Ad

في السنوات الأخيرة، شهد مفهوم الأمومة تحولا كبيرا. فقبل خمسين عاماً، كان يُنظر إلى إنجاب الأطفال باعتباره التزاماً، في حين أصبح اليوم عدم الإنجاب خياراً شائعاً على نحو متزايد. وهذا الاتجاه لا يقتصر على النساء الأميركيات؛ والواقع أن معدلات المواليد كانت في انخفاض كبير في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك في الصين واليابان وأوروبا والولايات المتحدة.

ووفقًا لتحليل أجرى عام 2020، انخفض متوسط ​​عدد الأطفال لدى المرأة من 4.7 في عام 1950 إلى 2.4 في عام 2017. وقد حاول العديد من العلماء تفسير هذه الظاهرة، مشيرين إلى السموم البيئية، والعوامل النفسية، والحقائق المالية، وحتى المخاوف بشأن تغير المناخ قد تبرر الانخفاض. ولكن ما الذي يدفع هذا التحول بالضبط؟ ومن هم الأشخاص المساهمون في هذا التحول، وما هي الآثار المترتبة على هذا الاختيار؟

تلاشي التزام الأمومة والأبوة

في الماضي، كان يُنظر إلى إنجاب الأطفال في كثير من الأحيان على أنه قاعدة اجتماعية والتزام أخلاقي. ومع ذلك، على مدى العقود القليلة الماضية، بدأت هذه الفكرة تتلاشى ببطء. إن فكرة أن تصبح النساء، على وجه الخصوص، أمهات، كانت بمثابة توقع ثقافي ومجتمعي طويل الأمد. كان هذا التوقع متجذرًا بعمق في الاعتقاد بأن الدور الأساسي للمرأة هو رعاية أسرتها وتربية الأطفال.

ولكن، بدأ هذا التوقع يتغير. ومع التقدم في التعليم، وفرص العمل، وتغيير الأعراف الاجتماعية، أصبحت النساء الآن متمكنات من اتخاذ خيارات بشأن حياتهن، بما في ذلك ما إذا كن سيصبحن أمهات أم لا. هذا التحول لا يقتصر على أي ثقافة أو مجتمع معين؛ إنها ظاهرة عالمية، حيث تقوم النساء في جميع أنحاء العالم بإعادة تقييم أدوارهن وأولوياتهن.

إن تلاشي التزام الأمومة لا يتعلق بالنساء فقط؛ يتعلق الأمر بالديناميكيات المتغيرة للعائلات والعلاقات والمجتمعات ككل. كما يتعلق الأمر بالاعتراف بأن الأبوة هي خيار شخصي، وليست واجبًا.

ظاهرة عالمية

تكشف نظرة فاحصة للبيانات أن هذا الانخفاض كان ثابتا ومستمرا، حيث شهدت بعض البلدان انخفاضات أكبر من غيرها. على سبيل المثال، شهدت كوريا الجنوبية، التي اشتهرت ذات يوم بارتفاع معدلات المواليد، انخفاض معدل الخصوبة إلى مستوى قياسي بلغ 0.8 طفل لكل امرأة في عام 2020. وبالمثل، شهدت إيطاليا وإسبانيا واليونان انخفاضات كبيرة في معدلات المواليد.

إن الآثار المترتبة بعيدة المدى، حيث يحذر الخبراء من أزمة ديموغرافية محتملة في طور التكوين. ومع استمرار انخفاض معدلات المواليد، فإن التركيبة السكانية العالمية آخذة في التحول، مما يؤدي إلى شيخوخة السكان بسرعة وتقلص القوى العاملة. ومن المتوقع أن يؤدي هذا بدوره إلى الضغط على أنظمة الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والاقتصادات ككل.

عدم الإنجاب

العوامل البيئية والنفسية

اشتبه العلماء منذ فترة طويلة في أن المستويات المرتفعة من السموم البيئية، قد تضعف عدد الحيوانات المنوية وحركتها، مما يؤدي إلى العقم. ولكن هذا ليس كل شيء، فقد كشفت استطلاعات الرأي الأخيرة أيضًا عن دور مهم للعوامل النفسية في قرار البقاء بدون أطفال.

على سبيل المثال، وجد تحليل أجري عام 2020 أن حوالي ثلث الشباب في سن الإنجاب غير متأكدين مما إذا كانوا يريدون الأطفال، في حين أن 20% اتخذوا بالفعل قرارهم ضد الأبوة والأمومة. كما أن الحقائق المالية، مثل ارتفاع معدلات الرهن العقاري وفقدان الوظائف ذات الأجر المرتفع، تجعل النساء متحيزات لتأخير قرارهن بإنجاب الأطفال حتى يصبحن آمنات ماليا، وغالبا حتى ما يدركهن الوقت ويصلن إلى سن اليأس.

علاوة على ذلك، أظهرت الدراسات أن تغير المناخ يشكل مصدر قلق كبير للشباب، حيث أفاد 39% منهم أنهم يترددون في إنجاب الأطفال بسبب المخاوف بشأن العواقب طويلة الأجل لتغير المناخ على نوعية حياتهم في المستقبل. وهذا تناقض صارخ مع الأجيال السابقة، التي رأت في الأطفال مساهمتها في نجاح المجتمع في المستقبل.

علاوة على ذلك، فإن الافتقار إلى الدعم للأمهات العاملات يشكل أيضًا عائقًا كبيرًا. في العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، لا توجد سياسة إجازة أبوة مدفوعة الأجر، كما أن رعاية الأطفال إما باهظة الثمن أو غير متاحة بسهولة. وهذا يؤدي إلى معاناة الأمهات العاملات من مزيد من التوتر وانخفاض الرضا عن الحياة والعلاقات. ونتيجة لذلك، تختار العديد من النساء أنماط حياة بديلة تناسب اهتماماتهن وأهدافهن بشكل أفضل، مثل متابعة الوظائف، أو السفر، أو التركيز على التنمية الشخصية.

الندم والعلاقات والحقوق الإنجابية

مع استمرار ارتفاع معدل عدم الإنجاب، تلوح في الأفق مسألة ما إذا كانت المرأة تندم على قرارها بالبقاء بلا أطفال. وتشير الأبحاث إلى أن الإجابة تكمن في شبكة معقدة من العوامل. وفي دراسة أجرتها جامعة ولاية ميشيغان، تبين أن ما يقرب من 20% من البالغين في ميشيغان لم ينجبوا باختيارهم، ومن المثير للدهشة أنهم لم يظهروا مستويات أعلى من الندم على الحياة مقارنة بكبار السن الذين أنجبوا.

علاوة على ذلك، تكشف دراسات من بلدان متقدمة أخرى أن ما بين 5% إلى 15% من الآباء يعبرون عن ندمهم على إنجاب الأطفال، وهو ما يسلط الضوء على التعقيد الكامن في هذا القرار. لم يتم ذكر أسباب هذا الندم صراحة، ولكن من الواضح أن الطريق إلى الأبوة والأمومة مشوب بعدم اليقين.

وفي الولايات المتحدة، أدى التراجع الأخير عن الحقوق الإنجابية إلى زيادة تقعد الأمور، وترك العديد من النساء في وضع محفوف بالمخاطر. اعتمادًا على الحالة التي يعيشون فيها، يمكن أن يكون للحمل غير المخطط له عواقب تهدد الحياة، مما يجعل قرار الحمل مقامرة عالية المخاطر. بل إن المخاطر أعلى بالنظر إلى أن ما يقرب من نصف حالات الحمل في الولايات المتحدة تكون غير مخطط لها.

وبينما يتصارع المجتمع مع عواقب هذا التحول، من الضروري الاعتراف بالطبيعة المتعددة الأوجه للخيارات الإنجابية. إن حرية اختيار، أو عدم اختيار، الأبوة والأمومة ترتبط ارتباطا وثيقا بالحقوق الإنجابية، والرضا عن العلاقات، وتحقيق الذات. ومن خلال دراسة تعقيدات هذه الظاهرة، يمكننا أن نبدأ في فهم الندم، والعلاقات، والحقوق الإنجابية، وتمكين الأفراد في نهاية المطاف من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن أجسادهم وحياتهم.

المصدر

Why Are More Women Choosing to Be Childless? | psychology today

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 2]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم الإنسان علم نفس علم اجتماع

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 549
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *