تشير دراسة حديثة إلى أن تنمية الامتنان قد تكون المفتاح لحياة أطول. أجرى الدراسة باحثون من جامعة هارفارد وجامعة كولومبيا البريطانية، حيث قاموا بتحليل بيانات من 49275 ممرضة في الولايات المتحدة شاركن في دراسة صحة الممرضات. واستكشفت الدراسة علاقة الامتنان بطول العمر، وتحققت مما إذا كان الأشخاص الذين يركزون على الجوانب الإيجابية في حياتهم يميلون إلى العيش لفترة أطول. نُشرت الدراسة في مجلة (JAMA Psychiatry)، مع بيانات تم جمعها من دراسة صحة الممرضات بين عامي 1976 و2019.
محتويات المقال :
الشيخوخة
الشيخوخة في جوهرها هي عملية معقدة ومتعددة الأوجه تؤثر على كل كائن حي. تتكون أجسامنا من تريليونات الخلايا، ولكل منها وظيفة وعمر محدد. مع تقدمنا في العمر، تخضع خلايانا لتغيرات مختلفة، بما في ذلك تلف الحمض النووي، وتقصير التيلومير، والتي يمكن أن تؤدي إلى الشيخوخة الخلوية أو حتى الموت.
في السنوات الأخيرة، أحرز الباحثون تقدمًا كبيرًا في فهم بيولوجيا الشيخوخة. وسلطت الدراسات التي أجريت حول الحد من السعرات الحرارية، وممارسة الرياضة، والتعامل مع الضغوط، الضوء على دور عوامل نمط الحياة في تعزيز الشيخوخة الصحية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التطورات، فإن البحث عن تفسير واحد محدد للشيخوخة لا يزال بعيد المنال. يقترح بعض العلماء نظرية الجذور الحرة والتشيخ (Free-radical theory of aging)، التي تشير إلى أن الإجهاد التأكسدي (Oxidative stress) والتلف الخلوي يدفعان عملية الشيخوخة. ويشير آخرون إلى التهاب الشيخوخة (Inflammaging)، التي تشير إلى وجود التهاب مزمن منخفض الدرجة كمساهم أساسي في الشيخوخة.
الامتنان من العاطفة إلى المنفعة الصحية
في حين أن الامتنان قد يبدو وكأنه عاطفة بسيطة، إلا أن تأثيره على رفاهيتنا كان موضوع اهتمام لعدة قرون. لقد بحث الفلاسفة وعلماء النفس والعلماء جميعًا في مفهوم الامتنان، واستكشفوا جذوره وتأثيراته على صحتنا العقلية والجسدية.
من الفيلسوف اليوناني القديم شيشرون (Cicero)، الذي كتب أن الامتنان ليس فقط أعظم الفضائل، ولكنه أصل كل الفضائل الأخرى، إلى علماء النفس المعاصرين الذين درسوا فوائده، تطور الامتنان من فضيلة أخلاقية إلى فضيلة معترف بها.
في القرن التاسع عشر، بدأ علماء النفس مثل تشارلز داروين وويليام جيمس في دراسة العواطف، بما في ذلك الامتنان، كاستجابة طبيعية للتجارب الممتعة. ومنذ ذلك الحين، أظهرت الأبحاث أن الامتنان يرتبط بنتائج إيجابية مثل زيادة السعادة، وتحسين العلاقات، وحتى تحسين الصحة البدنية.
إحدى النتائج الرئيسية هي أن الامتنان يمكن أن يقلل من التوتر والقلق عن طريق تحويل تركيزنا من الأفكار السلبية إلى الأفكار الإيجابية. يمكن أن يكون لهذا تأثير مضاعف، مما يؤدي إلى نوم أفضل، وانخفاض ضغط الدم، وتقوية جهاز المناعة.
دراسة أجريت على 49,275 ممرضة
هدفت الدراسة، التي تابعت ما يقرب من 50 ألف ممرضة في الولايات المتحدة على مدى عدة سنوات، إلى التحقق مما إذا كان الأشخاص الذين يشعرون بمزيد من الامتنان يميلون إلى العيش لفترة أطول. ولتحقيق ذلك، قاموا بتطوير استبيان يتعمق في مشاعر الامتنان لدى الممرضات.
يتألف الاستبيان من ست عبارات، تتراوح بين العبارات المتفائلة “لدي الكثير في الحياة لأكون شاكراً له” إلى العبارات الأكثر تشاؤماً “عندما أنظر إلى العالم، لا أرى الكثير مما يستحق الشكر”. طُلب من المشاركين تقييم موافقتهم على كل عبارة على مقياس من 1 إلى 7، حيث يشير الرقم 1 إلى “لا أوافق بشدة” والرقم 7 يعني “أوافق بشدة”.
ومن خلال تحليل الاستجابات، تمكن الباحثون من قياس مستويات الامتنان لدى الممرضات. ولكن لماذا اختاروا دراسة الممرضات على وجه التحديد؟ ذلك لأن دراسة صحة الممرضات (Nurses’ Health Study)، التي تأسست عام 1976، أتاحت فرصة فريدة لاستكشاف العلاقة بين الامتنان والنتائج الصحية لدى مجموعة كبيرة ومحددة جيدًا من السكان.
وكانت نتائج الدراسة مذهلة، فقد ارتبط الشعور بمزيد من الامتنان بانخفاض خطر الوفاة من جميع الأسباب. ولكن ماذا يعني هذا بالضبط؟ وكيف يمكننا تطبيق هذه الأفكار على حياتنا؟
علاقة الامتنان بطول العمر
وجد الفريق أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10% في الامتنان، كان هناك انخفاض بنسبة 7% في خطر الوفاة. ولوضع ذلك في الاعتبار، فإن امرأة تبلغ من العمر 65 عامًا وتسجل درجات عالية على مقياس الامتنان، سيكون متوسط عمرها المتوقع حوالي 86 عامًا، مقارنة بـ 84 عامًا لنظيرتها الأقل امتنانًا.
ولكن ماذا عن الأسباب المحددة للوفاة؟ هل للامتنان تأثير وقائي ضد أمراض أو حالات معينة؟ الجواب كان مفاجئاً، نعم. ووجد الباحثون أن الامتنان مرتبط بانخفاض خطر الوفاة بجميع الأسباب، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان وأمراض الجهاز التنفسي. في الواقع، مقابل كل وحدة زيادة في الامتنان، انخفض خطر الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة مذهلة بلغت 14٪.
هذه النتائج رائعة، خاصة بالنظر إلى أن الدراسة تحكمت في عوامل أخرى قد تؤثر على كل من الامتنان والوفيات، مثل الروابط الاجتماعية والنشاط البدني والتاريخ الصحي. وبطبيعة الحال، كما يحذر المؤلفون، فإن هذه الدراسة لا تثبت أن الامتنان يسبب حياة أطول بشكل مباشر. لكن الارتباط قوي، ويشير إلى أن تنمية الامتنان قد تكون أداة بسيطة لكنها قوية لتعزيز الشيخوخة الصحية.
تنمية الامتنان
إحدى الطرق الفعالة لتنمية الامتنان هي الاحتفاظ بمذكرة الامتنان. يتضمن ذلك تخصيص بضع دقائق كل أسبوع لكتابة الأشياء التي نشعر بالامتنان لها. يمكن أن يكون شيئًا بسيطًا مثل فنجان قهوة جيد، أو غروب الشمس الجميل، أو صديق داعم. ومن خلال القيام بذلك، نبدأ في تحويل تركيزنا من ما ينقصنا في حياتنا إلى ما لدينا بالفعل.
هناك طريقة أخرى تتمثل في مناقشة ما نحن ممتنون له مع الأصدقاء أو العائلة أو الزملاء. يمكن أن يكون هذا أمرًا مباشرًا مثل مشاركة ثلاثة أشياء نقدرها في يومنا أثناء محادثات العشاء. ومن خلال التعبير عن امتناننا، فإننا نعزز المشاعر الإيجابية ونقوي روابطنا الاجتماعية.
علاوة على ذلك، يمكن تنمية الامتنان من خلال تمارين اليقظة الذهنية (Mindfulness)، مثل التأمل وتمارين التنفس العميق. من خلال كوننا أكثر حضورًا في هذه اللحظة، نصبح أكثر وعيًا بالبهجة الصغيرة والجمال الذي يحيط بنا.
جمال الامتنان يكمن في بساطته ومرونته. لا نحتاج إلى إجراء تغييرات جذرية في نمط حياتنا أو الاستثمار في أدوات باهظة الثمن. يمكننا أن نبدأ بتخصيص بضع دقائق كل يوم للتفكير في الأشياء الجيدة في حياتنا. وكما تشير الدراسة، فإن هذه الأداة البسيطة والقوية يمكن أن يكون لها تأثير عميق على صحتنا ورفاهنا.
المصدر
Want To Live Longer? Feeling Grateful Might Actually Help / iflscience
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :