحدى مكاتب التحريات الخاصة لتأتيها الإجابة، نعم لقد كان يخونها زوجها لقد شاهده المحقق الخاص مع سكرتيرته في إحدى الفنادق بمدريد.

” فكرت إلينا أنها إذا رمت حجارة بداخل الدولاب لن تسمع له قرار عند ملامستها عمقه “.

يأتي يوم إفراغ شقة والدتها المتوفاة وتصر إلينا على عدم أخذ أي شيء من الأثاث، تتجول بالردهات وأخيرًا تقودها قدمها إلى غرفة والدتها حيث تجلس علي سرير والدتها تلمح بعض الرزم بجانب السرير، فتشرع في فحص هذه الرزم وتقرأ بعض الصفحات، إنها مذكرات أمها.

تسرع إلينا في إخفاء المذكرات بحالة من التوتر الشديد، تعود لبيتها  لتكمل القراءة، تقطع قرأتها طرقات الباب لم يكن إنريكي قد عاد بعد من السفر، وكذلك ليس من عادة مرسيدس ابنتها زيارتها في تلك الساعة المتأخرة في الحقيقة لا فتلك الساعة أو غيرها لو احتاجت شيء ستذهب مباشرة لأبيها.

فتحت الباب لقد كان خوان أخيها يحمل كرسي سرعان ما وضعه في إحدي زاويا الصالون وعلق على الحائط ساعة بنادول.

كان الكرسي والساعة في ذلك الوضع تمامًا في بيت والدتها و كثيرًا ما تشاجرت مع أمها على وضيعة تلك الساعة و الكرسي، رحل خوان بعد تناول الشاي ليترك إلينا وحيدة ولكن ليس تمامًا فقد كانت بصحبة الكرسي والساعة والمذكرات.

تتوالي التقارير الأسبوعية من وكالة التحقيق عن زوجها تقر التقارير بخاينته المستمرة وأعماله الغير قانونية .

فبدأت في تسميتها إلينا لا أعرف ماذا كانت لتسميني هيا لذلك أطلقت نفس الاسم على ابنتي الكبري”.

تتشبث إلينا بفكرة قرأتها في مذكرات والدتها وهي وجود  شبيه لكل إنسان أو قرين على الجانب الآخر من العالم يشعر ويتأثر به، يقرر نفس قراراته ويتألم حينما يتألم الآخر، وأننا مدينين لهذا الشخص الآخر الذي يشبهنا الذي لن نلقاه إلا في لحظتنا الاخيرة.

 أنقذت تلك الفكرة والدتها في طفولتها من الوحدة وإلينا أيضًا، ربما لذلك طلبت إلينا من المحقق الذي يراقب زوجها أن يتركه و يراقبها ربما أرادت أن تري نفسها من خلال شخص أخر كما فعلت والدتها ورأت نفسها من خلال قريناتها تلك.

قرأت في مذكرات والدتها وكان التاريخ في مذكراتها يشير إلى قبل وفاتها بعدة أيام أن ” إنه أخر يوم لي لقد زارتني قرينتي اليوم” لقد كانت هي من زارتها، لقد كانت إلينا نفسها.

“المقعد لكي أجلس عليه وأتخلص من هذا الخلط  والساعة لاقيس به مقدار التحول “.

إلينا تتلقى التقارير عنها تقرأها وهي في كرسي والدتها العتيق والساعة فوق رأسها تدق وتتبعها بمضي الوقت لقد طلبت من المحقق أن يكون ذاتيًا في تقريره عنها وقد كان.

لقد ذكر كل شيء إدمانها المخدرات الذي أصبح واضحًا على عينيها الغائرتين، استغلال زوجها المادي لها وبُعد ابنتها عنها، ولقد أكد ذلك البعد بينها وبين ابنتها أنها علمت بخبر حملها من أخيها خوان حينما التقته في إحدى المطاعم بناء على طلبها.

يطلب إنريكي مصاحبتها ليطلعها على أحد أعماله في بروكسل. لقد كانا كلاهما يعرفان تقريبًا إن تلك أخر عطلة لهما معاً، ولكن ما لفت نظر إلينا حقًا أنها لمحت امرأة تشبهها تعبر ردهة الفندق، إنريكي لم يرها لقد كانت قريناتها تُنبأها إن هذا الفصل في حياتها قد انتهى.

” قصصت شعري قصصته قصيرًا جدًا كفتاة صغيرة فكرت أنني كان يجب أن أقصه قبل أن أشغل شقتي الجديدة لأكمل التحول أنا إنسانة أخرى”.

تتقرر إلينا الانفصال عن إنريكي وتبدأ في استأجار شقة وتحاول البحث عن وظيفة، وبالطبع تنقل الكرسي والساعة للشقة الجديدة وتتلقى المزيد من التقارير الأسبوعية عن نفسها “لقد استأجرات شقة جديدة، ويبدو أنها تبحث عن وظيفة لقد شوهدت اليوم تذهب للتسوق وكانت تبدو بصحة جيدة وقل غوران عينيها “.

هكذا كانت تقرأ إلينا على كرسي والدتها في شرفة شقتها الجديدة التقرير الجديد عنها من محققها الخاص.

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


ملخصات كتب

User Avatar

Zahra Mohamed


عدد مقالات الكاتب : 7
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق