Ad

فلسفة الرياضيات | ما هو فندق هيلبرت وعلاقته باللانهائية؟

قال «جاليليو جاليلي_Galileo Galilei» في عام 1638م بكتابه «علمان جديدان»: “كل مربع له جذره الخاص وكل جذر له مربعه الخاص، بينما لا يوجد مربع له أكثر من جذر واحد ولا يوجد جذر له أكثر من مربع واحد”.

الأعداد المربعة: 2^1-2^2-2^3-2^4… وجذورها الموجبة: 1-2-3-4… لكن ما هو الأكثر: الجذور أم المربعات؟

يمكننا الإجابة بأن كل مربع هو جذر بعض الأعداد الصحيحة الموجبة. لكن ليس العكس (الرقم 2، هو جذر 4، لأن 4=2^2. لكن 2 ليس مربع عدد صحيح موجب).

تترك لنا ملاحظة جاليليو مفارقة -المفارقة: رأي أو بيان مخالف للرأي العام ولكنه ربما يكون صحيح-. يبدو أن لدينا أسبابًا للاعتقاد بأن الجذور أكثر من المربعات، ولكن أيضًا هناك أسباب للاعتقاد بأن هناك العديد من الجذور مثل المربعات.

إن مفارقة جاليليو هي أكثر المفارقات إثارة للاهتمام، ولكن بعد قرنين من كتاب «علمان جديدان». نشر عالم الرياضيات الألماني «جورج كانتور_Georg Cantor» مقالًا يصف منهجية صارمة لمقارنة أحجام المجموعات اللانهائية وتنتج استنتاجًا لافتًا يشير إلى وجود أحجام مختلفة من اللانهاية.

لكن ماذا فعل كانتور بالتحديد وهل هو الوحيد؟ وما علاقة ذلك بالفسلفة… هذا ما سنعرفه في سلسلة «فلسفة الرياضيات». سنناقش فيها مواضيع عدة حول الرابط الجامع لكل من الفلسفة والرياضيات بشكل سلس. في بداية الأمر علينا أولًا أن نعرف القليل عن تلك العلاقة، ومن ثم ما هو فندق هيلبرت وعلاقته باللانهائية؟ فهيا بنا.

علاقة وطيدة منذ القدم

حينما كان «رينيه ديكارت_René Descartes» بعمر 31 عامًا في عام 1627م. بدأ في كتابة بيان حول الأساليب الصحيحة للتفلسف. كان عنوانه «Regulae ad Directionem Ingenii_قواعد توجيه العقل». قدم فيه ديكارت 36 قاعدة مقسمة بالتساوي إلى ثلاثة أجزاء. وكانت القواعد مهتمة بالجانب الفلسفي من المفترض! لكن سرعان ما تتخذ منعطفًا رياضيًا، فتتدخل الحسابات.

تشبه قراءة القواعد الخاصة بديكارت الجلوس لقراءة مقدمة عن الفلسفة، ومن ثم تجد نفسك بعد ساعة في وسط كتاب مدرسي لمادة الجبر!

لكن في عصر الإغريق القدماء كان مفهوم الرياضيات مقتصر على أنه علم للأحجام -أي يشمل دراسة الأشياء التي يمكن عدها وهي ما نسميها بالمقادير المنفصلة، وكذلك دراسة المقادير المستمرة وهي الأشياء التي يمكن تمثيلها على أنها أطوال-.

لكن يمكننا العثور على إشارات حول العلاقة بين الفلسفة والرياضيات في العصور القديمة. يوجد مقولة لفيثاغورث ألا وهي أن “كل شيء هو رقم”. اكتشاف فيثاغورث بأن الجذر التربيعي لـ”2″ غير عقلاني بَشّر بميل الفلسفة الغربية من خلال الكشف عن حد أساسي في نهج وقياس تجاربنا وفتح الباب أمام مفهوم أكثر ثراءً للقياس والعدد. كذلك كان أفلاطون يُقدر بشكل كبير في الرياضيات، وكذلك أكد سقراط على أن الرياضيات لها تأثير عظيم وهائل فهي تجذب العقل نحو الحقيقة وتخلق روح الفلسفة.

العالم غاليليو وضح الارتباط بين الفلسفة والرياضيات. إذ أنه لفهم الفلسفة لابد من فهم لغة الرياضيات التي بدونها يصعب على المرء فهم كلمة واحد، ينتهي به المطاف بدون فهمها في متاهة مظلمة. الرياضيات لا تمثل علم فحسب، بل أيضًا الأخلاق والميتافيزيقا ومعرفة الله والروح. كانت المناهج الدراسية التي اعتمدها كل من ديكارت وجاليليو ونيوتن ولايبنيز تقدمًا فلسفيًا كبيرًا.

علماء المنطق يوفون بالوعد!

بلغت فلسفة الرياضيات مبلغ النجوم في منتصف القرن العشرين. إذ دُعمت بنجاحات العقود السابقة في المنطق الرياضي. بدأ علماء المنطق في الوفاء بوعد لايبنيز بحساب الفكر، وتطوير أنظمة من البديهيات والقواعد التي هي معبرة بما يكفي لتفسير الغالبية العظمى من الجدل الرياضي. كذلك أثبت العالم النمساوي «كورت جودل_Kurt Gödel» نتائج مهمة تُعرف باسم “نظرية عدم الاكتمال” والتي تضع الحدود لقدرة الطريقة البديهية على تسوية جميع الحقائق الرياضية أي هناك بديهيات لا يمكن إثباتها.

لأن العلوم كسلسلة يُكمل كل منهم الأخر، فقد جلب المنطق تقدمًا فلسفيًا مثل طبيعة الحقيقة. في ثلاثينيات القرن الماضي، قدم عالم المنطق البولندي «ألفريد تارسكي_Alfred Tarski» تحليلًا رياضيًا للحقيقة، وقدم مرة أخرى حسابًا إيجابيًا مع تحديد الحدود المتأصلة في نطاق قابلية تطبيقه في نفس الوقت.

جلبت الثلاثينيات أيضًا تحليلًا رياضيًا واضحًا لمفهوم الحوسبة. قدم هذا تحليلًا مقنعًا لطبيعة أنواع الأساليب الحسابية التي سعى إليها أمثال ديكارت ولايبنيز. منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، هيمن على العلوم المعرفية الذكاء الاصطناعي (AI) وهو نهج يعتمد على التمثيلات الرمزية والخوارزميات المنطقية.

لكن في الثمانينيات أظهر الباحثون أنه يمكن تدريب الشبكات العصبية على التعرف على الأنماط وتصنيف الصور دون خوارزمية واضحة أو ترميز الميزات التي من شأنها تفسير أو تبرير القرار. أدى هذا إلى ظهور مجال التعلم الآلي.

فندق هيلبرت وعلاقته باللانهائية

ما رأيك عزيزي القارئ في رحلة لمناقشة بعض الأدوات المهمة للتفكير في اللانهائية والتي سنستخدمها لتوضيح أن بعض اللانهايات أكبر من غيرها! ولنبدأ الرحلة مع فندق هيلبرت وهو فندق خيالي سُمي على اسم عالم الرياضيات الألماني «ديفيد هيلبرت_David Hilbert».

الآن أطلق لخيالك العنان وهيا بنا… هذا هو فندق هيلبرت وهو على عكس أي فندق أخر، فهو يحتوي على عدد لا نهائي من الغرف. حيث يحتوي على غرفة “0”، وغرقة “1”، وغرفة “2”… وهكذا.

لنفترض أن تلك الغرف ممتلئة تمامًا، إذ كل غرفة بها شخص واحد. لتبسيط الأمر، دعونا نرقم كذلك الأشخاص في خيالنا. الآن لدينا شخص في كل غرفة والفندق ممتلىء ولا توجد طريقة لإحضار شخص إضافي إلى فندقنا.

ميزة الفنادق اللانهائية

لكن الميزة الغريبة للفنادق اللانهائية، أنها يمكنها استيعاب أشخاص إضافيين. لكن كيف ذلك؟ بكل بساطة، أن يطلب مدير الفندق من الجميع أن ينقل غرفة واحدة على اليمين. ذلك يعني أن الشخص”0″ ينتقل للغرفة “1”، والشخص”1″ إلى غرفة “2” وهكذا…هنا لدينا نتيجتين وهما:

  • أولًا، أن الغرفة صفر فارغة لأن ساكنها خرج.
  • ثانيًا، حصل الجميع على غرفة. لأنه بالنسبة للشخص n كانت الغرفة n+1 متاحة لأنها كانت خالية بواسطة شخص n+1 الذي انتقل للغرفة n+2.

الآن لاحظ معي ما يلي، لنفترض أنه بدلاً من محاولة شخص واحد الانضمام إلى الفندق الممتلئ بالفعل، حاول هذه المرة خمسة مليارات شخص الانضمام إليه، سيكون من السهل استيعابهم. إذ كل ما نحتاج إلى فعله هو أن نطلب من كل شخص نقل خمسة مليارات غرفة إلى اليمين. يؤدي ذلك إلى إخلاء خمسة مليارات غرفة حتى نتمكن من استيعاب ضيوفنا الجدد.

هنا يتضح أن من الممكن استيعاب عدد لا نهائي من الضيوف الجدد، وكل ما علينا إخبار كل ضيف أصلي بالانتقال إلى ضعف رقم غرفته الحالية، وسيؤدي ذلك إلى ترك فجوات في كل رقم فردي حيث يمكننا من استيعاب العدد اللامتناهي من الضيوف الجدد.

يحصل كل شخص على رقم فردي!

في النهاية، نعني أنه في ظل التوزيع، أن كل شخص ينظر إلى رقم الغرفة، وإذا كان رقم الغرفة هو “n”، فسيذهب إلى الغرفة”2n”. إذ يبقي “0” لأن “2” ضرب “0” يساوي “0”. لذا فإن الشخص “0” موجود هناك. الشخص “1” يتحرك لأن “1” ضرب “2” هو “2”. لذلك الشخص” 1″ ينتقل إلى الغرفة “2”. الشخص”2″ سينتقل إلى “4” لأن “2+2” يساوي “4”. الشخص “3” سينتقل إلى “6”، والشخص”5″ إلى “10” وهكذا…

بشكل عام، سينتهي الأمر بكل شخص بالحصول على رقم فردي من الأشخاص الجدد. يمكننا فقط أن نقول لضيوفنا الجدد، إذا كنت ضيفًا جديدًا ورقمك هو “n”، فيرجي أن تنتقل إلى الغرفة “2n+1”.


التناقض في فندق هيلبرت!

دعنا الآن عزيزي القارئ ، نفترض أن” ضيوفنا القدامى” هم الضيوف الذين كانوا يقيمون في الفندق قبل أي وصول فرد جديد، وأن “الضيوف الجدد” هم الضيوف القدامى. إذ من ناحية، نريد أن نقول أن هناك ضيوفً جدد أكثر من الضيوف القدامى. من ناحية أخرى، نريد أن نقول إن عدد الضيوف الجدد يساوي عدد الضيوف القدامى.

ستلاحظ أن هذه المشكلة هي نفس المشكلة الخاصة بالمربعات والجذور، إذ أن هناك جذورًا أكثر من المربعات ومن ناحية أخرى هناك عددًا من الجذور يساوي عدد المربعات. كما قال جاليليو: “كل مربع له جذره وكل جذر له مربعه الخاص، بينما لا يوجد مربع له أكثر من جذر واحد ولا يوجد جذر له أكثر من مربع واحد”.


منطقيان ولكن غير متوافقين

يتضح أن هناك مبدأن يبدو كل منهما منطقيًا إلى حد كبير، لكن يتضح أنهما غير متوافقين مع بعضهما البعض في وجود مجموعات لانهائية.

المبدأ الأول: المجموعات الفرعية

افترض أن كل شيء في “A” موجود أيضًا في “B”، لكن ليس العكس. إذن،”A,B” ليسا من نفس الحجم ويحتوى”B” على عناصر أكثر من “A”.

مثال: افترض أن “A” هي مجموعة حيوانات الكنغر و”B” هي مجموعة الثدييات. نظرًا هنا أن كل كنغر من الثدييات ولكن ليس العكس، فإذن مبدأ المجموعات الفرعية يخبرنا أن مجموعة الكنغر ومجموعة الثدييات ليست من نفس الحجم. فهناك ثدييات أكثر من الكنغر.

المبدأ الثاني: التحيز

المجموعة “A” لها نفس حجم المجموعة “B”، إذا كان هناك تحيز بين”A وB”. لكن ما هو التحيز؟ افترض أن لديك خنافس وبعض الصناديق، وأنك قمت بوضع كل خنفساء في صندوق مختلف ولم تترك أي صندوق فارغ (أي يتم تعيين كل عنصر “A” لعنصر مختلف من “B” ولا يتم ترك أي عنصر من “B” بدون تعيين من “A”).

كلا المبدأين صحيح عزيزي القارئ ولكن المبادئ لا يمكن أن تكون صحيحة عندما يتعلق الأمر بالمجموعات اللانهائية، كما وضحنا أن مبدأ التحيز يستلزم أن يكون لمجموعة الضيوف القدامى والجدد نفس الحجم، لكن مبدأ المجموعات الفرعية يستلزم أنهم ليسوا كذلك.

إن الطريقة المُثلى لتطوير نظرية لانهائية هي التخلي عن مبدأ المجموعات الفرعية والحفاظ على مبدأ التحيز. إذ اكتشف عالم الرياضيات الألماني جورج كانتور عام 1873م، أن هناك مجموعات لا نهائية لا يمكن أن تخضع لمبدأ التحيز. قد وصف ديفيد هيلبرت عمل كانتور على اللانهائي بأنه “أفضل منتج للعبقرية الرياضية وأحد الإنجازات العليا للنشاط البشري الفكري”.


المصادر

  1. edx
  2. britannica
  3. aeon.
Ayaa Yasser
Author: Ayaa Yasser

آية من مصر، أدرس الرياضيات، مُحبة للعلوم والبحث العلمي.

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فلسفة رياضيات

User Avatar

Ayaa Yasser

آية من مصر، أدرس الرياضيات، مُحبة للعلوم والبحث العلمي.


عدد مقالات الكاتب : 48
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *