Ad

ذهبت جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2023 إلى الفرنسي بيير أغوستيني والمجري النمساوي فيرينك كراوس والفرنسية آن لويلير وذلك عن إنجازهم في توليد نبضات قصيرة للضوء بسرعة الأوتوثانية. إنجاز العلماء الثلاثة سيفتح أمامنا أفق جديدة في فهم ما يحدث بداخل عالم الذرة وأخذ لقطات لحركة الإلكترونات السريعة للغاية، إذ اكتشفت آن لويلير تأثيرًا جديدًا من تفاعل ضوء الليزر مع ذرات الغاز ووضح كل من بيير أغوستيني وفيرينك كرواس إمكانية استخدام التأثير السابق في إنشاء نبضات ضوئية شديدة القصر. فكيف فعلوا ذلك؟ هذا ما سنوضحه في مقالنا لمقدمة مبسطة لفهم جائزة نوبل في الفيزياء 2023 وسبب الفوز بها.

فهم ما يحدث داخل عالم الذرة السريع ليس مستحيلًا بعد الآن!

حينما تشاهد فهدًا يلحق فريسته بسرعة تصل إلى 64 ميلًا في الساعة، لا يمكنك لمح حركة جسده بالتفصيل بل ستراه كالطيف يمر أمامك. كذلك حينما ترى مقاطع فيديو في الأصل هي عبارة عن بضع صور ثابتة ولكن تم استخدام أحد البرامج لتسريع مرور تلك الصور أمام عيونك.

لا يمكن لحواسنا البشرية ملاحظة الحركات شديدة السرعة هذه، لذا نحن بحاجة للتكنولوجيا وحيلها كالالتقاط وتصوير اللحظات القصيرة التي تحدث، لفهم ما يحدث في عالمنا. يتيح لنا التصوير الفوتوغرافي عالي السرعة والإضاءة التقاط صور تفصيلية للكثير من الظواهر. وكلما كان حدوث الظاهرة أسرع، لابد أن تكون سرعة التقاط الصورة أسرع. وينطبق هذا المبدأ على جميع أساليب القياس أو تصوير أي عملية تحدث بسرعة، فإذا كان النظام سريع، يجب أن يكون القياس بسرعة أكبر من سرعة النظام وذلك لالتقاط الأحداث التي تحدث داخل هذا النظام.

يُعد المقياس الزمني الطبيعي للذرات قصير للغاية. فيمكن للذرات في الجزيء أن تتحرك وتتحول في جزء من مليون من مليار من الثانية (الفيمتوثانية). وقد كان أقصى ما يمكننا فهمه هو التفاعلات الكيميائية بين الجزيئات باستخدام نبضات الليزر في زمن قدره فيمتوثانية والتي فاز عنها العالم المصري أحمد زويل بجائزة نوبل سابقًا، لكن العلم لم يتوقف عند ذلك الحد بل مستمر. لذا كان اهتمام العلماء مصوب حول فهم ما هو أدق، أي عالم الذرات هائلة السرعة! وقد ساهم العلماء الثالثة في تصميم تجارب توضح طريقة لإنتاج نبضات ضوئية شديدة القصر، لالتقاط صور للعمليات داخل الذرات والجزيئات.

ولأن حركة الإلكترونات داخل الذرات والجزئيات سريعة للغاية، وتفوق سرعتها الفيمتوثانية، فتتغير مواقع وطاقات الإلكترونات بسرعة تتراوح بين واحد وبضع مئات من الأوتوثانية، والأوتوثانية هي جزء من مليار من مليار من الثانية! فهي قصيرة لدرجة أن عددها في الثانية الواحدة هو نفسه عدد الثواني التي مضت منذ ظهور الكون أي ما يقارب 13.8 مليار سنة. بمعنى أخر، الأوتو ثانية الواحدة فقط تعادل ثانية من عمر الكون.

كشف أسرار عالم الذرة باستخدام نبضات الأوتوثانية!

يتكون الضوء من موجات، اهتزازات في المجالات الكهربائية والمغناطيسية، تتحرك تلك الاهتزازات مع بعضها في الفراغ على نحو سريع، أسرع من أي شيء. كما أن لها أطوال موجية مختلفة وبألوان مختلفة. فمثلًا يبلغ طول موجة الضوء الأحمر حوالي 700 نانومتر، أي جزء من مائة من عرض شعرة الرأس، وتدور بمعدل أربعمائة وثلاثين ألف مليار مرة في الثانية تقريبًا. فلا يمكن للأطوال الموجية المستخدمة في أنظمة الليزر العادية أن تقل عن الفيمتو ثانية، لذا في الثمانينيات، كانت أقصر نبضات ضوئية ممكنة هي تلك التي تصدر في زمن قدره فيمتوثانية، ولا يمكن خرق ذلك. كان اختراق الفيمتوثانية تحدٍ هائل، فماذا يفعل العلماء؟

بالرياضيات، سنحصل على أقصر الموجات!

توضح الرياضيات لنا أنه يمكننا أن نشكل موجة من أمواج أصغر متراكبة، لذا إذا استُخدم عدد من الموجات ذات الأحجام والأطوال الموجية القصيرة في نطاق الأوتوثانية والسعات الصحيحة (المسافات بين القمم والقيعان)، وتراكبت تلك الموجات، ستنشأ لدينا موجات قوية وشديدة القصر في نطاق الأوتوثانية. وإذا تمكننا من رصد تلك الموجات، فبإمكاننا اكتشاف عالم الذرات والجزيئات.

لم يقتصر الأمر على استخدام الليزر فقط لإضافة أطوال موجية جديدة للضوء، حيث مفتاح الوصول إلى أقصر لحظة تمت دراستها هو باستخدام الظاهرة التي تنشأ عند مرور ضوء الليزر عبر الغاز. إذ يتفاعل الضوء مع ذرات الغاز ويسبب موجات انعكاسية تكمل عددًا من الدورات الكاملة لكل دورة في الموجة الأصلية. يمكن مقارنة ذلك بالنغمات المختلفة التي تعطي الصوت طابعه الخاص، مما يسمح لنا بسماع الفرق بين نفس النغمة التي يتم عزفها وتمييزه ما بين الجيتار والبيانو. وفي عام 1987، نجحت آن لويلر وزملاؤها في أحد المختبرات الفرنسية بإنتاج وإظهار النبضات بتسليط أشعة الليزر تحت الحمراء على ذرات غاز خامل.

مساهمة العلماء الثلاثة في جائزة نوبل في الفيزياء 2023

عندما يسلّط ضوء الليزر على الغاز، يؤثر على ذراته ويحدِث اهتزازات كهرومغناطيسية تشوه المجال الكهربائي الذي يحمل الإلكترونات حول نواة الذرة. مما يمكّن الإلكترونات بعد ذلك من الهروب من الذرات، لكن ما يمنعها من الهروب هو المجال الكهربائي الذي ينشأ عنه قوة جذب تحبسها. وعند تسليط الأشعة كما ذكرنا، يحدث بالقوة اضطراب لفترة زمنية صغيرة جدًا فتتمكن بعض الإلكترونات من الهرب أي تتأين طبقًا لميكانيكا الكم حيث ينشأ نفق كمي. من ثم تكتسب تلك الإلكترونات طاقة من المجال الكهربي لأشعة الليزر. لكن حينما يتغير اتجاه المجال الكهربي لأشعة الليزر، تعود الإلكترونات حول الذرة وتطلق الطاقة التي اكتسبتها سابقًا على شكل موجات ضوء في نطاق الأشعة فوق البنفسجية ذات الطول الموجي الصغير في نطاق الأوتوثانية الزمني. وعندما تحدث تلك الظاهرة من عدد كبير من الإلكترونات التي ستكتسب طاقات مختلفة، سيكون لدينا أمواج فوق بنفسجية مختلفة الترددات، تتراكب معًا وتنشأ موجة قوية قابلة للرصد طولها الموجي في نطاق الأوتوثانية.

هذا ما فعلته آن لويلير في 1987 وبيير أغوستيني ومجموعته البحثية في فرنسا عام 2001 في إنتاج ودراسة سلسلة من النبضات الضوئية المتتالية. توصل الباحثان إلى أن نبضة تستمر 250 أوتوثانية. في الوقت نفسه، كان فيرينك كراوس ومجموعته البحثية في النمسا يعملون على تقنية يمكنها اختيار عربة واحدة تشبه النبض يتم فصلها عن القطار وتحويلها إلى مسار آخر واستمرت النبضة التي نجحوا في عزلها لمدة 650 أوتوثانية.

أظهرت هذه التجارب أنه يمكن ملاحظة وقياس نبضات الأوتوثانية، ويمكن استخدامها أيضًا في تجارب جديدة. إن هذه النبضات الضوئية القصيرة يمكن توظيفها لدراسة حركة الإلكترونات، إذ أصبح من الممكن الآن إنتاجها ورصدها بسرعات تصل إلى بضع عشرات من الأوتوثانية فقط، وهذه التكنولوجيا تتطور طوال الوقت.

أقرأ أيضًا: لماذا كانت النبضات الضوئية القصيرة السبب في الفوز بجائزة نوبل عام 2023؟

المصدر: بيان موقع نوبل.

Ayaa Yasser
Author: Ayaa Yasser

آية من مصر، أدرس الرياضيات، مُحبة للعلوم والبحث العلمي.

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء علم

User Avatar

Ayaa Yasser

آية من مصر، أدرس الرياضيات، مُحبة للعلوم والبحث العلمي.


عدد مقالات الكاتب : 48
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *