Ad

يعد الراهب الألماني مارتن لوثر، مؤسس الكنيسة البروتستانتية وصاحب حركة عصر الإصلاح في أوروبا، أحد أهم الرموز في التاريخ الأوربي بشكل عام، والمسيحية بشكل خاص. اشتهر بأطروحاته ال 95 وغير المسيحية للأبد.

بدايات حياته

ولد مارتن لوثر في مدينة أيسلبن بألمانيا عام 1483 لعائلة تملك الكثير من المال. كان رب الأسرة -والد مارتن- رجل أعمال ثري بسبب براعته في العمل في المناجم. عندما أتم مارتن ربيعه الخامس، انتقل والده بأسرته المكونة من عشرة أفراد إلى بلدة مانسفيلد.

بدأ الطفل ذو الخمسة سنوات تعليمه في مدرسة محلية في هذه البلدة فتعلم القراءة والكتابة، بالإضافة إلى الأبجدية اللاتينية.[1] ظل الطفل في مدرسته القديمة إلى أن أتم عامه الثالث عشر، لينتقل إلى المدرسة الأخوية الكاثوليكية Brethren of the Common Life بمدينة مدبرج. كانت تعاليم المدرسة ترتكز على التقوى والصلاح الديني مما غرز في مارتن بدايات طريق الرهبانية.[1]

كان والده طموحًا ويرى أن ولده يجب أن يصبح محاميًا، فسحبه من المدرسة الكاثوليكية وأرسله إلى مدرسة جديدة بمدينة إيزيناخ. ومع السنة الأولى في القرن الجديد، القرن السادس عشر وتحديدًا عام 1501م، التحق مارتن بجامعة مدينة إرفورت. كانت جامعة المدينة هي الأولى في ألمانيا في ذلك الوقت. درس مارتن الحساب، وعلم الفلك، والهندسة، والفلسفة في تلك الجامعة وحصل على درجة الماجستير عام 1505م.

قيل أنه في يوم من أيام شهر يوليو، من سنة الماجستير، حلّت عاصفة رعدية شديدة على المدينة. أصابت صاعقة مارتن، واعتبرها الشاب رسالة من الإله، فنذر أن يصبح راهبًا إذا نجا منها، لتحدث الأعجوبة وينجو فعلًا منها بلا أضرار تذكر. أهمل مارتن لوثر كلية الحقوق وذهب إلى دير أوغسطين لتبدأ رحلته الدينية.[1]

مارتن لوثر والكنيسة البروتستانتية

بدأ مارتن حياته الجديدة كراهب متقشف وزاهد في الدنيا. وعلى الرغم من تلك الحياة الجديدة المختلفة جذريًا عن حياته السابقة، إلا أنه لم يترك دراسته نهائيًا. فقط لم يصبح يهتم بها كما اعتاد، حيث درس مارتن من 1507 إلى 1510 في جامعتي إرفورت وويتبرج. ومن 1510 إلى 1511، انقطع فترة عن دراساته وبدأ يخدم في دير أوغسطين.[2]

في عام 1512، حصل لوثر على شهادة الدكتوراة وأصبح بروفيسور في دراسات الكتاب المقدس. وخلال الخمس سنوات القادمة سيغير مجرى المسيحية لعقود وقرون قادمة.[2]

أكد أوغسطين مرارًا وتكرارًا على سلطة الكتاب المقدس ونفوذه على الكنيسة كسلطة مطلقة. كما أكد أيضًا على أن البشر لا يستطيعون الحصول على الخلاص بأنفسهم، وحده الإله هو من يخلصهم من خطاياهم بفضل رحمته الواسعة. أما على الجهة الأخرى، كانت تعاليم الكنيسة تنشر عكس ذلك فيما يعرف القرون المظلمة؛ حيث كانت تقول بالخلاص من خلال الأعمال الخيّرة والتبرعات وصكوك الغفران. أيد مارتن لوثر معتقدات أوغسطين والتي ستشكل أساس البروتستانتية وتغير التاريخ المسيحي.[2]

في تلك الفترة، كانت الكنيسة تعمل بمثابة الوسيط بين العبد والإله. فعندما يخطئ المسيحي وقتها، كان يذهب للكنيسة لتغفر له الكنيسة خطاياه. ففي 1517م، كان الراهب جوهان تيتزل Johann Tetzel يجمع المال من المسحيين الألمان ليبيع لهم الوهم ككرامات وصكوك للغفران من أجل ترميم كاتدرائية القديس بطرس. استمر جمع صكوك الغفران بلا هوادة وقتها وميزت بين المسيحي الغني والفقير إذ أصبح للغني القدرة على تحصيل صكوك غفران أكبر ورضا الكنيسة عنه. فاجتهد الفقراء لشراء صكوك الغفران بمدخراتهم مما زادهم فقرًا.

استشاط مارتن لوثر غضبًا من فكرة صكوك الغفران، وانطلق بدافع اعتقاده بأن المغفرة يمكن الحصول عليها من الإيمان وطلب المغفرة من الإله فقط. يكتب مارتن أطروحاته ال 95 المشهورة.[2]

ال 95 أطروحة

هي عبارة عن مجموعة من الرسائل والأسئلة يصل مجموعها إلى 95 رسالة، وجهها مارتن لوثر إلى الكنيسة الكاثوليكية وقتها. تقول القصص أنه علقها وتحدى بها الكنيسة. كانت الأطروحة مكتوبة بشكل بسيط يميل إلى الكتابة الأكاديمية.

هدفت رسائل إلى التساؤل أكثر منها إلى التهجم. أول بندين في الأطروحة كانا يتمركزان حول الأفكار الأساسية لدى لوثر وهما أن الإيمان والتوبة وحدهما يقودان إلى الغفران والخلاص. أما عن ال 93 الباقيين فكانا يتحدثان عن خطأ فكرة صكوك الغفران.[2]

بجانب نقده لفكرة الصكوك، انتقد مارتن البابا وقتها، موجهًا إليه سؤالًا حرك مشاعر العامة: لماذا لا يبني البابا كاتدرائية القديس بطرس من ثروته الخاصة والتي تجاوزت ثروة مارتن كراسوس بدلًا من أن يجمع الصكوك من المؤمنين الفقراء؟

انتشرت أطروحات مارتن ال 95 في جميع أنحاء ألمانيا، كما وصلت إلى روما. وبحلول عام 1518 وقف مارتن لوثر أما المحكمة ليدافع عن أرائه واستمرت الجلسات لثلاثة أيام بدون الوصول إلى حل ما. وفي نفس العام، بالتحديد في 9 نوفمبر 1518، وجه البابا الكثير من الاتهامات لمارتن لوثر على رأس تلك الاتهامات، كانت الهرطقة. وصل الأمر بتحريم البابا لأطروحات مارتن وطرده من الكنيسة الكاثوليكية.

في 17 أبريل عام 1521م، ظهر مارتن أما المحكمة مجددًا والتي اتهمته أيضًا بالهرطقة وأمرت بحرق أطروحاته وكتاباته. اختبأ مارتن بمدينة إيسناخ لمدة سنة كاملة وبدأ العمل على مشروع ترجمة العهد الجديد إلى اللغة الألمانية. أخذ ذلك المشروع منه 10 سنوات كاملة.[2] لم تكن الأناجيل مترجمة ولا متاحة للعامة للقراءة آنذاك.

الكنيسة اللوثرية ومعاداة السامية

بالرغم من كونه مهدد بالسجن في أي وقت، إلا أن مارتن لوثر عاد إلى كنيسة ووتنبرج في إيسناخ ليؤسس كنيسته الجديدة، الكنيسة اللوثرية. تمكن مارتن من كسب الكثير من الأتباع والداعمين. وعلى الرغم من وقوفه بجانب الحكومة في ثورة الفلاحين في عام 1524م، رغم نداءاته بالعدالة، إلا أن أتباعه ازدادوا وكبرت الكنيسة اللوثرية/ البروتستانتية شيئًا فشيئًا. [3]

بعدما ترك لوثر الرهبنة، تزوج من كاثرين فون بورا، الراهبة التي قررت أن تترك حياة الرهبنة وتتجه إلى الزواج.

أصبح مارتن عميدًا لقسم اللاهوت بجامعة ويتنبرج من عام 1533م إلى أن توفي في 1546م. خلال تلك الفترة، أُصيب بالكثير من الأمراض الجسدية وأمراض القلب. ومن الواضح أن تلك الأمراض طغت على كتاباته فكان كثيرًا ما يهاجم اليهود، وأحيانًا المسلمين، فعرف أنه معادٍ للسامية.[3] لم يكن مارتن متسامحًا تجاه بقية الأديان بنفس درجة تعاطفه وتسامحه مع المسيحية.

وفاة وإرث الدائم

وبحلول عامه ال 62، توفي مارتن بالسكتة الدماغية وهو في طريقه إلى موطنه الأم، مدينة أيسلبن. ظلت كتابات وتعاليم مارتن تغير في اللاهوت المسيحي كجرف الأمواج للشواطئ إلى أن غير مارتن لوثر والكنيسة البروتستانتية الفكر المسيحي في العالم أجمع. كان ذلك بفضل وسائل الإعلام بصفة عامة وصحيفة جوتينبرج بصفة خاصة، والتي نقلت تعاليمه إلى مختلف أنحاء أوروبا.[3] وفتحت الباب أمام فلسفة التنوير وتفكيك المقدس.

المصادر

1- Britannica
2- History
3- Biography

Ahmed Safwat
Author: Ahmed Safwat

طالب كيمياء، محب للعلوم والبحث العلمي، وكذلك الفن بأشكاله٠

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تاريخ فكر

User Avatar

Ahmed Safwat Salah Al-Din

طالب كيمياء، محب للعلوم والبحث العلمي، وكذلك الفن بأشكاله٠


عدد مقالات الكاتب : 31
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
مقترح : abdalla taha
تدقيق لغوي : abdalla taha

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *