Ad
هذه المقالة هي الجزء 3 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

تعرف «الثقوب السوداء-Black holes» بأنها مناطق من نسيج الزمان-المكان تكون جاذبيتها عالية لدرجة حتى الضوء لا يستطيع الفرار منها. ولعل أكثر خواصها أهمية وإثارةً للانتباه –وهو الجاذبية الهائلة- يعود إلى الطريقة العنيفة التي تشكلت بها. ولاسيما أن أعظم العلم يختبئ في البدايات، فكيف تتشكل الثقوب السوداء؟

لا تتشكل الثقوب السوداء من تلقاء ذاتها، بل يمكن اعتبارها مرحلةً متأخرةً أو مصيرًا محتملًا للنجوم فائقة الكتلة. فهي ببساطة ما تؤول إليه بعض النجوم بعد موتها.

كيف تموت النجوم؟

يتحدد مصير النجوم منذ ولادتها. حيث تنشأ النجوم عند دوران سحابة عملاقة من الغاز حول نفسها، فينضغط الغاز وتزداد سرعة دورانه تباعًا. يؤمن الضغط والحرارة هذان البيئة لحدوث تفاعلات الاندماج النووي التي تحدث على ثلاث مراحل. وتتحول فيها نواتا ذرتي هيدروجين (البروتون حيث لا تحتوي نواته على نيوترون) إلى ذرة «ديتريوم-Deuterium»، لتندمج الأخيرة مع بروتون آخر معطيةً ذرة هيليوم-3. وأخيرًا تندمج ذرة الهيليوم-3 مع بروتون وتعطي ذرة هيليوم-4 مكونة من بروتونين اثنين ونيوترونين. وتكون كتلة نواة الهيليوم الناتجة أصغر بقليل من مجموع كتل الجسيمات التي تكونها. أما فرق الكتلة هذا فيتحول إلى طاقة تنطلق بشكل أشعة كهرومغناطيسية تنبعث خارج النجم. [1]

التوازن الهيدروستاتيكي

يصحب إطلاق الأشعة الكهرومغناطيسية الناتجة عن التفاعلات النووية ضغط متجه نحو الخارج، في حين تؤثر الجاذبية في كل نقطة من الشمس محاولة ضغطها نحو الداخل. وأما التوازن بين هاتين القوتين المتعاكستين فيسمى «التوازن الهيدروستاتيكي-Hydrostatic equilibrium» وهو حالة ترافق النجوم طيلة حياتها، ويؤدي غيابه إلى انهيارها على نفسها بفعل الجاذبية. [2]

والآن لنتخيل أن وقود النجم من الهيدروجين (أو أي عنصر آخر كانت تجري عليه التفاعلات سابقًا) نفذ، وكانت درجة حرارته لا تكفي لحدوث تفاعلات الاندماج النووي على  ذرات أثقل منه. في هذه الحالة ينعدم التوازن الهيدروستاتيكي بسبب انعدام الضغط المتجه خارج النجم. في حين لا تتأثر قوة الجاذبية، بل تصبح مسيطرةً على حالة النجم، وهنا يموت النجم منكمشًا على نفسه. [3]

مصير النجوم وحد تشاندراسيخار

يعتمد مصير النجم بعد موته على الحالة التي سيتوقف عندها عن الانهيار. وبما أن انهيار النجم يحدث بفعل الجاذبية، والتي تتحدد شدتها بحسب كتلة النجم، فإن مصير النجم بأكمله متوقف على كتلته. وهنا يأتي مفهوم «حد تشاندراسيخار-Chandrasekhar limit» ليتوقع لنا مصير النجم بناءً على كتلته، حيث يساوي هذا الحد حوالي 1.4 كتلة شمسية. ويضعنا ذلك أمام احتمالين، إما أن تكون كتلة النجم أقل من هذا الحد أو أكبر منه. [4]

1.أقل من حد تشاندراسيخار

في أثناء انهيار النجم، تعمل الجاذبية على ضغط مادته بشدة لتجعل الذرات متراصةً فوق بعضها. وهنا يأتي دور «مبدأ باولي للاستبعاد-Pauli principle of exclusion» أحد أهم مبادئ ميكانيكا الكم. فيمنع هذا المبدأ الجسيمات مثل الالكترونات من التواجد في الحالة الكمية نفسها. [5]

تتعرف الحالة الكمية للإلكترونات بأربعة عناصر هي مستواه الطاقي الرئيسي في الذرة (العدد الكمي الرئيسي n)، ومستواه الطاقي الثانوي (العدد الكمي المداري l)، وتوجه مداره في الفراغ (عدده الكمي المغناطيسي m)، وحركته المغزلية وجهتها (عدده الكمي المغزلي s). [6]

وفي حين تعمل الجاذبية بضغطها جميع الذرات إلى نفس النقطة على جعل جميع الكترونات النجم في نفس الحالة الكمية مخالفةً مبدأ باولي، تقاومها قوة تعرف باسم «قوة تنكس الالكترونات-Electron degeneracy pressure». وتوقف هذه القوة انهيار النجم فيتشكل ما يسمى «القزم الأبيض-White dwarf».
[7]

تكون هذه القوة كافية لردع قوة الجاذبية في حال كانت كتلة النجم أقل أو مساوية لحد تشاندراسيخار. ولكن في حال كان أكبر من ذلك، تفشل قوة تنكس الالكترونات ويستمر الانهيار. [4]

2. أكبر من حد تشاندراسيخار

في هذه الحالة، يستمر النجم بالانهيار على نفسه، مجبرًا الالكترونات والبروتونات على الانصهار والتحول إلى نيوترونات، فتصبح مادته ذات كثافة فائقة. وهنا يأتي دور مبدأ باولي بالاستبعاد مرة أخرى. ولكن بدلًا من تطبيقه على الالكترونات نطبقه على النيوترونات، حيث ينشأ ما يعرفه الفلكيون باسم «قوة تنكس النيوترونات- Neutrons degeneracy pressure». وكسابقتها، توقف هذه القوة النجم عن الانهيار، ويصبح اسمه نجمًا نيوترونيًا.

وكما في الحالة السابقة، تكون هذه القوة غير كافية لردع قوة الجاذبية في حالة كانت كتلة النجم أكبر ن 3 أضعاف كتلة الشمس. [8]

تشكل الثقوب السوداء

في حالة كانت كتلة النجم أكبر من 3 أضعاف كتلة الشمس، فليس هناك قوة في الطبيعة، ولا أي قوة كمية، ولا ضغط تنكس كمي في الكون قادر على إيقاف الانهيار الذي سيستمر موصلًا المادة إلى حالة من أغرب ما رصده الإنسان في الكون، أو ما نعرفه باسم الثقوب السوداء. ففي حالة الثقوب السوداء، تكون كثافة المادة عالية لدرجة أنها تدفع منطقتها من نسيج الزمان -المكان إلى ما وراء هذا النسيج، مبعدةً إياه عن أنظار باقي الكون. [9]

وحتى هذه اللحظة، لا زال بالإمكان اعتبار الثقوب السوداء أحد ألغاز كوننا، ورغم أن ما نعرفه عنها ليس بقليل، لكنه بالتأكيد لا يرنو للإحاطة بغموضها وكشف ما تخفيه وراءها.

المصادر:

[1] CERN
[2] Harvard CFA
[3] The National Radio Astronomy Observatory
[4] NASA
[5] ScienceDirect
[6] ScienceDirect_2
[7] Western Michigan university
[8] NASA_2
[9] space

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء فلك فضاء

User Avatar

Mira Naffouj

طالبة ثانوية مهتمة بعلم الفلك والفيزياء الفلكية


عدد مقالات الكاتب : 34
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق