Ad

في الامتداد الشاسع لنظامنا الشمسي، كانت البقعة الحمراء العظيمة لكوكب المشتري واحدة من أكثر المشاهد شهرة وإلهامًا، وهي عاصفة ضخمة جدًا لدرجة أنها يمكن أن تبتلع كوكبنا بأكمله. لعدة قرون، كان علماء الفلك مفتونين بهذا العملاق الغامض، حيث تعجبوا من حجمه الهائل وتساءلوا عن عمره. ولكن على الرغم من مظهرها القديم، تشير الأبحاث الجديدة إلى أن هذه العاصفة قد تكون أصغر سنًا بكثير مما كنا نعتقد، حيث يبلغ عمرها 193 عامًا فقط، على وجه الدقة. وهذا أصغر من عمر الولايات المتحدة، وأجهزة الكمبيوتر، وحتى السكك الحديدية بين المدن!
ويعود الفضل إلى فريق بقيادة البروفيسور أغوستين سانشيز لافيغا من جامعة ديل بايس فاسكو، الذي كرس أبحاثه لكشف أسرار الغلاف الجوي لكوكب المشتري. ونُشرت دراسة الفريق في مجلة (Geophysical Research Letters)، وسلطت ضوءًا جديدًا على ظاهرة أسرت العلماء والجمهور على حدٍ سواء لعدة قرون. وقد تم رصد البقعة الحمراء العظيمة من الأرض، ولكنها إحدى سمات خطوط العرض الجنوبية المنخفضة إلى المتوسطة لكوكب المشتري، وهي منطقة تمت دراستها على نطاق واسع من قبل علماء الفلك.

الكشف عن العاصفة القديمة

لقرون عديدة، انبهر علماء الفلك بالعاصفة الهائلة التي تحدث على كوكب المشتري، والمعروفة باسم البقعة الحمراء العظيمة. وقد تمت ملاحظة هذه الأعجوبة الغامضة منذ أكثر من 350 عامًا، ويقترح البعض أنها ربما كانت موجودة منذ ملايين السنين.
دعونا نعود خطوة إلى الوراء وننظر إلى تاريخ مراقبة العواصف على كوكب المشتري. في القرن السابع عشر، بدأ علماء الفلك مثل جيوفاني كاسيني في الإبلاغ عن وجود بقع بيضاوية داكنة على سطح الكوكب. ويعتقد أن إحدى هذه البقع، المعروفة باسم “البقعة الدائمة”، استمرت لأكثر من قرن قبل أن تختفي في عام 1713. ثم، في عام 1831، ظهرت بقعة جديدة، والتي أصبحت تعرف فيما بعد باسم البقعة الحمراء العظيمة. تدور هذه البقعة مع كوكب المشتري، مما يجعلها مرئية لمدة خمس ساعات فقط في المرة الواحدة قبل أن تختفي على الجانب البعيد.
تقول القصة التقليدية أن البقعة الحمراء العظيمة هي استمرار للبقعة الدائمة، التي تقلصت ببساطة إلى حجم أصغر من أن تتمكن التلسكوبات المبكرة من اكتشافه. ومع ذلك، تشير الأبحاث الجديدة إلى أن هاتين البقعتين قد لا تكونا مرتبطتين، مما يجعل البقعة الحمراء العظيمة ظاهرة حديثة نسبيًا. هذه الفكرة الجذرية لها آثار مهمة على فهمنا للغلاف الجوي لكوكب المشتري وديناميكيات تكوين العواصف على العملاق الغازي. وإذا كانت البقعة أصغر بكثير مما كان يعتقد سابقًا، فقد لا تكون سمة شبه دائمة للغلاف الجوي لكوكب المشتري. وبدلًا من ذلك، يمكن أن تكون ظاهرة أقصر عمرًا، وتكافح من أجل أن تتم 200 عام قبل أن تختفي.
إذن، كيف توصل علماء الفلك إلى هذا الاستنتاج؟ من خلال تحليل السجلات التاريخية لملاحظات المشتري، وجد الباحثون أن البقعة الدائمة والبقعة الحمراء العظيمة لهما خصائص مميزة، مثل اللون والحجم. واستخدم الباحثون تقنيات النمذجة المتقدمة لمحاكاة تشكيل عاصفة خارقة مضادة للأعاصير على كوكب المشتري. ومن خلال مقارنة نتائجهم بملاحظات البقعة الحمراء العظيمة، وجدوا أن العاصفة التي تم محاكاتها كانت دائمًا أصغر من العاصفة الحقيقية. وقد قادهم هذا إلى استنتاج أن البقعة الحمراء الكبرى لا يمكن تفسيرها من خلال اندماج دوامات أصغر أو عاصفة عظمى.

دعونا نتعمق في عالم الدورة الجوية لكوكب المشتري. يتميز الغلاف الجوي للكوكب بتيارات نفاثة (jet stream) قوية، تشبه تلك الموجودة على الأرض، ولكنها أقوى بكثير. تنقسم هذه التيارات النفاثة إلى تدفق نطاقي (zonal jet)، يتدفق شرقًا أو غربًا، وتكون مسؤولة عن إنشاء دوامات ضخمة مثل البقعة الحمراء الكبرى. وفقًا للباحثين، يمكن أن يكون الاضطراب في تدفق هذه النفاثات النطاقية قد أدى إلى تكوين البقعة الحمراء الكبرى في عام 1831. وربما تسبب هذا الاضطراب في تغير مفاجئ في الدورة الجوية، مما أدى إلى خلق عاصفة ضخمة مضادة للأعاصير.

كشف أسرار المشتري باستخدام التلسكوب

لقد لعب التلسكوب دورًا أساسيًا في كشف أسرار الكون، والبقعة الحمراء العظيمة لكوكب المشتري ليست استثناءً. حيث كشف تعديل جاليليو للتلسكوب من أجل أغراض فلكية في القرن السابع عشر عن ميزات مثل أقمار المشتري والبقع الشمسية لأول مرة. ومع تحسن الأدوات، لاحظ علماء الفلك أن كوكب المشتري لديه أشرطة داكنة وخفيفة موازية لخط الاستواء، مع ظهور بقع داكنة أحيانًا في خطوط العرض البيضاء عادةً.
تدور هذه البقعة مع كوكب المشتري، مما يجعلها مرئية لمدة خمس ساعات فقط في المرة الواحدة قبل أن تختفي على الجانب البعيد. أدى الظهور الدوري للبقعة إلى اعتقاد علماء الفلك بأنها سمة دائمة للكوكب.

مصير جديد للبقعة الحمراء الكبرى

إن الساعة تدق، وتقيس العمر المتبقي لهذه العاصفة الشهيرة. مع مرور الثواني، تستمر البقعة الحمراء العظيمة في الانكماش، ويتلاشى لونها الأحمر النابض بالحياة ببطء مثل غروب الشمس في أفق كوكب المشتري الغائم. وإذا اختفت في نهاية المطاف، فما هي الآثار المترتبة على فهمنا لأنماط الطقس المعقدة على كوكب الأرض؟ وهل يمثل رحيله تحولًا أساسيًا في ديناميكيات الغلاف الجوي لكوكب المشتري، أم أن عواصف جديدة ستظهر لتحل محله؟
إن العواقب المحتملة عميقة، وتتحدث عن جوهر ما يجعل البقعة الحمراء العظيمة رائعة للغاية. هذه العاصفة هي أكثر من مجرد شذوذ ملون على كوكب بعيد؛ إنها نافذة على الأعمال المعقدة للغلاف الجوي لكوكب المشتري، وهو النظام الذي لا يزال يأسرنا ويثير اهتمامنا. عندما ننظر إلى البقعة الحمراء العظيمة، نتذكر الجمال المذهل والغموض الذي يكتنف الكون، وأهمية الاستكشاف والاكتشاف المستمر.

المصادر:

Jupiter’s Great Red Spot May Be Younger Than The United States / iflscience

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فلك فضاء

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 572
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *