Ad

هل تتساءل في هذه اللحظة ما الذي يدفعك إلى قراءة هذا المقال؟ وهل سبق لك أن تساءلت ما الذي يدفعك إلى القيام بكل نشاطات حياتك، من أبسطها (كاختيار طعام مثلًا) إلى أكثرها تعقيدًا (كاختيارك لمجال تخصصك مثلًا)؟ إن كل سلوك تقوم به هو في الواقع ناتج عن مجموعة من الدوافع (الحوافز) النفسية والجسدية، وقد عمل الباحثون في علم النفس على تعريف الدافع وتفسيره، وذلك لفهم السلوكيات البشرية. إذن ما هو الدافع (الحافز) في علم النفس؟ وما هي أبرز النظريات التي تفسّر الدوافع وطريقة تفاعلها مع المحيط وتأثيرها على السلوك؟

تعريف الدافع:

الدافع هو كل رغبة أو حاجة تدفعنا باتجاه سلوك معيّن. وقد صنف العلماء الدوافع إجمالًا ضمن خانتين: الدوافع الداخلية (Intrinsic motivation) والدوافع الخارجية (Extrinsic motivation).

الدافع الداخلي هو كل اندفاع ذاتي نحو سلوك معيّن، وغالبًا ما يكون السلوك نفسه مصدرًا للدافع. فالطفل مثلًا يندفع بشكل فطري إلى اللعب، لأن اللعب بحد ذاته ممتع. أما الدافع الخارجي فهو الدافع الذي يصدر من المحيط كنتيجة لسلوك معيّن. وفي هذه الحالة، يكون السلوك وسيلة للحصول على الحافز، فيعمل مثلاً الطفل على ترتيب ألعابه بهدف الحصول على مكافأة معينة.

من ناحية أخرى، تُصنف الدوافع إلى دوافع جسدية (مثل الجوع والعطش والجنس والنوم وغيرها) ودوافع نفسية أو اجتماعية (مثل اللعب والشعور بالإنجاز والاستقلالية).

أبرز النظريات حول الدافع في علم النفس:

1) نظريات الدوافع الغريزية:

تأثر علماء النفس بنظرية التطور الداروينية وحاولوا تفسير السلوك انطلاقًا من الغرائز. و قد كان عالم النفس والفيلسوف الأميركي “ويليام جايمز” من أوائل المساهمين في البحث حول الدافع. افترض جايمز أن السلوك البشري تقوده مجموعة من غرائز البقاء. ويمكن تعريف الغريزة بالسلوك الفطري الذي يولد مع الإنسان دون الحاجة إلى تعلّمه. لكن في عصر جايمز كان تعريف الغريزة غير ثابت، ويختلف من عالم نفس إلى آخر. بحسب جايمز، توجد العشرات من الغرائز مثل غريزة حماية الأم لطفلها وغريزة البحث عن السكر وغريزة الصيد وغيرها… وهي تتحكم بسلوكيات الانسان.

واجهت هذه النظرية كمًّا كبيرًا من النقد نظرًا لدور التلقين والتعلم والتنشئة الاجتماعية في التأثير على السلوك، وقد بدأ إثبات هذا الدور (تحديدًا دولا التعلم ) منذ بداية القرن العشرين.

أما اليوم، فيعتبر علماء النفس التطوري أن فهم الوظيفة التكيفية للسلوك قد يكون مفتاحًا لفهم أصله وتفسيره.

2) نظرية الدافع (Drive theory):

اشتهرت هذه النظرية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، لتفسير الحافز النفسي والسلوك والتعلم. وهي تتمحور حول فكرة الحفاظ على التوازن (Homeostasis)، فجسدنا مثلًا قادر على الحفاظ على توازن في حرارته من خلال عدد من الآليات التي تُفعل عند حدوث أي خلل في الحرارة (فترتجف العضلات في البرد، ويزيد التعرق في الحر).

كذلك، تعبر نظرية الدافع أن سلوكنا يهدف إلى الحفاظ على التوازن الجسدي والنفسي، وأن الدافع يولد عند وجود أي خلل في هذا التوازن، أي عند عدم تلبية أيٍّ من الحاجات الجسدية أو النفسية.

3) نظرية الحافز الإيجابي:

في حين ترتكز نظرية الدافع حول الدوافع الداخلية، تعتبر نظرية الحافز الإيجابي أن سلوكنا يتأثر بشكل أساسي بالحوافز الخارجية، فنبحث من خلال سلوكنا على مكافأة أو تجنب العقاب أو المشكلة. كما استندت هذه النظرية عل عدد من الدراسات التي بينت تكرار السلوكيات بشكل أكبر عند وجود مكافأة.

لكن النظرية لا تلغي دور الدافع الداخلي، بل تعيره دورًا غير مباشر في تحديد السلوك. ويعتبر عالم النفس “بول توماس يونغ” أن حالة الفرد النفسية والشعورية تؤثر في مدى تأثره بالحوافز الخارجية.

4) نظرية الإثارة للتحفيز:

بعكس نظرية الدافع التي تعتبر أن الدافع إلى السلوك هو العودة إلى التوازن، تعتبر نظرية الإثارة أن الإنسان يمكن أن يندفع لسلوك معين بهدف الحفاظ على المستوى الأمثل من الإثارة. الاستثارة ضرورة لازمة من أجل الانجاز، ونعطي مثالًا على ذلك فضولك الذي دفعك إلى قراءة هذا المقال.

وفقًا لنظرية الإثارة للتحفيز، يتمتع كل شخص بحد من الإثارة يكون الأمثل من أجل التحفيز والإنجاز. إذا انخفض مستوى الإثارة (شعرت بالنعس أو الضجر خلال الامتحان مثلًا)، ستنخفض إنتاجيتك. والعكس صحيح أيضًا، إذ أن ارتفاع الاثارة بحد كبير فوق مستواها الأمثل (شعرت بتوتر شديد خلال الامتحان) يؤثر سلبًا على إنتاجيتك.

5) النظرية الإنسانية : هرم ماسلو

بحسب ماسلو ، إن الحاجات الإنسانية هي التي تدفع بنا إلى سلوكياتنا. وقد صنف هذه الحاجات إلى خمس مستويات رئيسة بشكل هرمي وهي:

  • الأول : الحاجات الفيزيولوجية كالتنفس والغذاء والماء والإخراج والنوم والجماع.
  • الثاني: حاجات الأمان كالسلامة الجسدية والأمان الأسري والصحي والوظيفي
  • الثالث: الحاجات الاجتماعية كالصداقة والعلاقات الحميمة والأسرية
  • الرابع: الحاجة للتقدير (المكانة والثقة والشعور بالإنجاز)
  • الخامس: تحقيق الذات (تحقيق الإنجازات والأنشطة الإبداعية

ختامًا، لا يمكن اختصار فهمنا للسلوكيات البشرية ودوافعها من خلال نظرية واحدة، إذ إن الأكيد هو تداخل الدوافع الخارجية والداخلية مع عوامل أخرى بطريقة معقّدة يجعل كل منا يتصرف بطريقة فريدة، وله خياراته الخاصة. وقد يكون علم النفس بكافة تفرعاته، ما زال عاجزًا عن فهم شامل لحوافز سلوكنا.

المصادر:

edx

openstax.org

Positivepsychology.com

Researchgate.com

Psychologynoteshq

إقرأ أيضًا: إدراك الزمن: كيف يخدعنا في إدراك الوقت

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم نفس

User Avatar

Riham Hamadeh


عدد مقالات الكاتب : 49
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق