Ad

كان من نتائج انتصار العثمانيين في جالديران أن ازدادت مخاوف قنصوه الغوري من أن الخطر العثماني المهدد لسلطنته بات وشيكا. ويبدو أن تحركات سليم العسكرية بعد واقعة جالديران كانت تشير إلى ذلك، فبعد انسحابه من الأراضي الإيرانية، توسع نوعا ما في أرمينيا. وهكذا أصبح الطريق مفتوحًا أمام الجيش العثماني بين أريفان العاصمة الأرمينية وحدود الدولة المملوكية، لكي يواجه المماليك بعد أن امتلك العثمانيون تلك التخوم العليا من بلاد الجزيرة الفراتية.

أخذ سليم الأول بتسريع وتيرة الأحداث نحو الحرب العثمانية المملوكية، فعمل على تصفية إمارة ذي القادر تحت إمرة علاء الدولة والمشمولة بحماية المماليك. والهدف الاستراتيجي لذلك هو تأمين هذه المنطقة خوفا من انقضاض أحد أعدائه على مؤخرة جيشه وهو في طريقه لملاقاة المماليك. فاستولى على جميع أراضيه بما في ذلك عاصمته أبلستين وعنتاب ومرعش. وبات العثمانيون على مقربة ونقطة تماس مباشرة مع الحدود المملوكية.

رسالة سليم للغوري

فبسقوط إمارة ذلقادر ومقتل علاء الدولة، لم يعد للماليك نفوذ فيها. فتم تعيين علي بن شاه سوار أميرا عليها وسكت العملة وقرأت الخطبة باسم سليم الأول. مما حمل قنصوه الغوري على الغضب فأرسل رسالة مع قاصده إلى سليم الأول، يذكره فيه بأن ما حدث غير لائق ويطلب منه أن تقرأ الخطبة باسمه كما كانت على النظام السابق. فغضب سليم من رسالة الغوري وأجاب، فلتقرأ الخطبة له وتضرب السكة باسمه في مصر إن أراد!              

ولعلنا برد سليم هذا على رسالة الغوري، نستطيع أن نستقرأ ما كان قد استقر في ذهنه. فها هو قد بدأ يغير على الإمارات التابعة للماليك في الأناضول ويستولي على بعضها دون اكتراث أو اهتمام بقوة المماليك التي تساندهم وتحمي عروشهم. بل ويهدد سلطان المماليك بأن لو أراد، لقرأت الخطبة وضربت السكة باسمه في مصر. بل وفي تحدي قنصوه الغوري واستفزازه، تمادى سليم الأول فبعث برأس علاء الدولة ورأس ولده ورأس وزيره  مع قاصده إلى الغوري. وهنا يعلق ابن اياس فيقول بأن ابن عثمان يقصد في الباطن إثارة فتنة كبيرة وأظهر التحرش بالسلطان وفتح باب الشر. غير أن ثمة تشبيها جميلا  نجده عند ابن زنبل في تعليقه على هذه الواقعة فيقول بأن الغوري حينما رأى تلك الرؤوس، أحس قلبه بزوال ملكه. لما يعلمه قنصوه من اختلاف عسكره عليه كما الحال مع علاء الدولة حينما اختلف عسكره عليه بفضل ظهور علي بن شاه سوار. فإن الملك ليس ملكا إلا بالعسكر، فإذا انحرف عليه عسكره ضاع ملكه.

في مسألة تحالف الغوري مع الشاه اسماعيل

هنا نجد ثلة من الباحثين العرب يحدثوننا عن شبهة تحالف تمت بين الغوري وبين الشاه اسماعيل. فنجد مثلا د. محمد مصطفى زيادة يقول بأنه بعد أن أمست دولة المماليك معرضة للهجوم من ثلاث جهات، وإحساس السلطان الغوري بالخطرالمهدد لإمبراطوريته. على حين كان الشاه اسماعيل يعمل على الثأر من سليم الأول، ويبحث عن حليف يستعين به ضده بين الدول المسيحية والإسلامية سواء. حتى وجد من السلطان الغوري استعدادا لمؤزارته في تحقيق أمنيته، وذلك بناء على كتاب ورد إليه من القاهرة على يد الشيخ الشانجقي العجمي نديم الغوري. ونجد  المعنى نفسه عند د. أحمد فؤاد متولي في كتابه (الفتح العثماني للشام ومصر)، وإن كانت نبرته أخف قليلا فجعل منه اتفاقا هشا. وهذا وذاك على خلاف مع أحمد بك فريد فيما قاله في كتابه  (تاريخ الدولة العلية العثمانية)، وجعله الغزو العثماني لمصر عملا مقصودا كانتقام لهذا التحالف. فيقول أحمد بك فريد: “لم ينته سليم الأول من محاربة الشيعة، حتى أخذ في فتح سلطنة مصر بما أن سلطانها قنصوه الغوري كان قد تحالف مع الشاه لمحاربة الدولة العلية.” هكذا دون ذكر مصدر تاريخي يُرجع إليه!

وخطورة مسألة تحالف الغوري والصفوي تكمن في أنها جُعلت هي السبب المباشر لتبرير جريمة الغزو العثماني لمصر. ورغم ذلك لا نرَ دليلا تاريخيا واحدا يؤكد قيام مثل هذا التحالف. فلا تحدثنا كتب التاريخ عن مساعدة قام بها المماليك للشاه في معركة جالديران، أو مساعدة قام بها الصفويون للمماليك في معركة مرج دابق. وكل ما هنالك هي إشاعات أو تأويلات قام بها بعض أصحاب الأقلام لتبرير جريمة الغزو. وليس هناك ما ندلل به على كلامنا خيرا من المؤرخين المعاصرين لتلك الأحداث، كابن اياس في كتابه (بدائع الزهور ووقائع الدهور)، وابن زنبل في (آخرة المماليك أو واقعة الغوري مع سليم العثماني)، وابن طولون  في كتابه  (مفاكهة الخلان في حوادث الزمان)، وابن الحنبلي في (درر الحبب في تاريخ أعيان حلب) وابن الحمصي في (حوادث الزمان ووفيات الشيوخ والأقران).

تلك كانت حلقة رابعة من حلقات سلسلة بعنوان “في مسألة الغزو العثماني لمصر وللشام.

المصادر:

ابن اياس بدائع الزهور في وقائع الدهور، أجزاء الثالث والرابع والخامس.
العراك بين المماليك والعثمانيين الأتراك لابن أجا.
إنباء الغمر بأنباء العمر لابن حجر العسقلاني.
أخرة المماليك لابن زنبل.
در الحبب في تاريخ أعيان حلب لابن الحنبلي.
حوادث الزمان في وفيات الشيوخ والأقران لابن الحمصي.
مفاكهة الخلان في حوادث الزمان لابن طولون.
مقالة نهاية سلاطين المماليك، دكتور محمد مصطفى زيادة.
المجتمع المصري تحت حكم العثماني مايكل وينتر.
تاريخ الدولة العثمانية، يلماز اوزتونا.
تاريخ المماليك، محمد سهيل طقوش.
دراسة بعنوان “التجسس في العصرين الأيوبي والمملوكي”، عبدالله عيد كمال.
تكوين العرب الحديث، سيار الجميل.
– التحفة البهية في تملك آل عثمان الديار المصرية، محمد بن أبى السرور الصديقي البكري.
الفتح العثماني للشام ومصر، أحمد فؤاد متولي.

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تاريخ

User Avatar

عماد السعيد


عدد مقالات الكاتب : 6
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *