Ad

ما هو الجيروسكوب ؟ وكيف يعمل ؟ وما هي أحدث إصداراته؟

على الرغم من أهمية نظام تحديد المواقع العالمي أو ما يعرف اختصارًا ب «GPS» ، إلا أنه لايمكن الاعتماد عليه طوال الوقت. فهناك العديد من المواقف التي قد لا يتوفر فيها نظام تحديد المواقع العالمي «GPS» ، كأن تكون في منجم أو تحت الماء أو في الفضاء. من هنا تأتي أهمية مستشعر«الجيروسكوب  gyroscope» وهو عبارة عن جهاز  يعمل على تحديد الاتجاهات والانحناءات والمحافظة على الدوران عن طريق استغلال جاذبية الأرض . فمثلًا في هاتفك المحمول عندما تغير وضعية الهاتف من الوضع الرأسي إلى الوضع الافقي يقوم هذا الجهاز باستشعار هذا التغير وبدوره يعمل على تدوير شاشة الموبايل. وأيضًا عندما تلعب ألعاب الفيديو يستشعر هذا الجهاز اتجاه تحركاتك. في هذا المقال سنستعرض معكم كيفية عمل الجيروسكوب بشكل عام وما أهمية الجيروسكوب المدمج الدقيق بشكل خاص.

ما الفرق بين الجيروسكوب ومقياس التسارع؟

مقياس التسارع هو عبارة عن مستشعر صغير مصمم لقياس التسارع الغير الجاذبي «non-gravitational acceleration». يتم تركيب مستشعر التسارع في النظام أو الجسم الذي يراد قياس مقدار تسارعه بحيث يحسب مقدار مقدار تسارع النظام عند تحركه من حالة التوقف إلى أي سرعة يصل إليها. يُصمم مقياس التسارع للاستجابة للاهتزازات المرتبطة بهذه الحركة عن طريق بلورات متناهية بالصغر تخضع للضغط عند حدوث الاهتزازات ، ومن هذا الضغط يتولد جهد كهربائي يعبر عن مقدار التسارع . وتعتبر مستشعرات التسارع أحد المكونات الهامة للأجهزة التي تقيس اللياقة البدنية ووأيضا القياسات الأخرى في الحركة الذاتية الكمية. إذن الفرق الرئيسي بين الجيروسكوب ومقياس التسارع هو أن الجيروسكوب لديه المقدرة على استشعار دوران الجسم أو الجهاز المدمج فيه بينما مستشعر التسارع لايستطيع استشعار الدوران.

تصميم الجيروسكوب المدمج الدقيق بواسطة جامعة ميشغيان

عادةً ما تستخدم الأنظمة التي تحتاج إلى تتبع الموقع، -مثل الهواتف الخلوية أو السيارات ذاتية القيادة  أو الغواصات- ، ما يسمى بوحدات القياس بالقصور الذاتي أو ما تعرف اختصارًا ب«IMU» والتي تمثل مزيجًا من مقاييس التسارع والجيروسكوبات التي تعمل على تقدير الموقع من خلال طريقة «الحساب الميت dead reckoning» وذلك عن طريق تتبع التغييرات في كل من التسارع والدوران. تعتمد دقة تحديد الموقع على مدى دقة أجهزة الاستشعارالموجودة في وخدات ال«IMU» ولكن لسوء الحظ ، فإن الجيروسكوبات ذات الأداء العالي في تتبع الدوران على مدى فترات طويلة من الزمن كبيرة الحجم ومكلفة للغاية بالنسبة لمعظم الأنظمة التجارية أو حتى على مستوى المستهلك.

في الندوة الدولية السابعة حول أجهزة الاستشعار وأنظمة القصور الذاتي لمعهد مهندسي الكهرباء والالكترونيات «IEEE» قدم باحثون في جامعة ميشيغان ، بقيادة خليل النجيفي  ورقة علمية تقترح نوع جديد من الجيروسكوبات يسمى بالجيروسكوب المدمج الدقيق، والذي يقول عنه المؤلفون بأنه أكثر دقة ب 10000 مرة، ولكن أغلى ب 10 مرات من الجيروسكوبات المستخدمة في هاتفك الخلوي “. الجدير بالذكر أن أداء الجيروسكوب المدمج الدقيق يكافئ أداء الجيروسكوبات ذات الأحجام الكبيرة إضافة إلى أن تكلفته أقل بمقدار واحد من ألف من تكلفة الجيروسكوبات الكبيرة، مما يعني أن أجهزة الروبتات التي تعمل في المواقع الأرضية إضافة إلى بقية الأجهزة التي تحتاج الى تتبع المواقع ستكون لها القدرة على تحديد المواقع بدقة عالية عن طريق استخدام الجيروسكوب المدمج الدقيق. لفهم مدى جودة الجيروسكوب المدمج الدقيق من الضروري معرفة أداء تلك الجيروسكوبات الموجودة في هاتفك الذكي.

الجيروسكوب المدمج الدقيق

الجيروسكوب المدمج الدقيق الذي تم تطويره في جامعة ميشغيان

ما أهمية أجهزة الجيروسكوبات؟

يحتوي هاتفك على ثلاثة جيروسكوبات بالإضافة إلى ثلاثة مقاييس تسارع يتم دمجها في وحدة قياس القصور الذاتي التي تعرف اختصارًا ب «IMU» والتي يمكنها استشعار  كل من التسارع والدوران في جميع المحاور الثلاثة- محور x ومحور y ومحور z – . من المحتمل أن يكلف ال«IMU» بضعة دولارات.هناك عاملان مهمان يحددان خصائص الجيروسكوب وهما الحساسية والدقة. تبلغ حساسية الجيروسكوبات حوالي 1000 درجة في الساعة ، مما يعني أنه إذا قضيت ساعة كاملة في تدوير هاتفك  ببطء شديد ، فسوف يُلاحظ هذا الدوران إذا كان هناك ثلاث دورات أو أكثر خلال تلك الفترة ، ولكن إذا قمت بتدوير هاتفك بشكل أبطأ قليلاً حتى يدور مرتين فقط على مدار الساعة ، فسيكون الدوران بطيئًا للغاية بحيث يتعذر على الجيروسكوب اكتشافه. وهذا أمر جيد ، لأن هاتفك يهتم فقط باكتشاف التناوب الكبير والسريع-عشرات الدرجات في الثانية-، الذي يحدث مثلًا عندما تلتقط هاتفك أو تقلبه. إلى جانب الحساسية ، هناك أيضًا الدقة ،ويقصد بها مدى قرب الدوران المُقاس من قبل الجيروسكوب إلى مقدار الدوران الفعلي الحاصل .توجد  في معظم المستشعرات نسبة خطأ في القياس، وهو ما يسمى بالتحيز وهو ما يقيسه  المستشعر عندما يجب ألا يقيس أي شيء ، أو في حالة الجيروسكوب ، ما يقيسه  الجيروسكوب عندما لا يتحرك الجسم المُقاس على الإطلاق. ولكن هذا التحيز في المستشعر لايمثل مشكلة بالنسبة للمهندسين  طالما أن هذا التحيز ثابت . بمعنى آخر، إذا كان التحيز هو نفسه طوال الوقت ، فبالإمكان معايرته والحصول على نتائج دقيقة. أما  إذا كان التحيز غير مستقر ، ويتغير بشكل غير متوقع ، فسيؤدي ذلك إلى انخفاض الدقة في المستشعر. يجب أن ننوه بأن التعريف التقني لحساسسة الجيروسكوب هو مقدار التغير في الجهد الكهربي بالنسبة لسرعة زاوية معينة وتقاس الحساسية ب مللي فولت/درجة /ثانية فمثلًا إذا كانت حساسية الجيروسكوب هي 30مللي فولت/درجة/ثانية فهذا يعني بأنه إذا تم تدوير الجيروسكوب بمقدار عشردرجات لكل ثانية فإن التغير في جهد الخرج سيكون بمقدار 300مللي فولت

بالنسبة للجيروسكوب النموذجي الموجود في هاتفك الذكي ، فإن عدم استقرار التحيز يتراوح من مئات إلى آلاف الدرجات في الساعة. مرة أخرى ، هذا جيد ، لأن هاتفك يهتم أكثر بقياس عشرات أو مئات الدرجات من التدوير ، وهو كل ما يحتاجه الهاتف للألعاب أو لتثبيت الكاميرا. إذن لماذا نهتم بالجيروسكوبات ذات الحساسية العالية والتحيز المستقر على الإطلاق؟  حسنًا ، قد لا يكون كل ذلك مناسبًا للهواتف الخلوية ، ولكنه بغاية الأهمية بالنسبة  للغواصات والمركبات الفضائية والسيارات ذاتية القيادة والروبوتات الداخلية وأي شيء آخر تحتاج فيه إلى تتبع مكانك دون الاعتماد على ال «GPS». تستخدم جميع هذه الأنظمة وجدات قياس القصور الذاتي لتتبع موقعها النسبي، مع أخذ آخر موقفها المطلق المعروف -من «GPS» أو خريطة موجودة مسبقًا أو أيا كان -ثم الاعتماد على ال «IMU» للجمع بين القياسات المستمرة للتسارع والدوران لتقدير الحركة المتعلقة بموقعها.

تعتبر هذه الطريقة إحدى الطرق للحساب الميت المستخدم في الملاحة وتحديد المواقع ، ومثل أي طريقة أخرى للحساب الميت، تتراكم الأخطاء الصغيرة بمرور الوقت فكلما طالت فترة الاعتماد عليها، كلما كنت بعيدًا عن المسار. تستخدم الغواصات والمركبات الفضائية جيروسكوبات معقدة ومكلفة ومزودة بالليزر وغيرها من الادوات لتقليل هذه الأخطاء والانحراف الناتج عنها في الدقة الموضعية، ولكن بالنسبة إلى الروبوتات الأرضية والطائرات بدون طيار و -إلى حد ما-  السيارات ذاتية القيادة فإن الحجم والكتلة والتكلفة عوامل ذات أهمية كبيرة أيضًا .حيث ينبغي أن يكون الجيروسكوب ذا حساسية عالية وأيضًا بنفس الوقت صغير الحجم وذا تكلفة منخفضة. ومن هنا تكمن أهمية الجيروسكوب المدمج الدقيق التابع لجامعة ميشيغان ، حيث أنه صغير وغير مكلف وأكثر دقة بآلاف المرات من الجيروسكوبات المستخدمة في الهواتف الذكية. يكمن سر هذا المستوى من الدقة في قلب الجيروسكوب الذي يتكون من هيكل تذبذبي من الزجاج المطلي بالمعدن النقي للغاية .

كيف يعمل الجيروسكوب؟

قبل البدء بالحديث عن كيفية عمل الجيروسكوب، تجدر الأشارة إلى أنه يوجد العديد من الأنواع المختلفة للجيروسكوب ولكن جمعيها تؤدي نفس الوظيفة وهي إما قياس الاتجاه أو المحافظة على إتجاه معين. يمكن تصنيف الجيروسكوب إلى نوعين رئيسيين : الجيروسكوب الميكانيكي والجيروسكوب الالكتروني. يتكون الجيروسكوب الميكانيكي من عجلة أو كرة غزل يُطلق عليها الدوار، ونظام إسناد. وعندما يبدأ الدوار فى الحركة فإن الجيروسكوب يقاوم أى محاولة لتغيير اتجاه دورانه. ومن أجل هذه الخاصية يستخدم الجيروسكوب كثيرًا فى الطيران وفى معدات الملاحة. يعطى الجيروسكوب معلومات عن مسار الطيران دون تأثُّر بالاضطرابات أو الدوامات الهوائية. أما الجيروسكوب الالكتروني فهو عبارة عن جهاز إلكتروني يؤدي نفس وظيفة الجيروسكوب الميكانيكي وتتكون من نظام اسناد وذراعات إهتزازية بالإضافة إلى دوائر إلكترونية تعمل على تحويل السرعة الزاوية المقاسة إلى جهد كهربي يتم إرساله إلى معالج حاسوبي لمعالجة هذه الإشارة وإصدار التعليمات على ضوءها. في الوضع الطبيعي تهتز ذرعات الجيروسكوب المصنعة من الكوارتز أو السيراميك أو السيلكون بإتجاه معين -مثلًا في الإتجاه الأفقي- وعندما يحصل دوران للجسم المدمج فيه الجيروسكوب أو تغير في إتجاهه يبدأ الجيروسكوب أيضًا بالدوران ونتيجة ل« تأثير كوريوليس  coriolis effect» على الذراعات المهتزة، ينتج أهتزاز رأسي بدلًا من الأفقي ويؤثر على نظام الإسناد أو الجزء الثابت من الجيروسكوب مما يؤدي إلى إنحناءه ويتم استشعار هذا الانحناء الذي يعبر عن السرعة الزاوية وتحويله إلى جهد كهربي.

الجيروسكوب المدمج الدقيق

صورة للمكونات الداخلية للجيروسكوب المدمج الدقيق ويظهر فيها المرنان المصمم على شكل كأس النبيذ

مميزات الجيروسكوب المدمج الدقيق

يمكنك أن تتخيل الجيروسكوب المدمج الدقيق مثل كأس نبيذ زجاجي مهتز، عندما تقوم بضرب كأس النبيذ بلطف سيبدأ بالاهتزاز وإذا ألقيت نظرة من أعلى الكأس ستلاحظ أن هذا الإهتزاز يأخذ شكل حافة الكأس ومع إهتزازه ذهابًا وإيابًا يتغير هذا الشكل من شكل دائرة إلى شكل قطع ناقص . الآن إذا قمت بتدوير هذا الكأس المهتز فنتيجة لتأثير كوروليوس ستتولد حركة أهتزازية على المحور الرأسي ومنها يمكن قياس مقدار هذا الدوران. توجد العديد من الميزة لتصميم « مرنان  resonator» الجيروسكوب على شكل كأس نبيذ أهمها هو الشكل المحوري أو الشكل المتناظر حول المحور المركزي الذي يزيد من حساسية الجيروسكوب. وأيضًا يمتاز مرنان الجيروسكوب المصمم على شكل كأس النبيذ بقيمة عالية “لمعامل كيو” « معامل كيو  Q factor» وهو عبارة عن نسبة الطاقة المخزنة في المرنان إلى كمية الطاقة التي يفقدها المرنان في كل مرة يهتز فيها. والسبب وراء أهمية “معامل كيو” هو أنه يجب أن يكون الإهتزاز الأساسي للمرنان نقي قدر الإمكان وخالي من التشوهات وذلك لنقل الإهتزاز من محور إلى آخر بكفاءة عالية وبنسبة ضوضاء أقل . بالاضافة إلى ذلك، بلغت دقة كشف الحركة للجيروكسوب المدمج الدقيق حوالي 0.0014 درجة لكل ساعة أي بمعنى آخر أنه أفضل من الجيروسكوبات الموجودة في هاتفك الذكي بمقدار عشرات الالاف من المرات الأمر الذي يجعل الجيروسكوب المدمج الدقيق قادرًا على استشعار حركة الأرض بسهولة ويسر!

المصادر

IEEE Spectrum

Live Science

SparkFun

EpsonDevice

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تقنية هندسة

User Avatar

Qaher Naji

درست تخصص هندسة كهربائية والكترونية، حاصل على درجة الماجستير في قسم التحكم الآلي، مهتم بالتكنولوجيا والهندسة.


عدد مقالات الكاتب : 46
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق