...
Ad

يتحدث أكثر من نصف سكان العالم أكثر من لغة واحدة، لكن نسبة ضئيلة فقط، حوالي 1 بالمائة، يمكن اعتبارها من فئة متعددي اللغات (polyglot)، وهو ما يعرف بالقدرة على التحدث بخمس لغات أو أكثر بطلاقة. من بينهم، هناك الأفراد الاستثنائيون المعروفون باسم متعددو اللغات المفرطون (hyperpolyglots)، الذين يتقنون عددًا هائلاً من اللغات. ويجب ألا ننسى فوائد تعدد اللغات للدماغ التي سنذكرها في المقال.

الحقيقة وراء هذه القدرات الاستثنائية لا تزال محاطة بالغموض. وما زلنا لا نفهم بشكل كامل قدرة الدماغ البشري على اكتساب اللغة، ولا تزال مسألة عدد اللغات التي يمكن للشخص تعلمها والاحتفاظ بها موضوعًا للنقاش بين اللغويين وعلماء الأعصاب.

دماغ الشخص متعددُ اللغاتِ

العقل البشري هو عضو غامض، قادر على القيام بمآثر لا يمكن فهمها. أحد الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في وظيفة الدماغ هو قدرته على معالجة وتخزين لغات متعددة. ودماغ الشخص متعدد اللغات، على وجه الخصوص، هو نوع نادر أذهل العلماء واللغويين على حد سواء. ولكن ما الذي يجعل هؤلاء الأفراد مميزين إلى هذا الحد؟

تشير الأبحاث إلى أن دماغ الشخص متعددُ اللغاتِ يختلف عن دماغ من يتحدث لغة واحدة فقط. حيث أظهرت الدراسات أن متعددي اللغات لديهم كثافة أكبر من المادة الرمادية في  القشرة الصدغية اليسرى (left temporal cortex)، وهي المنطقة المسؤولة عن معالجة اللغة. تسمح هذه المادة الرمادية المتزايدة للأشخاص متعددي اللغات بمعالجة وتخزين معلومات اللغة بشكل أكثر كفاءة.

علاوة على ذلك، وُجد أن الأشخاص متعددي اللغات يتمتعون بمستوى أعلى من المرونة المعرفية، مما يمكنهم من التبديل بين اللغات بسلاسة. ويعتقد أن هذه المرونة ترجع إلى قدرة الدماغ على إعادة تنظيم وتكييف شبكاته العصبية لاستيعاب لغات متعددة.

إن فوائد تعدد اللغات للدماغ لا تتوقف عند هذا الحد. حيث الدماغ يكون أكثر مرونة في مواجهة التداخل اللغوي، مما يعني أنه يمكنه قمع تأثير لغة واحدة عند التحدث بأخرى. ويُعتقد أن هذا يرجع إلى قدرة الدماغ على إنشاء مسارات عصبية منفصلة لكل لغة، مما يقلل من التداخل اللغوي ويزيد من إتقان اللغة.

ادعاءات لم يتم التحقق من صحتها وأسئلة عالقة

هناك جوزيبي كاسبر ميزوفانتي (1774-1849)، وهو كاردينال إيطالي يُزعم أنه كان يتحدث أكثر من 38 لغة بطلاقة، وكذلك السير جون بورينج، حاكم هونج كونج من عام 1854 إلى عام 1859، والذي ادعى أنه يعرف 200 لغة وكان قادرًا على التحدث بمئة لغة. ومع ذلك، لم يتم التحقق من هذه الادعاءات بشكل قاطع ويميل التاريخ إلى إعادة إنتاج حكايات طويلة لا تستند إلى الحقيقة بالكامل.

لنأخذ على سبيل المثال قصة زياد فصاح، الذي حمل ذات يوم الرقم القياسي العالمي في موسوعة غينيس لأكبر عدد من اللغات المنطوقة بعد أن زعم ​​أنه تعلم 59 لغة عالمية. أثارت قصته الدهشة والشك، حيث شكك الكثيرون في صحة ادعاءاته. وعندما تم اختباره في برنامج تلفزيوني تشيلي، حيث أصبحت عيوب فصاح واضحة، مما أثار تساؤلات حول دقة مزاعمه.

هذه الظاهرة ليست فريدة من نوعها. فقد قدم العديد من الأشخاص الذين يُزعم أنهم يتحدثون أكثر من لغة ادعاءات جريئة، لكنهم تعثروا عندما طُلب منهم دعمها. إذن، لماذا يصعب التحقق من هذه التأكيدات؟ هل يرجع السبب في ذلك إلى أن مفهوم تعدد اللغات معقد بطبيعته، مما يجعل من الصعب تحديده كميًا وتأهيله؟ أم أننا نفتقر إلى طريقة موحدة لتقييم واعتماد الكفاءة اللغوية؟

فوائد تعدد اللغات للدماغ

تعريف الشخص متعدد اللغات

إن عدد اللغات التي يتحدثها الشخص ليست هي المعيار الوحيد لتحديد حالته باعتباره شخص متعدد اللغات. وكما لاحظ ريتشارد سيمكوت، وهو بريطاني متعدد اللغات مفرط، فلا أحد يتقن جميع الفروق الدقيقة في اللغة. إنه معيار زائف، ومن عجيب المفارقات أن هذا المعيار ينشأ في الغالب من قبل أحاديي اللغة، الأميركيين على وجه الخصوص.

هل يجب أن نحسب عدد اللغات التي يستطيع الشخص التحدث بها بطلاقة، أو عدد اللغات التي يستطيع القراءة والكتابة بها؟ ماذا عن اللهجات؟ هل تعتبر لغات منفصلة أم أشكال مختلفة للغة واحدة؟ علاوة على ذلك، فإن مفهوم “الإتقان” هو مفهوم ذاتي. هل التحدث باللغة بطلاقة يعني أنه يمكنك التحدث مع الناطقين بها دون عناء، أم يعني أنه يمكنك القراءة والكتابة بتلك اللغة بسهولة؟ إن عدم وجود تعريف واضح يجعل من الصعب إثبات ادعاءات متعددي اللغات المفرطون.

يعد إتقان الشخص لكل لغة أيضًا عاملاً حاسماً يجب أخذه في الاعتبار. هل يمكن اعتبار الشخص الذي يمكنه إجراء محادثات أساسية بعشر لغات متعدد اللغات، أم أنه يحتاج إلى أن يكون متحدثًا متقدمًا في كل لغة؟ يكمن التعقيد في تعريف متعدد اللغات في حقيقة أن اكتساب اللغة هو عملية تستمر مدى الحياة، وحتى المتحدثين الأصليين للغة قد لا يتقنون جميع الفروق الدقيقة فيها.

فوائد تعدد اللغات للدماغ

أظهرت الأبحاث أن التحدث بعدة لغات يمكن أن يكون له تأثير عميق على قدراتنا المعرفية، مما يؤخر ظهور التدهور المعرفي المرتبط بالعمر وحتى مرض الزهايمر.

ومن خلال تعلم لغات متعددة، يمكنك إنشاء اتصالات عصبية جديدة، ويعيد الدماغ تنظيم نفسه لاستيعاب المعلومات اللغوية الإضافية. يمكن أن تؤدي عملية إعادة التنظيم هذه إلى تأخير التدهور المعرفي، حيث يصبح الدماغ أكثر كفاءة في توزيع النشاط عبر دوائر الدماغ المختلفة.

ولكن هذا ليس كل شيء. حيث ثبت أن تعدد اللغات يعمل على تحسين الذاكرة والانتباه ومهارات حل المشكلات. كما يمكنها أيضًا تعزيز قدرتنا على التبديل بين المهام، وهي مهارة بالغة الأهمية في عالم اليوم سريع الخطى. علاوة على ذلك، فإن التحدث بعدة لغات يمكن أن يفتح فرصًا ثقافية واجتماعية جديدة، ويعزز قدرًا أكبر من التعاطف والتفاهم بين الناس من خلفيات متنوعة.

على الرغم من أن تعدد اللغات قد لا يكون هدفًا واقعيًا للجميع، إلا أن دمج لغة إضافية واحدة في حياتنا اليومية يمكن أن يكون له تأثير كبير. لذا، سواء كنت من عشاق اللغة أو تتطلع ببساطة إلى تحدي عقلك، فإن تعلم لغات جديدة يمكن أن يكون أداة قوية لإطلاق إمكاناتك الكاملة.

المصدر

How Many Languages Can One Person Learn In A Lifetime? | iflscience

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


لغات

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 293
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.