Ad

طلاب الطب و«الإرهاق-burnout»

يُمكن أن يساهم التعليم الطبي بمختلف مراحله في رفع احتمالية الإصابة بالاضطرابات النفسية للطلاب، فتؤدي تلك الاضطرابات إلى عواقب وخيمة مثل ضعف الأداء الأكاديمي، وضعف الكفاءة، وزيادة الأخطاء الطبية.

الضغوطات الجسدية والعقلية والنفسية الّتي يتعرض لها طُلّاب الطب كنتيجة لعدة عوامل منها الإجهاد والتواجد بالقرب من المرضى، وكذلك الحرمان من النوم لساعات طويلة كل هذه العوامل تُساهم في رفع مستويات القلق والاكتئاب واضطرابات كثنائي القطب.

بالإضافة إلى بيئة الدراسة المرهقة يعتمد حدوث هذه الاضطرابات كذلك على العِرق وبعض السمات الشخصية.

نُشِرت دراسة في المجلة الطبية «JAMA» في عام 2016 وَجَدت أنّ 27.2٪ من طلاب الطب ​​يعانون من الاكتئاب أو أعراض الاكتئاب 16% منهم فقط تلقوا المساعدة، وفي دراسة أخرى قارنت بين نسب الاكتئاب عند طلاب الطب والأطباء تحت التدريب وجدت أن طلاب الطب لديهم معدلات اكتئاب أعلى. [1]

بالإضافة إلى الاكتئاب تنتشر اضطرابات نفسية أخرى بين طلاب الطب، ففي دراسة إيرانية بيّنت إن حوالي 4.5% من طلاب الطب في إيران لديهم اضطراب ثنائي القطب هذه النسبة أعلى بكثير من نسبة وجوده بين السكان والتي تبلغ 0.8٪ فقط. [1]

لا يقتصر الأمر على الاكتئاب وثنائي القطب فقط بل يتعدّاهُ إلى انتشار الأفكار الانتحارية بين طلاب الطب، ففي دراسة 2016 الّتي نُشرت في مجلة «JAMA» وُجد أنّ حوالي 11.2% من طلاب الطب راودتهم أفكار انتحارية، وكانت هذه المعدلات أعلى عند الإناث. [1]

يُعتبر «الإرهاق-burnout» من أكثر الحالات تواجُدًا بين طلاب الطب بنسب تتراوح بين 25% و75%.

ترتفع نسبة الإصابة بالإرهاق خاصةً بين المُتدرّبين الّذين عانوا من الاكتئاب والضغط المالي في السنة الأولى من دراسة الطب حسب دراسة أُجريت في كلية الطب السويدية. [1]

«الإرهاق-burnout» وطلاب الطب

تخيّل أنّك طالب في السنة الأولى في كلية الطب البشري، وتستعد لإجراء الامتحانات النهائية تبذُل قُصارى جهدك في الدراسة. لم تعد تمتلك فترات راحة، وتُعاني من اضطرابات في النوم، ولم يعد لديك الوقت الكافي حتى للاهتمام بصحتك والأكل. بعد أسابيع من هذا التوتر والدراسة المُجهِدة لم يعُد لديك الدافع والطاقة للاستمرار، وأصبحت تشعر بالاستنزاف للدرجة التي لا تستطيع فيها الدراسة مهما حاولت. ما تمُر به على الأغلب حالة تُعرف «بالإرهاق-burnout».

الإرهاق هو حالة من الاستنزاف العقلي والجسدي والنفسي نتيجة التعرض لفترة طويلة من الإجهاد المفرط. عندما يُرهَق الشخص يُصبِح غير قادر على أداء مهامه أو بكل بساطة لا يرغب في ذلك. هذه المشاعر السلبية قد تُصاحب الشخص في جوانب أخرى من حياته كحياته الاجتماعية.

طلاب الطب مُعرّضون للإرهاق بنسب أعلى كنتيجة لبيئة الدراسة والتدريب المليئة بالتوتر ،ففي دراسة في عام 2018 وجدت أن 45% من 265 طالب طب في السنة الأولى تعرضوا للإرهاق، وحوالي 49% منهم انخفضت كفاءة الأداء لديهم. [3]

مصادر «التوتر-stress»

أشارت عدّة دراسات إلى وجود علاقة بين التوتر و الضغوطات الشخصية والمهنية والإرهاق. لذلك تزايَدَ الوعي داخل برامج التعليم وتدريب الأطباء حول الآثار الضارة المُحتملة للتوتر أثناء الدراسة والتدريب.

من المصادر الرئيسية للتوتر عند طلاب الطب والمتدربين:

1. الإفراط في العمل والحرمان من النوم

تتطلب فترة التدريب الكثير من الجُهد والوقت لتجاوز الاختبارات والتدريب السريري وغيرها من المهام. وجود بيئة غير صحية بالإضافة لهذه المهام يُمكن أن يكون مصدرًا للتوتر والقلق.

كذلك يتأثر مزاج الطلاب بجودة النوم فرَبطت العديد من الدراسات بين الحرمان المُزمِن من النوم بالإرهاق والحالات المزاجية السيئة.

2. الاستنزاف العاطفي نتيجة التعامل مع المرضى والمرضى الّذين يحتضِرون

أظهرت الدراسات أن الذكاء العاطفي _قدرة الفرد على إدراك ومعالجة وتنظيم عواطفه وعواطف الآخرين_ يُعتبر مؤشر قوي على رفاهية الأطباء.

3. ضيق الوقت للحياة الشخصية خارج الدراسة والتدريب

عدم تحقيق التوازن بين مُتطلبات الحياة المهنية والشخصية يُمكن أن يُعيق السعي وراء حياة شخصية صحية خارج عالم الرعاية الصحية، وبالتالي فإنّ الضغوطات الشخصية تُساهم في الضغط المتراكم للطلاب والمتدربين خاصّة المتزوجين منهم، وبالتالي قد تُمثّل المسؤوليات العائلية استنزافًا للوقت والطاقة بالإضافة إلى الأوضاع المالية التي لا يمكن الاستهانة بها.

4. تزامن سنوات الدراسة والتدريب مع الأحداث الكبرى في الحياة

تحدُث سنوات الدراسة والتدريب خلال فترة زمنية فريدة ومهمة في حياة الطبيب هذه الفترة الّتي تُحدّد فيها أحداث مهمة معالم الحياة. أحداث مثل الزواج والولادة واستكشاف وبدء وظيفة جديدة، والّتي تعتبر من ضمن الأحداث العشرة الأكثر إرهاقًا في حياة أي شخص.

بالإضافة إلى ذلك، فقد تؤدي النزاعات بين المطالب التعليمية لطلاب الطب والمتدربين واحتياجاتهم المالية إلى ضغوطات جديدة، وتُجبر بعضهم على العمل ضد قدراتهم الطبيعية أو التأخر في برامجهم التدريبية. [2]

عوامل تقلل من آثار التوتر أثناء دراسة الطب والتدريب

تُحدّد الدراسات العوامل الوقائية التالية التي تقلل من آثار الضغوطات أثناء التدريب والدراسة:

1. وجود العائلة والأصدقاء

يُعتبر وجود العائلة والأصدقاء مصدرًا رئيسيًا لتقديم الراحة والدعم لطلاب الطب والمتدربين.

2. ظروف التعلم الإيجابية والمشجعة

أثناء تدريب الأطباء وطلاب الطب فهُم لا يُقدّمون الرعاية للمرضى فحسب بل يتواجدون أيضًا في منشأة أكاديمية مُصمّمة لرعايتهم وتعليمهم.

تُشير العديد من الدراسات إلى أنّ بيئات التعليم والتدريب الإيجابية والمُرضية تُقلّل بشكل كبير من مستوى الإجهاد البدني والعاطفي.

يُمكن أن تُؤدي سوء معاملة المتدربين وطلاب الطب إلى إجهاد طويل الأمد، وقد يُثنيهم ذلك عن تحفيزهم للتعلم بالإضافة إلى تأثيره على كفاءة الأداء.

الوقاية الفعّالة من آثار التوتر عن طريق «برامج الوقاية»

تُشير النسب المرتفعة للإرهاق بين طلاب الطب والمتدربين إلى الحاجة لوجود برامج وقائية مقصودة ومُوجهة لتعليم مهارات إدارة الإجهاد، وكذلك النظر في التغييرات الهيكلية لبرامج التدريب والكليات الطبية.

تستخدم هذه البرامج طرق مختلفة، فعلى سبيل المثال صمم برينان وزُملاؤه جلسات تُعلِّم مهارات يُمكن استخدامها للتقليل من التوتر مثل تطوير والحفاظ على الروابط الاجتماعية، وإدارة الوقت وغيرها.

تُشجّع بعض البرامج مهارات الاسترخاء والتأمل، والقيلولة أثناء العمل لتقليل خطر الإرهاق.

تعمل البرامج الأخرى على إشراك العائلات ودعم الروابط الاجتماعية بين الطّلاب، فعلى سبيل المثال يُمكن للنُّزهات السنوية والاجتماعات والمناسبات الاجتماعية الأخرى أن تساهم في تقليل التوتر وتعزيز الدعم الاجتماعي وبالتالي خلق بيئة دراسة وعمل أفضل.

يتم أيضًا إجراء برامج لزيادة اهتمام الطلاب والمتدربين بالبحث العلمي، ودعمهم في نموهم الشخصي والوظيفي. بينما تسعى بعض البرامج الأخرى لزيادة تواصل المتدربين والأطباء مع المرضى لأن هذا ممكن أن يبني الثقة والتعاطف ويخلق معنى أكبر لعملهم وبالتالي ينخفض خطر الإجهاد والإرهاق. [2]

المصادر:

[1] cmaj.com
[2] clinmedjournals.org
[3] journals.org

إقرأ أيضًا: كيف ترتبط الأمراض النفسية بالجهاز الهضمي؟

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Sahar mohammed
Author: Sahar mohammed

طالبة طب بشري مهتمة بالعلوم الطبية والبحث العلمي.

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


طب صحة

User Avatar

Sahar mohammed

طالبة طب بشري مهتمة بالعلوم الطبية والبحث العلمي.


عدد مقالات الكاتب : 47
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *