Ad

حاول علماء وفلاسفة العصور الوسطى تفسير طيف واسع من الظواهر الضوئية، وتقنين سلوكياتها. إلا أنه يمكن القول إن أول، وأبسط، مقاربة علمية كاملة لماهية الضوء تعود إلى القرن السابع عشر. وتحديدًا عام 1704م، عندما صاغ الفيزيائي إسحق نيوتن النظرية الجسيمية للضوء. حيث حاجج نيوتن أن الضوء عبارةٌ عن جسيمات صغيرة تسلك مسارًا مستقيمًا دائمًا، وفسر ظاهرتي الانعكاس والانكسار بناءً على ذلك. فعلام بنى نيوتن نظريته؟ وكيف استطاعت تفسير الظواهر الضوئية وخصائصها؟ وما أسباب إخفاقها؟  

مبادئ النظرية الجسيمية للضوء

بنى نيوتن «نظريته الجسيمية للضوء-The corpuscular theory of light» على عدة افتراضات أساسية بُرهن فيما بعد خطؤها. أساسها أن الضوء عبارة عن جسيمات صغيرة جدًا لها كتلة مهملة، وتتأثر كغيرها من الكتل بالقوانين الفيزيائية. كما تختلف أحجام جسيمات نيوتن، إلا أنها، وبشكل عام، تشغل حيزًا صغيرًا بحيث لا ترتطم جسيمات الحزمة الضوئية الواحدة ببعضها. أما بشأن حركتها، اعتقد نيوتن أنها تملك طاقةً حركية لسرعتها الكبيرة، ولكن الأخيرة تتناسب طردًا مع كثافة الوسط الذي تسري فيه. حيث تنتقل أسرع في الأوساط الكثيفة، وأبطأ في الأوساط الأقل كثافةً (الأمر الذي أُثبت خطؤه فيما بعد). وقد رأى نيوتن أن جسيمات الضوء تقذف من المصدر الضوئي، فيكون مسارها، كأي قذيفة، بشكل قطع مكافئ. أما المسار المستقيم الذي نرصده فيعود لسرعتها الهائلة مقارنة بكتلتها الصغيرة والمسافة التي تقطعها. [1]

اعتمد نيوتن على افتراضاته السابقة في تفسير ظاهرتين ضوئيتين: انعكاس الضوء، وانكساره:

انعكاس الضوء

 يطلق مصطلح «انعكاس الضوء-The reflection of light» على ارتداد حزمة من الأشعة الضوئية عن سطح ما. مثل انعكاس صورتك على بركة مائية، فصورتك ارتدت عن الماء عائدةً لعينيك. وإذا ما كان السطح أملسًا ومسطحًا، كلوح زجاج أو ماء؛ ترتد الحزمة بنفس زاوية ورودها، فنقول إن زاوية الورود = زاوية الانعكاس. (تقاس الزوايا السابقة بالنسبة إلى العمود على السطح العاكس).  [2]

النظرية الجسيمية للضوء، انعكاس الضوء
انعكاس الضوء

تفسير النظرية الجسيمية للضوء لانعكاس الضوء

شرح نيوتن ما سبق معتبرًا أن جسيم الضوء يسلك سلوك كرة مطاطية في التصادم المرن. فعندما تصطدم الكرة (الجسيم) بالسطح؛ ترتد عنه بنفس زاوية ارتطامها؛ نتيجةً للتنافر بين الكرة والسطح العاكس. ويمكنك تجربة ذلك عمليًا:

خذ كرة مطاطيةً وقف أمام حائط. ثم اقذف الكرة نحوه بحيث يصنع مسارها زاويةً ما مع المستقيم العمودي على الحائط. سترى الكرة ترتد بنفس زاوية اصطدامها.  [1]

ارتداد الكرة بنفس زاوية اصطدامها

انكسار الضوء

يطلق مصطلح «انكسار الضوء-The refraction of light» على تغير مسار حزمة ضوئية عند انتقالها بين وسطين مختلفي الكثافة، كالماء والهواء، أو الهواء الساخن والبارد. مثلًا، غالبًا ما ستخطئ في تقدير عمق مسبح مائي بمجرد النظر إليه، ظانًّا أنه أقل عمقًا مما هو عليه. ويفسر ذلك بأن الأشعة الضوئية تنكسر أثناء انتقالها من الوسط المائي إلى الهواء، فيبدو قاع المسبح أقرب من الواقع. [3]

انكسار الضوء المار من الماء إلى الهواء فتبدو الأجسام أقل عمقًا مما هي عليه.

تفسير النظرية لانكسار الضوء

فسر نيوتن ذلك بأن الجسيم المار في وسط متجانس لا يخضع لتأثير قوى جذب، بينما يتأثر بها عند انتقاله إلى وسط جديد، فينحرف مساره. فعند مرور جسيم ضوء في وسط ما، يكون محاطًا بعدد متساوي من جزيئات هذا الوسط من كافة الاتجاهات، فتلغي قوى الجذب التي تطبقها جزيئات الوسط على جسيم الضوء بعضها وتكون محصلتها معدومة. ويمكن تشبيه ذلك بفريقين يشدان الحبل بنفس المقدار من جهتين متعاكستين، لن يربح أي منهما لأن قوة شد كل فريق تلغيها قوة شد الفريق الآخر. وبالعودة إلى جسيم الضوء، ووفقًا لقانون نيوتن الأول*، سيستمر جسيم الضوء بالحركة في مسار مستقيم لأن لا قوى جذب تؤثر فيه. أما عندما يصل جسيم الضوء إلى الحد الفاصل بين وسطين مختلفين، لا تنعدم محصلة القوى؛ لأن الوسط الأكثف يحوي جزيئات أكثر، وبالتالي قوى جذب أكبر، فتنجذب الحزمة الضوئية قليلًا نحو الوسط الأكثف. [4]

*قانون نيوتن الأول: ينص على أن الجسم الساكن أو المتحرك في مسار مستقيم بسرعة ثابتة يبقى على ما هو عليه ما لم تؤثر فيه قوة خارجية تغير من طبيعة حركته.

قانون سنيل في انكسار الضوء

وكما في انعكاس الضوء، يوجد علاقة تربط زاويتي السقوط والانكسار، ولكنها، كذلك، تتعلق بكثافة الوسطين الذين تنتقل الحزمة الضوئية بينهما. وتسمى العلاقة السابقة ب«قانون سنيل-Snell’s law» أو قانون الانكسار، وتعطى بالشكل:

n₁.sinѳ₁=n₂.sinѳ₂

قانون سنيل

حيث:

n₂ و n₁ مؤشري انكسار الوسطين، وهي مقادير ثابتة تتعلق بطبيعة الوسط وكثافته والضغط الجوي ودرجة الحرارة.

 ѳ₂  وѳ₁ زاويتي السقوط والانكسار، وتقاسان بالنسبة إلى العمود على السطح الفاصل بين الوسطين. [5]

تفسير النظرية الجسيمية للضوء لقانون سنيل

لتفسير قانون سنيل في ظل نظرية نيوتن لا بد من الإلمام ببعض المفاهيم الفيزيائية:

أولًا: تمثل سرعة الجسيم (القذيفة) بشعاع، ويمكن إسقاط الشعاع على محورين أفقي وشاقولي، فنحصل على المركبتين الأفقية والشاقولية للسرعة. ولفهم هذا المبدأ، تخيل رميك كرة نحو سلة تبعد عنك 5 أمتار وترتفع بالهواء 3 أمتار، لكي تدخل في السلة لا بد لها أن تتحرك شاقوليًا 3 أمتار وأفقيًا 5 أمتار في الوقت ذاته.

 

النظرية الجسيمية للضوء مركبات شعاع السرعة
مركبات شعاع السرعة

ثانيًا: عند انحراف الحزمة الضوئية في حادثة انكسار الضوء، لا يحدث تغير في المركبة الأفقية لسرعة الجسيم، أي أن سرعة الجسيم الموازية للسطح لا تتغير. وذلك لأن قوى الجذب المؤثرة على الجسيم تكون شاقولية. (وكأن نقول إن كرة السلة ارتطمت بالعمود الحامل للسلة، فقد قطعت مسافة 5 أمتار أفقية، ولكنها لم تصل لارتفاع 3 أمتار المطلوب).

ثالثًا: جيب الزاوية (ساين) في مثلث قائم هو نسبة طول الضلع المقابل للزاوية إلى طول وتر المثلث. مما سبق نجد أن جيب الزاوية في قانون سنيل يمثل نسبة المركبة الأفقية لشعاع السرعة إلى قيمة السرعة في طرفي المعادلة. (فلا بد من رمي الكرة بزاوية مناسبة كي تدخل).

وبما أن البسط (المركبة الأفقية) هو ذاته في الطرفين، يمكن اختصاره. لتُساوي علاقة سنيل بين نسبة مؤشر انكسار الوسط الأول إلى سرعة الجسيم فيه وبين نسبة مؤشر انكسار الوسط الثاني إلى سرعة الجسيم فيه.

وليفسر نيوتن ذلك، افترض أن سرعة الجسيم تتعلق بطبيعة الوسط الذي يمر به (أي بمؤشر الانكسار)، لتصبح علاقة سنيل بديهية. [1]

تفسير النظرية الجسيمية للضوء للألوان

قدم نيوتن شرحًا بسيطًا لظاهرة تحلل الضوء الأبيض إلى ألوان الطيف السبعة عند مروره في الموشور. فقد رأى أن الضوء الأحمر ينكسر أقل من البنفسجي، فافترض أن كتلة الأحمر أكبر من البنفسجي، لأنه يتأثر أقل من الأخير عند مروره بين وسطين مختلفين. بالتالي، استنتج نيوتن أن لون جسيم الضوء يعتمد على كتلته. [1]

اختبار النظرية وأهم مشاكلها

أخفقت نظرية نيوتن لتضمنها عدة مشاكل وإشكالات. فقد أثبت «فوكولت-Foucault» أن الضوء ينتقل أسرع في الأوساط الأقل كثافة، على عكس ما افترض نيوتن. كما أن تفسيره لألوان الطيف المختلفة يفتقر إلى الدليل والبرهان. بالإضافة إلى ذلك، لم تقدم نظريته تفسيرًا لانتثار الضوء، أو تداخله، أو استقطابه.

أما بشأن الانكسار والانعكاس، فقد فسر نيوتن كلًا منهما على حدىً، ولم يستطع التوفيق بينهما. من جهة، افترض أن جسيمات الضوء تتنافر مع السطح في حادثة الانعكاس. ومن جهة أخرى، اعتقد أنها تتجاذب معه أثناء الانكسار. أي أن سطحًا ما إما أن يكسر الضوء أو يعكسه، إلا أن بعض الأجسام، كالزجاج، تعكس الضوء وتكسره جزئيًا في آن معًا. [1]

وبما أن أي تعديلات لم تكن كافية لجعل نظرية نيوتن ملائمة للواقع، كان لا بد من الإطاحة بها، وانتظار ما يصف الواقع بشكل أفضل.

المصادر

[1] The University of Virginia

[2] California State University

[3] Hyperphysics

[4] The University of British Columbia

[5] Science Direct

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء

User Avatar

Mira Naffouj

طالبة ثانوية مهتمة بعلم الفلك والفيزياء الفلكية


عدد مقالات الكاتب : 34
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق