في منتصف التسعينيات، عثر عالم المحيطات الكابتن تشارلز مور على اكتشاف مثير للقلق. حيث يوجد تراكم هائل من النفايات البلاستيكية في المحيط الهادئ، المعروف الآن باسم رقعة نفايات المحيط الهادي العظيمة. ومنذ ذلك الحين، زاد فهمنا للتلوث البلاستيكي، وتفاقمت المشكلة. في هذه المقالة، سوف نتعمق في عملية تحويل النفط إلى بلاستيك، والأثر البيئي لإدماننا على البلاستيك. كما نستكشف إمكانيات البدائل القابلة للتحلل.
محتويات المقال :
غالبًا ما يغطي مصطلح “البلاستيك” نطاقًا واسعًا من المواد غير المتجانسة، ولكل منها تطبيقات مختلفة تتطلب خصائص فيزيائية مختلفة جدًا. في الواقع، هناك أكثر من 300 نوع من البلاستيك معروف. ولكن ما الذي يجعل البلاستيك متعدد الاستخدامات؟
وإذا كانت المواد البلاستيكية مختلفة إلى هذا الحد، فما الذي يجمع بينها؟ إنها مصنوعة من البوليمرات، وهي جزيئات تتألف من العديد من الوحدات المتكررة، في تكوينات تمنح البلاستيك العديد من الصفات المرغوبة، مثل المرونة، والقابلية للتشكيل والقوة، التي غالبًا ما تشترك فيها.
كما تنقسم المواد البلاستيكية عمومًا إلى فئتين عريضتين، المواد البلاستيكية القائمة على المواد الحيوية، حيث يتم استخلاص البوليمرات من مصادر مثل نشا الذرة والدهون النباتية والبكتيريا؛ والمواد البلاستيكية “الصناعية”، حيث يتم تصنيع البوليمرات من النفط الخام والغاز الطبيعي.
وعلى الرغم من اسمها، فإن البوليمرات القائمة على المواد الحيوية لا تتمتع تلقائيًا بسجل بيئي جيد، لأنها قد تظل أيضًا في البيئة ولا تتحلل بيولوجيًا. لأن ليس كل البلاستيك القائم على المواد الحيوية عبارة عن بوليمرات قابلة للتحلل البيولوجي، وليست كل المواد البلاستيكية القابلة للتحلل البيولوجي قائمة على المواد الحيوية. ومع ذلك، فإن المواد المشتقة من النفط والغاز الطبيعي تسبب ضررًا بيئيًا واضحًا، لأن البلاستيك في هذه الفئة يميل إلى البقاء في البيئة لفترة أطول، في حين يتسبب في تأثيرات بيئية أخرى أيضًا.
تبدأ عملية تحويل النفط إلى بلاستيك بالنفط الخام الذي يتم استخراجه من القشرة الأرضية. وتتكون هذه الرواسب الكثيفة من الهيدروكربونات، وهي مركبات مصنوعة من مزيج من ذرات الكربون والهيدروجين التي تشكل سلاسل ذات أطوال مختلفة، مما يمنحها خصائص مختلفة. هذه الهيدروكربونات هي أقدم المواد الخام للبلاستيك، والتي صنعتها الأرض جاهزة.
يبدأ إنتاج البلاستيك فعليًا في مصفاة النفط، وهي منشأة صناعية تتم فيها عمليات تكرير النفط لتحويله من شكله الخام إلى المشتقات النفطية المختلفة. حيث يتم تسخين النفط الخام الشبيه بدبس السكر فوق فرن يفصل الهيدروكربونات إلى مجموعات مختلفة، بناءً على عدد الذرات التي تحتوي عليها ووزنها الجزيئي الناتج، ثم يتم نقلهم في أنبوب تقطير قريب. داخل هذا الأنبوب، تغوص الهيدروكربونات الأطول والأثقل عادةً إلى الأسفل، بينما ترتفع الهيدروكربونات الأقصر والأخف وزنًا إلى الأعلى.
والنتيجة هي أن النفط الخام يتم فصله إلى عدة مجموعات متميزة من المواد الكيميائية للاستخدام، مثل البترول والبنزين والبارافين، وتحتوي كل منها على هيدروكربونات لها نفس الوزن والطول. إحدى هذه المجموعات هي النفثا (naphtha)، وهي مادة كيميائية ستصبح المادة الخام الأساسية لصنع البلاستيك.
النفثا تشبه غبار الذهب في إنتاج البلاستيك، لأن اثنين من الهيدروكربونات العديدة التي يحتوي عليها هما الإيثان والبروبين. وهذان المركبان ضروريان لتكوين البولي إيثيلين. ولكن لكي يتم تحويلها إلى شيء يمكن استخدامه فعليًا في صناعة البلاستيك، يجب تفكيك الإيثان والبروبين من حالتهما الهيدروكربونية الخام إلى وحدات أصغر.
لإنتاج البلاستيك، يجب تقسيم الإيثان والبروبين إلى وحدات أصغر تسمى المونومرات. ويتم تحقيق ذلك من خلال عملية تسمى التكسير البخاري (steam cracking)، والتي تطبق حرارة وضغطًا عاليين في بيئة خالية من الأكسجين. يتم بعد ذلك دمج المونومرات الناتجة، الإيثيلين والبروبيلين، من خلال عملية تسمى البلمرة، لتكوين سلاسل متكررة طويلة تعرف باسم البوليمرات.
يتكون البولي إيثيلين والبولي بروبيلين، وهما من البوليمرات الأكثر إنتاجًا على نطاق واسع، من هذه المونومرات. يتيح تعدد استخدامات البولي إيثيلين استخدامه في مجموعة متنوعة من التطبيقات، بدءًا من الأكياس البلاستيكية وحتى الحاويات البلاستيكية القوية. ومرونة مادة البولي بروبيلين تجعلها مثالية لمواد مثل زجاجات الشامبو وأغطية الزجاجات.
عندما ننتج البلاستيك، فإننا نصنع شيئًا جديدًا تمامًا، غير مألوف للكائنات الحية الدقيقة في بيئتنا. حيث لا تستطيع الكائنات المسؤولة عن تحلل المواد العضوية، هضم البلاستيك لأنها لا تتعرف على المحتوى الكربوني الخاص بها.
حيث تتضمن عملية صنع البلاستيك عزل الهيدروكربونات من النفط الخام والغاز الطبيعي، وتقسيمها إلى الأجزاء المكونة لها، ثم إعادة تشكيل هذه الأجزاء إلى تكوينات جديدة تمامًا لم يسبق لها مثيل في الطبيعة. وهذا يخلق مادة “غريبة” غير قابلة للتحلل، على عكس المواد العضوية الطبيعية التي يمكن تفكيكها بسهولة بواسطة الكائنات الحية الدقيقة.
لا تتعرف بكتيريا التربة على محتوى الكربون الموجود في البلاستيك المُصنّع، مما يعني أنها لا تستطيع هضمه وتحويله إلى ماء وثاني أكسيد الكربون. وهذا هو السبب وراء بقاء المواد البلاستيكية المشتقة من النفط والغاز الطبيعي في البيئة، حيث تستغرق قرونًا لتتحلل في مواقع دفن النفايات. إن الحجم الهائل للتلوث البلاستيكي بالإضافة إلى استمراره وتأثيره البيئي المستمر الذي يمكن أن يستمر لعدة قرون، قد خلق الكارثة البيئية التي نراها اليوم.
البلاستيك موجود في كل مكان. فنحن ننتج الآن أكثر من 300 مليون طن من البلاستيك سنويًا، ونصف هذا تقريبًا مخصص للاستخدام مرة واحدة، مما يعني أنه يتم التخلص منه فورًا بعد أن يخدم غرضه. وقد أدى هذا إلى مشكلة متزايدة تتمثل في ذهاب النفايات البلاستيكية إلى مكبات النفايات، وبعض هذه النفايات تنحرف عن مسارها وتشق طريقها إلى الأنهار وفي النهاية البحر.
في الواقع، يدخل حوالي 8 ملايين طن من نفايات البلاستيك إلى المحيط كل عام، حيث يتشابك مع الحياة البحرية، ويلوث الشعاب المرجانية وفي النهاية، يتعرض للتحلل بواسطة الماء والرياح والشمس، يتفكك إلى تريليونات من قطع البلاستيك الدقيقة.
تبدو جزيئات البلاستيك هذه أشبه بالطعام للعديد من الأنواع البحرية، التي تتغذى بعد ذلك عليها، وينتهي بها الحال إلى الجوع بسبب نقص التغذية الحقيقية. كما تجتذب أسطح البلاستيك الدقيق الملوثات في المحيط، وتنتهي بنقلها إلى أجسام الحيوانات، مع تأثيرات لا نزال نحاول فهمها.
وهناك احتمال أن يضر البلاستيك الدقيق بالبشر أيضًا، لأننا نستهلكه من خلال المأكولات البحرية وحتى في مياه الشرب: في عام 2019، دعت منظمة الصحة العالمية إلى إجراء المزيد من الأبحاث حول التأثيرات المحتملة لتلوث البلاستيك الدقيق على صحتنا.
يعتقد الباحثون أن البلاستيك القابل للتحلل الحيوي يمكن أن يكون الحل. وهذا لا يعني بالضرورة إنتاج البلاستيك من مصادر حيوية مثل نشا الذرة (على الرغم من أن ذلك يمكن أن يوفر حلاً). وبدلا من ذلك، فإنه يستلزم تصنيع البلاستيك من البوليمرات التي يمكن تفكيكها بكفاءة معقولة بواسطة الميكروبات الموجودة في الماء والتربة.
أحد الخيارات القابلة للتحلل الحيوي والتي بدأت في إحراز تقدم هو نوع يسمى (polylactides)، والذي يتم استخدامه لصنع عناصر ذات استخدام واحد مثل الأكواب وأدوات المائدة التي يمكن أن تتحلل بيولوجيًا بشكل أكثر فعالية بمجرد وجودها في البيئة. يمكن أن يغير هذا كل شيء، لأنه يعني أن النفايات البلاستيكية التي ننتجها يمكن تحليلها بشكل طبيعي، مما يقلل من كمية البلاستيك التي ينتهي بها الأمر في المحيطات ومدافن النفايات.
ولكن هذا ليس كل شيء. اكتشف الباحثون أيضًا البكتيريا الآكلة للبلاستيك والديدان والإنزيمات التي يمكن هندستها لتفكيك النفايات البلاستيكية. قد يبدو الأمر مثل الخيال العلمي، لكنه ليس بعيد المنال كما يبدو.
How do we turn oil into plastic? | live science
لقد تصارع الفلاسفة لفترة طويلة مع مفهوم المعاناة، ولكن في الفلسفة الوجودية (Existentialism) تتلقى المعاناة…
قامت دراسة حديثة نشرت في مجلة (Science) في 27 سبتمبر 2024، باقتراح دفن الخشب لمكافحة…
لقد شهدت الفيزياء تحولا كبيرا في السنوات الأخيرة مع الاعتراف بالمساهمات البارزة للمرأة. ومن بين…
هل تريد أن تتكيف ملابسك مع درجة حرارة جسمك في الوقت الفعلي، وأن ترتدي نفس…
في عملها المبدع "الحالة الإنسانية"، دقت الفيلسوفة حنة آرنت (Hannah Arendt) ناقوس الخطر بشأن تآكل…
لطالما كان جبل إيفرست، أطول جبل على وجه الأرض، أحد عجائب العالم الطبيعي، لكن دراسة…