Ad

يطلق مصطلح «التحليل الطيفي-Spectroscopy» على دراسة الأطياف الضوئية الناتجة عن إصدار المواد للضوء أو تفاعلها معه. ورغم استخدامه في مختلف العلوم والدراسات، إلا أن دوره في الفلك يكاد يكون جوهريًا. فهو أداة رئيسة يعتمد عليها الفلكيون لمعرفة مكونات النجوم والكواكب التي تبعد عنا مليارات السنوات. فكيف يمكن ذلك؟ [1]

لفهم آلية التحليل الطيفي، لا بد من التعرف على الطيف وبعض الفيزياء أولًا.

بدايةً، ما هو الطيف؟

من المحتمل أنك رأيت «طيفًا ضوئيًا-spectrum» ولو لمرة في حياتك، فظاهرة قوس قزح، أي تحلل ضوء الشمس إلى مكوناته اللونية المختلفة نتيجة مروره في قطرات المطر، هي شكل من أشكال الطيف. أما التعريف الدقيق له، فهو أي مخطط بياني أو غرافيكي يوضح مكونات الأشعة الضوئية بحسب تدرج طاقاتها. لذلك، يمكن القول أن ألوان قوس قزح المختلفة هي الطريقة التي يدرك فيها دماغنا اختلاف طاقات الضوء التي استقبلتها أعيننا. [1]
لكن ألوان قوس قزح (الضوء المرئي) لا تشكل سوى جزء صغير من مكونات الطيف الكهرطيسي. حيث أن للأشعة الكهرطيسية طيف واسع يغطي جميع طاقاتها، بدءًا من أمواج الراديو الأقل طاقة، مرورًا بالأمواج الميكروية، وتحت الحمراء، والضوء المرئي، وفوق البنفسجية، إلى الأشعة السينية وأشعة غاما عالية الطاقة. [2]
كما يوضح المخطط التالي الطيف الكهرطيسي:

الطيف الكهرطيسي
حقوق الصورة: PASCO

الطيف المميز للمواد

يتفاعل كل عنصر في الجدول الدوري مع الضوء بشكلٍ مختلف، ويصدر في شكله الغازي ضوءًا مميزًا أيضًا. أي أن الطيف الضوئي المنبعث أو المنعكس عن الهيدروجين يختلف عن طيف النيتروجين وغيره من العناصر. لذلك، يمتلك كل عنصر بصمة لونية مختلفة يعود تفسيرها إلى «التأثير الكهرضوئي-Photoelectric effect». [1]

التأثير الكهرضوئي

توجد الإلكترونات في الذرة في «مستويات طاقية-Energy levels» محددة، ولا يمكنها الوجود خارجها. حيث توجد الإلكترونات الأعلى طاقةً في المدارات الأقرب إلى النواة، فيما تقل الطاقة بالابتعاد عنها. ولكي ينتقل إلكترون نزولًا إلى مدار أعلى طاقةً، يجب أن يزيد طاقته مقدارًا محددًا، يحصل عليه عن طريق امتصاص الضوء. والعكس صحيح، يصدر الإلكترون ضوءًا عند انتقاله إلى مستوى أخفض.
تختلف طاقة المستويات السابقة بحسب العنصر الكيميائي. وبالتالي، يمكن لكل عنصر أن يمتص طاقات محددة فقط من الضوء (ألوان)، أو يصدرها، بحسب اختلاف مستوياته الطاقية.
كما نميز نوعين من الأطياف لكل مادة، «طيف الامتصاص-Absorbtion spectrum»، و«طيف الانبعاث-Emission spectrum»: [1]

طيف الامتصاص

للحصول على طيف الامتصاص لعينة مادية ما، تُعرّض هذه العينة للضوء المنبعث من مصدر مستقل، ثم يُدرس الضوء المنعكس عن المادة ويحلل حسب أطواله الموجية. حيث تمثل الألوان الظاهرة في الطيف الأطوال الموجية التي لم تناسب طاقتها أيًا من مستويات الذرة، فلم تمتصها. أما الفراغات فتمثل الأطوال الموجية التي ناسبتها، فامتصتها الإلكترونات وانتقلت. [1]
كما يوضح المخطط التالي طيف الامتصاص لعناصر كيميائية مختلفة:

أطياف الامتصاص لعناصر كيميائية
حقوق الصورة: Hubble Space Telescope

طيف الانبعاث

يُحصل على طيف الانبعاث لمادة ما بقياس الضوء المنبعث منها في حالتها الغازية. بحيث يصدر الغاز مرتفع درجة الحرارة ضوءًا أطواله الموجية تمثل الطاقة التي فقدتها إلكترونات المادة عند انتقالها إلى مستوى أخفض. [1]

آلية التحليل الطيفي، كيف نحصل على أطياف المواد؟

يعتمد التحليل الطيفي على أداة تسمى «المطياف-Spectrograph»، تقوم بتحليل طيف الضوء للمواد إلى أطواله الموجية المختلفة، بشكل مشابه للموشور الذي يفصل ضوء الشمس إلى ألوان الطيف.
عادةً ما يلجأ العلماء لتسجيل الطيف المميز لكل مادة، وينشؤون قاعدة بيانات بالأطياف المختلفة. كما يمكن الاعتماد لاحقًا على البيانات السابقة لمعرفة مكونات الأجسام البعيدة عن الأرض، كالنجوم مثلًا، عن طريق مقارنة طيف النجم مع الأطياف الموجودة. [1]

آلية عمل المطياف، أداة التحليل الطيفي

يمكن تمييز ثلاث مراحل أساسية لعمل المطياف:
أولًا، يمر الضوء القادم من التلسكوب عبر فتحة صغيرة في صفيحة معدنية، وذلك لعزل الضوء القادم من جسم فلكي محدد عن محيطه.
ثانيًا يمر الضوء في حجرة يرتد فيها عن حواجز شبكية محددة، تقوم بفصل الضوء إلى أطواله الموجية بطريقة مشابهة للموشور. 
ثالثًا، تقوم المستشعرات، كالمستخدمة في الكاميرات الرقمية، بتسجيل الأطوال الموجية السابقة وتشكيل الصورة النهائية ثنائية الأبعاد. [1]
فيما بعد، يمكن تحويل الصورة ثنائية الأبعاد إلى مخطط أحادي الأبعاد لتسهيل دراسته واستخلاص المعلومات. [3]

مخطط احادي الأبعاد للطيف الضوئي لمجرة حلزونية S7
حقوق الصورة: COSMOS


تطبيقات التحليل الطيفي

عادةً ما يستخدم التحليل الطيفي في الكيمياء التحليلة والفيزيائية لتحديد كميات المواد الموجودة في عينة ما. أما علم الفلك فيعتمد عليها بشكل أكبر لاسيما في تحديد صفات الأجسام الفلكية البعيدة. على سبيل المثال، تفيد دراسة «الخطوط الطيفية-Spectral lines» في التمثيل أحادي الأبعاد للضوء القادم من نجم ما في تحديد مكونات النجم، ودرجة حرارته، وكثافته، ومجاله المغناطيسي.
أما إذا انزاحت الخطوط ذهابًا وإيابًا في الصور المختلفة، أي انزاحت إلى الأحمر تارةً ثم الأزرق تارةً، يستنتج العلماء أن النجم يدور حول نجم آخر اعتمادًا على «تأثير دوبلر-Doppler effect». حيث ينص تأثير دوبلر على أن طيف الأجسام المبتعدة عنا ينزاح نحو الأحمر، فيما ينزاح نحو الأزرق عند اقترابها. كما يمكن التعرف على المواد المحيطة بالثقوب السوداء والنجوم النيوترونية، بما أنها تكون مرتفعة الحرارة وتصدر ضوءًا نتيجة سقوطها في النجم بسرعة. [2]
 
ففي حين تخبرنا صور المجرات عن شكلها، يخبرنا التحليل الطيفي عن ماهيتها.

المصادر:

  1. Hubble Space Telescope
  2. NASA
  3. Swinburne university COSMOS

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء فلك

User Avatar

Mira Naffouj

طالبة ثانوية مهتمة بعلم الفلك والفيزياء الفلكية


عدد مقالات الكاتب : 34
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : Batoul sirees

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق