Ad

ما نعرفه عن عمل المفاعلات النووية، هو أنها تُنتج الطاقة الكهربائية من خلال تفاعلات نووية. لكن ما الذي يحدث بالضبط داخل المفاعل النووي؟ هذا ما نحاول كشفه في هذا المقال.

مبادئ عمل المفاعلات النووية

تقوم المفاعلات النووية على عدة مبادئ فيزيائية من أجل القيام بدورها في إنتاج الطاقة الكهربائية. فتستغل الطاقة الناتجة عن الانشطار النووي، وتتحكم بها من خلال الإبقاء على استمرار عملية الانشطار ثابتة، فلا هي تتزايد فيحدث انفجار ولا هي تخمد فيخرج المفاعل عن العمل. و من أبرز الظواهر التي تتظافر من أجل النهوض بهذه المهمة، نجد الطاقة النووية الناتجة عن التفاعل التي هي أساس العمل كله، ثم التفاعل التسلسلي وإبطاء النيوترونات والتخصيب، التي تحافظ مجتمعة على إمدادات الطاقة النووية.

الطاقة النووية

تنتج الطاقة النووية التي تستخدم في المفاعلات النووية عن ظاهرة الانشطار النووي (انقسام نواة إلى نواتين أخف منها). وتحدِّد معادلة أينشتاين الشهيرة كمية الطاقة المحررة أثناء التفاعل، حيث تكتب على الشكل التالي:

الطاقة المحررة أثناء تفاعل نووي

وبعبارة أخرى، تساوي الطاقة الناتجة عن التفاعل ΔE فرق كتل المتفاعلات عن النواتج Δm. وتمثل الثابتة C سرعة الضوء في الفراغ [1].

وتساوي الطاقة الناتجة عن التفاعل النووي ما يعادل 200MeV. ولتخيل هذه الكمية الهائلة من الطاقة، فإن غراما واحدًا من اليورانيوم المنشطر يعادل طُنين من الفحم الحجري [1].

التفاعل التسلسلي

يحفِّز نيوترون ظاهرة الانشطار النووي عند اصطدامه بنواة اليورانيوم، فتنشطر هذه الأخيرة محرِّرة معها بضعة نيوترونات (2 أو 3)  تدخل بدورها في انشطارات جديدة، وهذا ما يدعى ب «التفاعل التسلسلي-Chain Reaction». ومن أن أجل ألا يخرج هذا التفاعل عن السيطرة في المفاعلات النووية، يتم التحكم به من خلال إدخال مواد تمتص النيوترونات الزائدة، فلا تسمح إلا ببقاء نيوترون واحد بعد كل تفاعل.  

ولوصف حالة التفاعل التسلسلي، نستعمل «معامل التضاعف الفعال-effective multiplication factor» الذي يحدد ما إذا كان عدد النيوترونات، بين كل انشطار والذي يليه، يتزايد أو يتناقص.  ويُعَرّف بالشكل التالي:

معامل التضاعف الفعال

حيث يمثل ni عدد النيوترونات في جيل ما، وni+1 عددها في الجيل الذي يليه [1].

إبطاء النيوترونات

بعد انبعاثها من التفاعل النووي، تكون النيوترونات سريعة جدا (20000km/s) بحيث لا تستطيع ذرات اليورانيوم التقاطها من أجل بدء تفاعل جديد. لهذا، يتم إبطاء هذه النيوترونات حتى تصير «نيوترونات حرارية-Thermal Neutrons» (تقل سرعتها عن 2km/s)، وذلك بإخضاعها لسلسلة من التشتتات تُفقدها طاقتها الحركية. وتتجلى ظاهرة «التشتت Scattering-»  في ارتطام النيوترون بالجسيمات التي تعترض طريقها مع الانزياح عن مساره في كل اصطدام. ويصحب هذا التصادم انتقال جزء من طاقة البروتون إلى الجسيم الذي يرتطم به [2].

وتُستعمل لإنجاز مهمة الإبطاء هذه الذرات الخفيفة، لأن كل تصادم للنيوترون معها يفقده كمية مهمة من الطاقة (على عكس الذرات الثقيلة)، فيكون عدد التصادمات اللازمة لجعل النيوترون حراريًا صغيرًا. وبالتالي تقل احتمالية امتصاصه بشكل كلي من قبل أحد الجسيمات التي يتفاعل معها. وتستعمل المفاعلات النووية الهيدروجين الموجود في الماء عادة من أجل إبطاء النيوترونات رغم أنه يمتص بشكل كلي عددا لابأس به منها. وفي بعض الأحيان، يتم استبداله بالديوتيريوم الموجود في الماء الثقيل رغم كلفته الباهضة. وقد تم استعمال الغرافيت (الكربون) أيضا كمثبط للنيوترونات في بعض المفاعلات. لكن تبقى كفاءة هذا الأخير أقل بكثير من سابقيه، حيث يحتاج نيوترون بطاقة 2MeV إلى 120 تصادما مع ذرات الغرافيت ليصبح حراريًا مقابل ما يقارب 30 تصادما مع الهيدروجين أو الديوتيريوم [3].

و يتم قياس قدرة الذرات على إبطاء النيوترونات (في حالة التشتت المرن) بواسطة «معامل التباطؤ- Slowing-down Parameter» ξ، الذي يحدد نسبة الطاقة (المتوسطة) المفقودة لكل اصطدام إلى الطاقة الكلية للنيوترون. ويعتبر الهيدروجين، حسب هذا المعامل، أفضل مثبط، حيث تبلغ النسبة  فيه 100%. مما يعني أن النيوترون يفقد كل طاقته خلال تصادم واحد فقط. وللذكر فقط، فالمعامل لا يأخذ بعين الاعتبار نسبة النيوترونات التي يمتصها الهيدروجين كليًا [4].

التخصيب

من بين جميع نظائر اليورانيوم، فإن اليورانيوم-235 هو وحده القادر على الانشطار داخل المفاعلات النووية. وللأسف لا تشكل نسبته سوى 0.7% من اليورانيوم الطبيعي، بينما تشكل  نسبة اليورانيوم-238 غير القادر على الانشطار حوالي 99.3%. وهنا يأتى دور عملية التخصيب التي تقوم على رفع نسبة اليورانيوم-235 مقارنة باليورانيوم-238. ويتم حساب نسبة التخصيب بقسمة عدد ذرات اليورانيوم-235 على العدد الكلي لذرات اليورانيوم في عينة ما [2].

 وتكون نسبة التخصيب في المفاعلات عادة بين 3% و5%. وقد تتعداها إلى 20% في بعض الأحيان. أما بالنسبة للقنابل النووية فتفوق نسبته 90%.

ولا يمكن للوقود النووي أن يُفَعِّل سلسلة الانشطار النووي حتى تفوق كتلة اليورانيوم-235، في حجم معين من هذا الوقود، ما يسمى ب «الكتلة الحرجة-Critical Mass». ذاك أن باقي مكونات الوقود النووي قد تمتص كل النيوترونات التي تغدي التفاعل التسلسلي في حالة كانت كتلة اليورانيوم-235 أقل من المطلوب. وبالتالي، تمنع المفاعل عن العمل [2].

مكونات المفاعلات النووية

تقوم المفاعلات النووية بتحويل طاقة الانشطار إلى طاقة كهربائية بفضل تركيبته المعقدة والتي تسمح بخروج الطاقة دون أي تسرب للمواد المشعة. وتتضمن هذه المكونات قلب المفاعل الذي يحوي الوقود النووي، وأعمدة التحكم التي تسيطر على التفاعل التسلسلي والمحولات الحرارية التي تعمل على نقل الطاقة إلى خارج قلب المفاعل.

قلب المفاعل

يتركز الوقود النووي في قلب المفاعل النووي. ويتم جمع هذا الوقود على شكل أقراص صغيرة من ثنائي أكسيد اليورانيوم (UO2) يتم ضغطها في أعمدة طويلة. ويتخلل هذه الأعمدة ما يسمى ب «المُبرِّد -Coolant»، وهو سائل يعمل كناقل للحرارة (عادة ما يتم استعمال الماء). بالإضافة إلى « المُثبِّط -Moderator»، الذي يقوم بإبطاء النيوترونات. ويحيط بقلب المفاعل وعاء مضغوط يحفظ المواد المشعة من التسرب خارجه [1].

أعمدة التحكم

تتحكم أعمدة التحكم (أو ذراع التحكم كمافي الشكل) في التفاعل التسلسي. ذاك أنها تحوي مواد تمتص النيوترونات الناتجة عن الانشطار النووي كالكاديوم والبورون. ويتم إدخال الأعمدة في قلب المفاعل أو رفعها حسب الطاقة المراد استخراجها. ففي حال تشغيل المفاعل، تُرفع مجموعة من الأعمدة من القلب، فيضل عدد النيوترونات يتزايد مع كل انشطار حتى تصل الطاقة إلى الحد المرغوب. ويكون المفاعل هنا في حالة «فوق حرجة-Supercritical» (keff >1). أما في الحال الطبيعي، فيكون المفاعل في الحالة «الحرجة-Critical» (keff = 1) حيث يظل عدد النيوترونات ثابتا بمرور الوقت. وفي حال أردنا إيقاف تشغيل المفاعل، نُنزل جميع الأعمدة إلى القلب. فيظل عدد النيوترونات يتناقص إلى أن ينعدم كليًا. ويصير المفاعل في حاالة  «دون حرجة-Subcritical»(keff <1) [1].

محولات حرارية

تقوم المحولات الحرارية بضمان تحويل الطاقة النووية إلى طاقة كهربائية. وتتضمن نظامين للتبريد: نظام التبريد الأساسي الذي يوجد داخل وعاء المفاعل النووي ونظام التبريد الثانوي، حيث يتحول السائل إلى بخار يعمل على تحريك توربين مرتبط بمولد كهربائي (انظر الشكل) [5].

داخل نظام التبريد الرئيسي، يتلامس السائل (الماء) مع الوقود النووي فترتفع درجة حرارته كثيرًا. وحتى لا يتبخر السائل يخضع نظام التبريد لضغط عال، ففي أغلب الأحيان، يكون المبرِّد هو نفسه المثبِّط، وهذا الأخير لا يستطيع إبطاء النيوترونات في الحالة الغازية. وتضمن إحدى المضخات حركة السائل داخل وعاء المفاعل [5].

بالنسبة لنظام التبريد الثانوي، فإنه يقوم باستقبال الحرارة من النظام الرئيسي، فيتحول الماء الذي يُضخ داخله إلى بخار. يقوم هذا الأخير بتحريك توربين مرتبط بمولد كهربائي، ثم يعود إلى الحالة السائلة بفضل مكثف للماء (انظر الشكل) [5].

آلية عمل مفاعل نووي

ختامًا، فإن عمل المفاعلات النووية أعقد من أن يغطيه مقال كهذا. ففيزياء المفاعلات النووية تشكل لوحدها فرعًا من فروع الفيزياء لها علماؤها ومختبراتها. لكننا نحاول قدر الجهد تسليط الضوء على ما يحدث داخل المفاعلات النووية. وفي المقال التالي سنركز على أنواع المفاعلات النووية الموجودة في العالم وكيفية تطورها.

المصادر

[1] Physique des Réacteurs Nucléaires

[2] Principes fondamentaux des réacteurs CANDU
[3] https://www.laradioactivite.com/site/pages/Moderateurs_Neutrons.htm

[4] The Physics of Nuclear Reactors

[5] https://www.irsn.fr

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء

User Avatar

مريم بلحساوية


عدد مقالات الكاتب : 27
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : صفاء بلحساوية

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *