Ad

ما مدى دقة أنظمة الذكاء الاصطناعي في تمييز العواطف البشرية ؟

حظي الوجه البشري بإهتمام شعبي وعلمي على حد سواء، فهو يُعدّ نافذة إلى الروح لكشف مايُكنّه الإنسان من مشاعر وعواطف، يذكر عالم الأحياء الشهير تشارلز داروين في كتابه “التعبير عن العواطف عند الإنسان والحيوان” أنّ تعابير الوجه مرتبطة بالعواطف كبقايا بيولوجية لأفعال خدمت ذات مرة أغراضًا تتعلق بالبقاء. تُعدُّ أبحاث داروين لحركات وتعابير الوجه اللبنةَ الأولى لنظرية الانفعالات لصاحبها «تومكينز  Tomkins» . عرّف تومكينز الانفعالات على أنها استجابات بيولوجية فطرية لمثيرات مختلفة تظهر في الجهاز الصوتي والجهاز العضلي خصوصًا في منطقة الوجه وافترض في نظريته أن هناك عدد محدود من العواطف التي يُعبر عنها  من خلال تعابير الوجه. في الآونة الأخيرة طعنت بعض الأبحاث في صحة وجهة النظر التقليدية التي تربط بين تعابير وجه الانسان والمشاعر المرتبطة بهذه التعابير. وبالرغم من أن نظرية الانفعالات لاتزال تحظى بتأييد من الأغلبية إلا أنه يوجد دليل علمي حاسم يربط بين المشاعر الفريدة وتعابير الوجه فمثلًا يمكن أن يشعر الإنسان بعاطفة ما بدواخله دون أن يعبر عنها في وجهه وبالتالي يمكننا القول أنه لا يمكن التعبير عن كل عواطف الإنسان من خلال تعابير الوجه. ومن هذا المنطلق تواجه أنظمة الذكاء الاصطناعي المتخصصة في تمييز العواطف البشرية معضلات كثيرة في تمييز العاطفة فهي مبنية على قواعد بيانات تربط بعض تعابير وعالم الوجه بحالات عاطفية وفقًا لمحددة التصنيفات أو الأبعاد أو الفئات المتبعة في خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

مقارنة تمييز العواطف البشرية بين الإنسان والذكاء الاصطناعي

لدى الانسان مقدرة هائلة في تمييز وفهم المشاعر وخاصة للأشخاص القريبين منه، فبمجرد أن تلقي نظرة على وجه شخصٍ ما، بإمكانك تحديد ما إذا كان سعيدًا أو حزينًا أو قلقًا. ويرجع ذلك بفضل قدرة الدماغ البشرية على تحليل الصور وفهم المشاعر. وعلى جانب أخر، اكتسبت تقنيات الذكاء الاصطناعي القدرة على تمييز الصور من خلال نماذج تعلم الالة التي يمكنها التعرف على الوجوه ومتابعة حركتها ويظهر ذلك جليًا في تقنية فتح الهواتف الذكية باستخدام صورة الوجه أو في خاصية الأمان المستخدم لدى شركة فيسبوك والتي تتطلب أخذ صورة لوجهك.  ليس ذلك فقط، بل بإمكان الذكاء الاصطناعي معرفة مشاعرك عن طريق صورة وجهك فقط. لكن مع كل هذا التقدم لايزال الذكاء الاصطناعي متأخرًا عن الإنسان من حيث مقدرته على تمييز المشاعر وذلك بحسب دراسة أجريت في جامعة دوبلن سيتي. أجرى فريق الدراسة البحث على ثمانية من الأنظمة المستخدمة لتمييز العواطف الإنسانية من خلال تعابير الوجه وقارنوا أداء التعرف على المشاعر بأداء المراقبين البشريين. وجد الباحثون أن دقة تمييز العواطف بالنسبة للمراقبين البشريين هي 72% بينما تباينت دقة التعرف بواسطة أجهزة الذكاء الاصطناعي من 48% إلى 62%.

منهجية البحث

يقول المؤلف الرئيسي للدراسة الدكتور«داميان دوبري  Damien Dupré» “من السهل جدًا تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تدّعي التعرف على عواطف البشر من تعابير وجوههم. ومع ذلك، يعتمد معظمها على أدلة علمية غير حاسمة حيث تستند على أن كل البشر يعبرون عن عواطفهم بنفس الطريقة.” تستند أنظمة التعرف على المشاعر البشرية إلى ستة عواطف أساسية فقط -السعادة، الحزن، الغضب، الخوف، المفاجأة، والاشمئزاز-ولكنها لا تستطيع تمييز المشاعر المختلطة بشكل جيًد. تحتاج الشركات التي تستخدم مثل هذه الأنظمة إلى أن تدرك أن النتائج التي تم الحصول عليها لا تًعدّ مؤشرًا للعاطفة التي يشعر بها الإنسان، ولكنها مجرد مقياس لمدى تطابق وجه الشخص مع وجه من المفترض أن يتوافق مع إحدى تلك العواطف الستة. تعمل أنظمة تتميز المشاعر ببساطة عن طريق مقارنة صورة للوجه مع صور مخزنة في قواعد بيانات ضخمة تحتوي على المشاعر الأساسية الستة. تقوم إحدى تقنيات الذكاء الاصطناعي – مثل الشبكات العصبية الاصطناعية-بتحليل صورة الوجه وحساب مقدار التشابه مع المشاعر الأساسية الستة وبناء على ذلك تحتسب صورة الوجه تلك على أنها في سعادة أو في حزن أو غيرها.

اشتملت الدراسة التي أجريت في جامعة دبلن على 937 مقطع فيديو أُخذت عينات منها من قاعدتي بيانات ضخمتين تحتويان على صور للمشاعر الستة الأساسية. اختيرت قاعدتي بيانات ديناميكيتين معروفتين لتعبيرات الوجه: «BU-4DFE»من جامعة بينغهامتون في نيويورك والأخرى من جامعة تكساس. صنفت صور المشاعر الستة في كلتا القاعدتين إلى فئات مميزة لتعبيرات الوجه، وتحتوي هذه الفئات إما على تعابير وجه منفتحة أو عفوية. كانت جميع التعبيرات التي تم فحصها ديناميكية لتعكس الطبيعة الواقعية لسلوك الوجه البشري. أظهرت النتائج أن دقة أنظمة الذكاء الاصطناعي في تمييز التعابير العفوية للوجوه البشرية منخفضة وأضافت المؤلفة المشاركة للدكتورة «إيفا كرومهوبر  Eva Krumhuber» المتخصصة بعلم النفس وعلوم اللغة بجامعة كاليفورنيا: “لقد قطع الذكاء الاصطناعي شوطًا طويلًا في تمييز تعابير الوجوه البشرية ، ولكن بحثنا يشير إلى أنه لا يزال هناك مجال للتحسين في التعرف على المشاعر الإنسانية الحقيقية”.

صورة توضح نتائج دقة تمييز العواطف البشرية باستخدام أنظمة مختلفة للذكاء الاصطناعي

خداع الذكاء الاصطناعي

تواجه أيضًا أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستخدم «الشبكات العصبية العميقة Deep Neural Networks» لتصنيف الصور بعض الصعوبات في تمييز الصور حيث أوضح الباحث «نجوين  Nguyen» الذي يعمل حاليا في جامعة«أوبورن   Auburn» بولاية ألاباما الأمريكية- أن مجرد تدوير الاشياء في صورة كان كافيًا لتضليل بعض من أفضل أنظمة تصنيف  الصور . وصرّح الباحث«هندريكس Hendrycks» وزملاؤه بأنَّه حتى الصور الطبيعية غير المعدلة يمكنها خداع أحدث برامج التصنيف، وإيقاعها في زّلاتٍ لا يمكن التنبؤ بها، مثل تصنيف فطر في صورة ما على أنَّه قطعة من معجنات «البريتزل pretzel »، أو تصنيف حشرة يعسوب على أنَّها غطاء بالوعة .تتجاوز المشكلة مسألة التعرف على الاشياء، إذ إن أي نظام ذكاء اصطناعي يستخدم الشبكات العصبية العميقة لتصنيف المدخلات، مثل الكلام، يمكن خداعه. ويمكن أيضًا عرقلة عمل برامج الذكاء الاصطناعي التي تُستخدم في ألعاب الفيديو. ففي عام ،2017على سبيل المثال، ركزت عالمة الحاسوب «ساندي هوانج Sandy Huang»– طالبة دكتوراة في جامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي الامريكية- وزملاؤها على الشبكات العصبية العميقة التي دُربَت على الفوز في ألعاب الفيديو بأجهزة الـ«أتاري Atari »، من خلال عملية تسمى التعلم التعزيزي . وفي هذا الإطار، يُوضع هدف لنظام الذكاء الاصطناعي. وعبر الاستجابة لمجموعة من المدخلات، يتعلم النظام من خلال التجربة والخطأ ما ينبغي فعله للوصول إلى هذا الهدف. وهذه هي التقنية التي تستند إليها برامج الذكاء الاصطناعي الخارقة الممارسة للألعاب، مثل «ألفا  زيرو AlphaZero» وروبوت لعبة البوكر «بلوريباس Pluribus»ومع ذلك.. استطاع فريق هوانج أن يجعل برامج الذكاء الاصطناعي تخسر في الالعاب، عن طريق إضافة بكسل عشوائي أو اثنين إلى الشاشة. وبيّن «آدم جليف Adam Gleave» -طالب الدكتوراة في مجال الذكاء الاصطناعي بجامعة كاليفورنيا في مدينة بيركلي الامريكية– وزملاؤه أنَّه من الممكن إقحام عنصر في بيئة نظم ذكاء اصطناعي، لينفذ سياسة ُ خادعة مُصممة لتُعرض لك استجابة هذه النظم؛ فعلى سبيل المثال في بيئة محاكاة، في نظام ذكاء اصطناعي مخصص لألعاب كرة القدم، ستلاحظ أن اللاعبين المُّدربين على ركل الكرة لتستقر في مرمى يحرسه حارس مرمى في النظام يفقدون قدرتهم على تسجيل الأهداف عندما يبدأ حارس المرمى في التصرف  بطرق غير متوقعة، مثل السقوط على الأرض.

المصادر

PLOS Journal

Techxplore

Nature

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تقنية هندسة ذكاء اصطناعي

User Avatar

Qaher Naji

درست تخصص هندسة كهربائية والكترونية، حاصل على درجة الماجستير في قسم التحكم الآلي، مهتم بالتكنولوجيا والهندسة.


عدد مقالات الكاتب : 46
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق