ما هو شلل الأطفال؟ وكيف توصل العلماء إلى لقاحه؟
شلل الأطفال مرض فيروسي ينتقل من شخص إلى آخر، سمي بهذا الإسم لأنه يصيب عادة الأطفال تحت سن الخامسة.
لا يعاني الجزء الأكبر من مصابي شلل الأطفال أية أعراض، وقد يعاني المصاب في بعض الأحيان أعراضًا خفيفة كالتعب والصداع واحتقان الحلق، لكن الخطر يكمن في أن الفيروس يصيب عند نسبة قليلة الحبل الشوكي والأعصاب، مسببا أعراض تترواح بين فقدان الشعور بالأطراف وخاصة الأطراف السفلى، إلى الشلل أو حتى الموت نتيجة لشلل العضلات المسؤولة عن التنفس.
ينتقل الفيروس عبر ملامسة البراز ثم الفم، أو عن طريق استنشاق الرذاذ من شخص مصاب، إلا أنها طريقة أقل شيوعًا.
وهناك ثلاثة أنواع مختلفة من فيروس شلل الأطفال تختلف في تركيبها لكنها تسبب المرض ذاته.
ليس شلل الأطفال في الواقع، مرضا حديثًا، بل إن البشرية عرفته منذ قرون طويلة. وأكثر من ذلك، فإن نحتا مصريًا قديمًا يعود إلى نحو عام 1400 قبل الميلاد، يصور لنا طفلًا بقدم ذات هيئة تبدو تشابه إلى حد كبير تلك التي نراها عند حالات شلل الأطفال.
وفي عام 1789، قدم الطبيب الإنجليزي مايكل أندروود أول وصف سريري لهذه الحالة التي سماها “إعاقة في الأطراف السفلى”
وبعد ذلك بنحو خمسين عاما، سنة 1894 حدث التفشي الأول لشلل الأطفال في الولايات المتحدة،وسجلت ١٣٢ حالة و١٨ وفاة.
إلا أن شيوع مرض شلل الأطفال جاء بدءا من القرن العشرين، في مقابل تراجع أمراض أخرى كالدفتيريا والسل والتيفؤيد، يرجع ذلك -حسب إحدى النظريات- إلى أن تلوث الماء في القرون السابقة، كان يصيب الرضع بالمرض في سن مبكرة جدًا وهم أوج قوة جهازهم المناعي بسبب الأجسام المضادة الأمومية التي تكون لا زالت تجري في دمائهم، ما يساعدهم على التغلب على المرض. بعكس القرون الأحدق في ظل توفر المياه النظيفة، ما يعني تأخر الإصابة إلى سن أكبر والحيلولة دون التعافي منها.
عام ١٩٠٧، وبعد انتشار كبير للوباء في اسكندافيا مسجلًا ١٠٣٧ حالة، كان السويدي إيفار فلكمان أول من يعلن بشكل حاسم قابلية انتقال المرض بين الأشخاص، و احتمالية إصابة جزء من الناس بالمرض دون تطور الأمر إلى شلل، وإنما بستبب لهم بأعراض خفيفة، مع احتمالية نقل المرض إلى الآخرين والتسبب لهم بحالة الشلل، كانت اكتشافات فلكمان سابقة لعصرها، ولم تقابل بالترحيب من معاصريه.
وفي السنة التالية عام ١٩٠٨، كان اكتشاف الطبيبان النمساويان كارل لاندشتاينر وإروين بوبر أن الكائن المسبب لهذه الحالة هو في الواقع فيروس.
أما ما جعل شلل الأطفال محط اهتمام كبير، فهو تفش كبير في الولايات حدث في ١٩١٦، متمركزًا في نيويورك ومنتشرًا في ولايات أمريكية أخرى، حاصدًا أرواح ٦٠٠٠ من الأشخاص وتاركا آلاف آخرين يعانون الشلل.
وكان، الرئيس الأمريكي روزفلت قد التقط العدوى عام 1921 أثناء قضاء عطلة صيفية، وذلك قبل تسلمه منصب رئاسة الولايات المتحدة، ما سبب له الشلل في أطرافه السفلى، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة مسيرته السياسية،
وبعد عام من توليه الرئاسة، في حفل راقص أقامه روزفلت عام 1934 بمناسبة عيد ميلاده، جمعت تبرعات سخية، مهدت إلى افتتاح المؤسسة الوطنية لشلل الأطفال عام ١٩٣٨ التي كانت الممول الرئيسي لأبحاث العالم جوناس سولك عن شلل الأطفال.
جوناس سولك
ولد جوناس سولك في نيويورك عام ض٩١٤ في أسرة فقيرة، إلا أن التعليم كان محط اهتمام والديه، حتى حصل على شهادته في الطب من جامعة نيويورك سنة ١٩٣٩.
أصبح سولك أستاذًا مساعدًا في علم البكتيريا في جامعة بيتسبرغ، وهناك ترأس قسم البحث في الفيروسات وبدأ العمل على لقاح شلل الأطفال.
لم يكن سولك أول من اجرى تجارب ضد شلل الأطفال، لكن ما فعله سولك أنه عمل على تطوير لقاح يتكون من فيروس معطل، ليحث بواسطته جهاز المناعة على إنتاج أجسام مضادة تحمي متلقي اللقاح من المرض مستقبلًا.
كانت تجارب سولك التي بدأت عام ١٩٥٢ الأضخم في التاريخ من نوعها في ذلك الوقت، إذ أعطي اللقاح وهو لا يزال في مرحلة التجريب، إلى مليون وثمانمائة ألف طفل، كما جرب سولك اللقاح على نفسه وعائلته، وجربه ضد كل نوع من أنواع الفيروس الثلاثة على حدة، ثم على خليط من الأنواع الثلاثة.
وفي ١٢ أبريل ١٩٥٥، وبعد مؤتمر صحفي في جامعة ميشيغان أعلن العالم والطبيب توماس فرانسيس ذو الخبرة في اللقاحات، فعالية لقاح سولك بنسبة ٨٠-٩٠٪، ورخصت الحكومة الأمريكية اللقاح في نفس اليوم، ليصبح سولك من بعد ذلك بطلًا ومن أشهر علماء زمنه، ويتلقى تكريمًا من الرئيس الأمريكي أيزنهاور في البيت الأبيض.
وبعد أن بلغت الإصابات عام ١٩٥٢ في التفشي الأعنف لشلل الأطفال في تاريخ الولايات المتحدة، أكثر من سبع وخمسون ألف إصابة، وما يفوق ثلاثة آلاف حالة وفاة، بدأت الحالات بالتناقص بعد صدور لقاح سولك حتى بلغت عام ١٩٦٢ ما يقارب تسعمائة حالة فقط.
ألبيرت سابين
ولد ألبيرت سابين في بولندا، وهاجر من بعدها مع أبويه إلى الولايات المتحدة حيث نال درجته في الطب عام ١٩٣١، وترأس قسم طب الأطفال في جامعة أوهايو عام ١٩٣٩ وأثناء ذلك، رفض ما كان متعارف عليه من دخول فيروس شلل الأطفال عبر الجهاز التنفسي، وأثبت أن مكان دخول الفيروس هو الجهاز الهضمي، وإمكانية الوقاية منه بلقاح يؤخذ عبر الفم.
كانت طريقة سابين تعتمد على عزل سلالات من الفيروس تكون أضعف من إحداث المرض، ولكنها تكفي لجعل جهاز المناعة ينتج اجساما مضادة توفر المناعة للمتلقي، يتميز لقاح سابين عن لقاح سولك السابق له أنه أرخص ثمنًا، وأنه يؤخذ عن طريق الفم، أي بشكل أسهل من لقاح سولك الذي يعطى حقنًا، بالإضافة إلى أن ذلك يعطيه ميزة إخراج بقايا الفيروس المضعف في البراز ما يساعد أحيانا في نقل المناعة إلى الآخرين بشكل طفيف، كما أنه أسرع مفعولًا ما يجعله نافعًا في حالات الجوائح.
وتكمن سلبية هذا اللقاح، في كونه فيروس غير معطل إنما ضعيف، ما يعطيه إمكانية التحور لهيئته الممرضة مجددًا وإحداث المرض.
هل تم القضاء على شلل الأطفال؟
ظل شلل الأطفال منتشرًا في السبعينات وبالأخص في الدول النامية، ما دعى إلى اتخاذ إجراءات عالمية للقضاء عليه، وإقرار لقاح شلل الأطفال بنوعيه في البرنامج الدولي للتطعيم(EPI) الذي وضعته منظمة الصحة العالمية عام ١٩٧٤ بهدف إيصال إلى جميع أطفال العالم.
وعام ١٩٨٨، وبعد أن كانت أعداد الحالات تقدر خلال الثمانينات بمئات الآلاف، بدأت مبادرة عالمية تهدف إلى استئصال شلل الأطفال نهائيًا، ومنذ ذلك الوقت وبتعاون مئتي دولة وتطعيم أكثر من بليوني ونصف بليون طفل، نجح العالم الآن بخفض الإصابة بشلل الأطفال بنسبة ٩٩٪، واستُأصل كل من النوع الثاني والثالث من فيروس شلل الأطفال من العالم بنجاح، بينما لا نزال نجد في بعض الدول مثل أفغانستان وباكستان وغانا، عددًا من الحالات لمصابة بالنوع الأول أو النوع المشتق من اللقاح(VDPV)، وهو ارتداد للفيروس المضعف إلى هيئته الممرضة ثم إصابته لشخص آخر عقب خروجه من الجسم، لكن ذلك لا يشكل خطرًا إلا في مناطق إهمال التلقيح.
المصادر:
للمزيد عن اللقاحات تابع مقال : اللقاحات، إلى أين تعود أصولها؟ وهل شكل الجدري بداية عصرها؟
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :