تأثير القوة المغناطيسية في قصة أعظم معادلات في التاريخ
تعد القوة المغناطيسية من أقدم الظواهر التي اكتشفها الإنسان. والتي كان لها دور كبير في تغيير نظرته للكثير من الظواهر الأخرى. كما أن اكتشافها كان نقطة انطلاق للكثير من الاختراعات المذهلة. فما هي القوة المغناطيسية وكيف تم اكتشافها؟
محتويات المقال :
سحر القوة المغناطيسية
في رواية مئة عام من العزلة، عرفنا من الكاتب الشهير “غابرييل غارسيا ماركيز” أن ذاك الغجري المربوع كث اللحية المدعو “ملكياديس”، مضى من بيت إلى بيت يجر سبيكتين معدنيتين. فاستولى الرعب على سكان قرية “ماكوندو” وهم يرون القدور والطسوت والمواقد تتساقط من أماكنها، والمسامير تتطاير من الأخشاب، وراحت جميعًا تنجر وراء سبيكتي ملكياديس السحريتين.
فكر “خوسيه أركاديو بوينديا”، وهو أحد أبطال الرواية، بأنه يستطيع استخدام هذا الاختراع في استخراج الذهب المدفون في الأرض. حذّره ملكياديس قائلًا “الاختراع لا ينفع لهذا”. ولكن خوسيه قايض ثروة الأسرة كاملة بهذا الاختراع، والشيء الوحيد الذي استخرجه من الأرض -بعد أشهر من التنقيب- درعًا حديدية من القرن الخامس عشر.
قبل ذلك بأربعة آلاف سنة، كان راعٍ كْريتيّ -ليكن اسمه ماغنس- يتجول في بلدة شمال اليونان -ليكن اسمها ماغنيسيا- حيث علقت مسامير نعله والطرف المعدني من عكازه بصخرة سوداء كبيرة مكونة من معدن (الماجنتيت-Magnetite). نعرف الآن أن الماجنتيت مادة مغناطيسية طبيعية تركيبها الكيميائي (Fe3O4). وحين تصنع إبرة من هذا الماجنتيت وتوضع على سطح الماء، فإنها تشير دومًا إلى الاتجاه ذاته. حيث يشير الاتجاه الشمالي للإبرة تقريبًا نحو القطب الشمالي للأرض. (وكان هذا مبدأ البوصلة التي طورها الصينيون).
من يدري؟ فقد يكون أرخميدس قد نجح فعلًا في إغراق سفن الأعداء باستخدامه مغناطيسًا كبيرًا استطاع انتزاع المسامير من أخشابها.
مرت قرون من امتزاج السحر بالخرافة بالحقائق، حتى توصل الإنجليزي “وليم جلبرت” عام 1600م إلى ما يمكن عده أول بحث علمي في هذا الموضوع. وقال فيه إنه يمكن تصور الأرض بوصفها مغناطيسًا كبيرًا، وهذا يفسر حركة إبرة البوصلة. إذ يمكنك تحويل مسمار عادي من الحديد إلى مغناطيس بحكه عدة مرات بمغناطيس دائم (هذا ما نسميه بالمَغْنطة). وأن هذه المغناطيسية المُحدَثة يمكن إزالتها بتسخين المسمار أو طرقه مرارًا.
عودة إلى الطفولة
بوسعنا تفهم ذهول وانسحار سكان ماكوندو بالمغناطيس، فقد عاش أكثرنا تجربة أول لقاء له مع مغناطيس. ضع مغناطيسًا على طاولة، ومسمارًا على مسافة منه. ابدأ بتحريك المغناطيس ببطء نحو المسمار. فجأة عند نقطة معينة يقفز المسمار من مكانه ويلتصق بالمغناطيس!
هذا ما نعنيه بأن للمغانط حقلًا مغناطيسيًا يمتد حولها (أو أنها تؤثر عن بعد-At a distance). ومن الواضح أن حقلها هذا يستطيع النفاذ عبر الهواء ليصل إلى المسمار. بل هو ينفذ عبر الورق مثلًا، الأمر الذي يتيح لك إلصاق الملاحظات على البراد.
وللمغناطيس قطبان شمالي وجنوبي. وإن كان عندك مغناطيسان ستجد كيف تتجاذب الأقطاب المختلفة وتتنافر المتماثلة. وإن قطعت مغناطيسًا إلى نصفين، ستحصل على مغناطيسين، لكل واحد منهما قطبيه الشمالي والجنوبي الخاصين به. ويمكننا تصوير الحقل المغناطيسي على شكل خطوط تخرج من قطبه الشمالي وتدخل في الجنوبي.
تعتمد قوة أو شدة الحقل على المسافة، وكلما اقتربتَ من المغناطيس زادت الشدة. ونقيس هذه الشدة بوحدة تسمى تسلا (نسبة إلى الفيزيائي الفريد: نيكولاي تسلا). ولكن إياك أن تغترّ بالأحجام! فالحقل المغناطيسي للأرض أضعف بألف مرة من الحقل الخاص بالمغناطيس الذي على برادك. ولكن يجب عليك أن تعرف أيضًا أن الثِقالة (الجاذبية) هي ما تبقي قدميك على الأرض، لا المغناطيسية.
ميول مغناطيسية
كنا قد تعلمنا أنه حين يُذكر المغناطيس فنفكر فورًا بمعدن الحديد. أما سائر المعادن (كالنحاس والذهب والفضة والألمنيوم) وغير المعادن (كالورق والخشب والزجاج والبلاستيك) فتبدو لنا غير مغناطيسية (غير قابلة للمغنطة أي لا تتأثر بالحقل المغناطيسي). لكن الحديد ليس وحده من يملك هذه الخاصية. فالنيكل والكوبلت وبعض عناصر الجدول الدوري (المعروفة بالعناصر الأرضية النادرة) تمتلك خصائص مغناطيسية قوية أيضًا. ويمكن صنع مغانط خارقة منها ومن خلائطها. يمتلك الألومنيوم أيضًا خصائص مغناطيسية، ولكنها ضعيفة جدًا بحيث تصعب ملاحظتها.
هناك مغانط دائمة كالمغناطيس الذي عثر عليه راعينا ماجنس (معدن الماجنيتيت). ومغانط مؤقتة كمسمار الحديد الذي يلفه سلك يمر به تيار كهربائي. ولكن التقسيم العلمي الأساسي للمواد من حيث الخاصية المغناطيسية هو:
1- مواد بارامغناطيسية (ذات المغنطة المسايرة Paramagnetism)
وهي المواد التي تتفاعل بشكل إيجابي، أي تكتسب خاصية مغناطيسية في وجود حقل مغناطيسي (أي مغناطيس مجاور لها مثلًا) ويعتبر معدن الحديد أشهرها. لكن الألمنيوم بل وأكثر اللا معادن التي قد تحسبها غير مغناطيسية تندرج في الواقع تحت هذا القسم. فهي بارامغناطيسية ولكن بشكل ضعيف جدًا. وتعتمد هذه الخاصية على درجة حرارة المعدن، فكلما زادت درجة حرارته قلت خصائصه البارامغناطيسية.
وكما أسلفنا فالحديد وبعض العناصر الأرضية النادرة هي عناصر بارا مغناطيسية قوية. حيث أنها تحتفظ بخصائصها المغناطيسية حتى بعد زوال الحقل المحرض. ولكنها تفقد مغنطتها إن تم تسخينها فوق درجة حرارة معينة (تسمى حرارة كوري نسبة إلى العالم الفرنسي بيير كوري). حرارة كوري الخاصة بالحديد هي 770 مئوية. فإن أنت سخنت مغناطيسًا حديديًا إلى درجة حرارة 800 مئوية فلن يعود مغناطيسًا. أما حرارة كوري الخاصة بالنيكل فهي 355 مئوية.
2- المواد الدايامغناطيسية (ذات المغنطة المغايرة Diamagnetism)
وهذه الخاصية تعتبر عكس البارامغناطيسية. يمكنك محلاظتها عندما تقترب بمغناطيس من كرة جرافيت وستلاحظ كيف تبتعد الكره عنه. لا يهمّ هنا إن كنت تدنو بالقطب الشمالي أو الجنوبي. فهذه المواد (الماء من بينها! ومعظم المواد العضوية كالبنزين مثلًا) تكره المغانط. وتحول نفسها إلى مغانط مؤقتة لتقاوم التمغنط وتدفع الحقول المغناطيسية بعيدًا عنها.
وقد استعان الفيزيائي الشهير “جيمس ماكسويل” بما تم اكتشافه حول القوة المغناطيسية في صياغة معادلاته الشهيرة. والتي اشتهرت بأنها أعظم معادلات في التاريخ.
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :