ما علاقة القدرات العقلية والمعرفية بالأمراض النفسية؟
هل تعلم أن انخفاض التركيز أو الانتباه أو الذاكرة وغيرها من الوظائف العقلية يُمكن أن يكون عارضًا من عوارض الأمراض النفسية؟
عند الحديث عن الأمراض النفسية غالبًا ما يتم التركيز على العوارض الشعورية كالاكتئاب، والقلق، والهلوسة وغيرها. لكن للأمراض النفسية جانب آخر كالاضطرابات المعرفية. فما هي هذه الاضطرابات؟ وهل تختلف من مرضٍ لآخر؟ وكيف تؤثر هذه الاضطرابات على حياة الأشخاص المصابين بأمراض نفسية؟
محتويات المقال :
ما هو الاضطراب المعرفي؟
يُعرَّف الاضطراب المعرفي بخلل في واحدة أو أكثر من الوظائف المعرفية التي تتضمن كلًا من «الانتباه-Attention» و«الذاكرة-Memory» و«اللغة-Language» و«التوجه-Orientation» و«إصدار الأحكام-Judgement» و«العلاقات الاجتماعية-Social abilities» و«الوظائف التنفيذية-Executive functions» و«حل المشكلات-Problem Solving». وهي قد تكون ناتجة عن أمراض نفسية / عقلية خلقية أو مُكتسبة، أو خلل عصبي، أو صدمة رأس، أو التقدّم بالعمر وغيرها من الأسباب.
الاضطرابات المعرفية في مرض «الفُصام-Schizophrenia»:
يعاني مريض الفصام من أعراض تتسبب في انفصاله عن الواقع المحيط به؛ فيسمع أصوات غير موجودة ويرى العديد من الهلاوس إلى جانب المعاناة من الأفكار المغلوطة. كان الخلل المعرفي في مرض الفُصام معروفاً منذ زمن؛ فقد أثبت العلماء على مدى السنين خللًا في وظيفة الانتباه مترافقًا مع مرض الفُصام حتى أنه كان يسمّى مرض الخرف المبكر بحسب «كريبلن-Kraepelin» (عام 1893).
وقد توالت الدراسات في القرن العشرين لتثبت أن مرض الفُصام يترافق مع ضعف الانتباه والتركيز والذاكرة والقدرة على التخطيط. في عام 1997، أثبت « بالمر-Palmer» من خلال دراسة أجراها على 171 مريض فصام و63 شخص من العيّنة السليمة أن فقط 28% من مرضى الفصام حصلوا على معدلات “طبيعية” في اختبار القدرات المعرفية. وفي دراسات حديثة (2016) أُجريت في كلٍّ من المملكة المتحدة، والولايات المتحدة والسويد، تبيّن أن الأطفال الذين سيُصابون بالفصام لاحقًا يُبدون ضعفًا على المستويين المعرفي والسلوكي نسبةً للأطفال الآخرين، أي أن الخلل الإدراكي يسبق مرض الفُصام وقد يكون مؤشرًا له!
الخلل المعرفي في «اضطراب ثنائي القطب-Bipolar disorder»:
اضطراب ثنائي القطب عبارة عن تغير شديد في الحالة الشعورية أو مزاج المريض حيث يمر بنوبات اكتئاب شديدة يعاني فيها من الحزن وفقدان الاهتمام في فعل أي شيء، ونوبات أخرى تتميز بالنشاط الزائد والثقة القوية في النفس وكثرة الكلام تُسمى «الهوس-Mania». الخلل المعرفي الموجود في الفصام يتواجد كذلك في اضطراب ثنائي القطب، تبين الدراسات أن هذا المرض يترافق مع صعوبات معرفية، وهي تختلف من مريض لآخر، فهي تزيد مع زيادة عدد نوبات «الهوس-Mania» ومع تزايد فترات العلاج في المستشفى. ولوحظ أن «الذاكرة التقريرية اللفظية-Verbal Declarative Memory» المسؤولة عن تذكّر الأحداث هي من أكثر الوظائف المتأثرة بهذا المرض.
في مرض الاكتئاب، تتأثر قدرات الانتباه، والتركيز، والذاكرة السمعية والبصرية، وسرعة التحليل. وقد يكون هذا الضعف مُرتبط بانخفاض «التحفيز-Motivation» أي أن المريض المُصاب بالاكتئاب يكون فاقدًا القدرة على الاهتمام بما يدور حوله وبالتالي على التفاعل معه.
كيف يؤثر هذا الخلل على الأشخاص المُصابين بأمراض نفسية؟
باختصار، أصبحت عوارض الخلل المعرفي جزءًا لا يتجزأ من عوارض الأمراض النفسية. وهي تؤثر بشكل كبير على نوعية الحياة الخاصة بالمرضى، خصوصًا أنها مُهملة ولا تُعالج بالقدر الكافي. فهي تؤثر على الحياة الدراسية والعملية، والعلاقات الاجتماعية وأحيانًا حتى على الحياة العائلية.
لطالما عملت الأدوية على معالجة العوارض النفسية الشعورية والفكرية، لكنّها أهملت الاضطراب المعرفي وحتى أنها كانت أحيانا تزيدها سوءًا.
ولكن هذا لم يمنع بعض الأشخاص المُصابين بأمراض نفسية أن يبدعوا في مجالات فكرية متعدّدة. نذكر منهم عالم الرياضيات الشهير «جون ناش-John Nash» المصاب بالفصام والذي نال جائزة نوبل عام 1994. وقد جُسّدت حياته في فيلم “A Beautiful Mind”. كذلك الكاتبة و الدكتورة المتخصصة في علم النفس «كاي ريدفيلد جاميسون-Key Redfield Jamison» التي نجحت نجاحًا باهرًا في مجالها ونالت جوائز متعددة حتى أنها في كتابها «عقل غير هادئ-An Unquiet Mind» تعتبر مرضها مساهمًا في نجاحها وتميزها رغم كل الصعوبات التي مرّت بها.
حاليًا، يتم العمل على علاجات دوائية تساعد على المحافظة أو استعادة القدرات المعرفية، ولكنها ما زالت قيد الدراسة. في المقابل، يتم الحديث عن أهمية العلاجات البديلة والتي تعني المقاربات النفسية، والوظيفية، والمعرفية – السلوكية وغيرها. ممّا يؤكد على أهمية وجود فريق عمل صحي – نفسي – اجتماعي كامل حول الأشخاص المُصابين بأمراض نفسية، لتحسين نوعية حياتهم.
ختامًا، إن المعطيات العلمية تثبت وجود عوارض معرفية مرتبطة بالأمراض النفسية، لكنها لا تزال غير كافية لتبيان أسبابها وطريقة علاجها. لذلك، من المهم اليوم إعطاء هذه الاضطرابات حقها في العلاج من خلال التدريب المستمر للوظائف المعرفية والعقلية لدى هؤلاء المرضى. إضافةً إلى احترام القدرات المعرفية لكل شخص وبالتالي الأخذ بعين الاعتبار أي خلل معرفي لدى الأشخاص المصابين بأمراض نفسية وتقديم الدعم اللازم لهم في محيطهم الأكاديمي والعملي والاجتماعي.
المصادر(ما علاقة القدرات العقلية والمعرفية بالأمراض النفسية؟):
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :