Ad

اللغات الرومانسية وأصلها

اللغات الرومانسية (Romance Languages) هي مجموعة كبيرة من اللغات المنتشرة حول العالم، والتي تعود إلى أصل مشترك نشأت عنه منذ زمن طويل. لكنها ليست من العائلات اللغوية الأساسية، ولا حتى من المجموعات الفرعية لهذه العائلات. بل هي مجموعة ضمن إحدى المجموعات الفرعية للعائلات الرئيسية كما سنرى في هذا المقال.

المجموعة الأم

أولاً، هناك عائلة من اللغات التي تجمع تحت سقفها تقسيمات فرعية كثيرة. وهذه العائلة هي اللغات الهندو أوروبية (Indo-European languages). وهي مجموعة من اللغات المرتبطة ببعضها، وتنتشر حالياً في الأمريكيتين وأوروبا وجنوب وغرب آسيا. وتقسم هذه المجموعة إلى تفرعات رئيسية عديدة، منها ما انقرض ولم يعد يُستخدم، ومنها ما بقي وانتشر وتطور عنه تقسيمات فرعية أخرى. من أحد هذه الفروع الرئيسية لعائلة اللغات الهندو-أوروبية يوجد ما يسمى مجموعة اللغات الإيطاليكية (Italic languages)، وهذه المجموعة تضم تحت سقفها المجموعة الأصغر والتي تدعى اللغات الرومانسية [1].

أصل اللغات الرومانسية وعددها:

يعود أصل اللغات الرومانسية إلى اللغة اللاتينية العامية (Vulgar Latin) وهي اللغة اللاتينية التي كان يتحدثها عامة الشعب في الإمبراطورية الرومانية. تختلف اللاتينية العامية عن اللاتينية الكلاسيكية (Classical Latin) التي كانت تُستخدم في الكتابة والأدب، والتي بقيت لاحقاً في النصوص الدينية [2]. وتعتبر اللغات الرومانسية من ضمن اللغات الإيطاليكية (Italic languages) التي تشكل بدورها مجموعة فرعية من أسرة اللغات الهندو أوروبية (Indo-European languages) [3].

إذاً، كان للغة اللاتينية في الإمبراطورية الرومانية عدة أشكالٍ، واستخدم أفراد الشعب العامية منها في الحديث والحياة اليومية في مناطق الإمبراطورية على اتساعها. ونتيجة هذا الاتساع وتوزع المناطق، كان حتى لهذه اللغة العامية أشكالٌ متباينة، تغيرت مع مرور الوقت لتنبثق منها اللغات الرومانسية التي نعرفها حالياً [2]. في واقع الأمر، يوجد الآن حوالي 42 لغة رومانسية أو أكثر. ولكن لا يمكن تحديد هذا الرقم بدقّة نتيجة عدم وجود توافقٍ كاملٍ على تعريف كلٍّ من مصطلحي “اللغة” و”اللهجة” والتفريق بينهما.

إلا أنه لا يختلف اثنان على أنّ أشهر خمس لغات رومانسية وأكثرها انتشاراً هي الإسبانية والفرنسية والبرتغالية والإيطالية والرومانية. بالإضافة لها، توجد لغاتٌ أقل انتشاراً مثل الكتالونية والسردينية وغيرها [3].

لماذا سميت باللغات الرومانسية؟

على عكس ما يوحي اسمها، لا علاقة لتسمية هذه اللغات بالمشاعر أو العواطف “الرومانسية”. بل تعود كلمة Romance هنا إلى اتصال هذه اللغات بروما. إذ يرجع أصل الكلمة الإنكليزية Romance إلى كلمة Romanicus وهي كلمة فرنسية قديمة من أصل لاتيني كانت موجودة في العصور الوسطى وتعني “روماني” أو “على النمط الروماني” [4].

ما الذي يميز اللغات الرومانسية؟

تتميز اللغات الرومانسية الخمسة الأكثر انتشاراً بمفرداتها وقواعدها ذات الأصول اللاتينية، وهذا ما يجعل من السهل على من يتحدث إحداها أن يفهم ولو بشكل بسيط اللغات الأخرى. كما أن من يتعلم واحدة منها لن يجد صعوبةً كبيرةً في تعلم إحدى أخواتها [5].

ومما تشترك فيه هذه اللغات هو التذكير والتأنيث لكافة الأسماء فيها، وإسقاط هذا على الصفات عند استخدامها مع الأسماء. ولكن تتميز اللغة الرومانية هنا بوجود كلمات حيادية الجنس وهذا ما اختفى في باقي أفراد المجموعة [6].

ما مدى التشابه بين اللغات الرومانسية واللغة اللاتينية؟

أما عن مدى انحراف هذه اللغات عن اللغة اللاتينية العامية التي نشأت منها، تعد اللغة الإيطالية الأقل تبايناً عن هذا الأصل. في حين أن اللغة الفرنسية هي الأكثر ابتعاداً من ناحية اللفظ. أما اللغة الرومانية، فتختلف أكثر من غيرها فيما يتعلق بالمفردات، ولكنها أكثر من حافظت على القواعد التي استخدمتها اللاتينية الكلاسيكية [5].

دعونا نأخذ مثالاً يوضح لنا كيف تحولت اللغة من الأصل إلى الفروع. كلمة “عشب” في اللغة اللاتينية هي “herba” وإذا ما تعقبناها في اللغات الرومانسية الأشهر، نراها موجودة كما يلي:

  • الفرنسية: herbe
  • الإسبانية: hierba
  • الإيطالية: erba
  • البرتغالية: erva
  • الرومانية: iarbã

لا يخفى تشابه هذه الكلمات على من يراها أو من يسمعها. فنلاحظ اختفاء الحرف (h) في الكلمة في جميع هذه اللغات. وحتى وإن حافظت الفرنسية والإسبانية عليه في التهجئة، لكنه سقط في اللفظ منذ زمن طويل. كما نرى أن أقرب شكل لهذه الكلمة إلى أصلها اللاتيني موجود في اللغة الإيطالية.

ولكن هذا التشابه لا يعني تطابق اللغات مع أصلها اللاتيني. فلا يمكن لمن يتحدث الفرنسية أو الإسبانية، مثلاً، أن يُعتبر طليقاً باللاتينية. بل على العكس، حتى يتقنها، ينبغي أن يتعلمها كأية لغة جديدة. وبالمقابل، لو سمع أي شخص روماني من الناطقين الأصليين باللاتينية إحدى هذه اللغات المتفرعة عن لغته الأم، كان ليرتبك ويعتبر أن ما يسمعه ينطوي على أخطاء عدة تحول دون فهمه له [7].

 في النهاية، تشهد كل لغة تغيرات وتعديلات على مر الزمن، تؤدي إلى ابتعادها عن الأصل الذي انبثقت منه. وهذه عملية طبيعية لا بدّ من حدوثها نتيجة اختلاط الناطقين ببعضهم، وحاجة اللغات إلى احتواء مفردات جديدة للتعبير عن كل ما هو جديد في مجالات الحياة المختلفة ودائمة التطور [8].

اقرأ أيضاً: العائلات اللغوية وتقسيماتها

المصادر:

  1. World History Encyclopedia
  2. ThoughtCo
  3. Britannica
  4. Babbel Magazine
  5. The Ancient Language Institute
  6. Superprof
  7. Language Evolution: How One Language Became Five Languages
  8. BBC

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


غير مصنف فكر تاريخ لغات

User Avatar

Watfa Alassafeen

مترجمة من سوريا. أحب القراءة والكتابة.


عدد مقالات الكاتب : 44
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق