Ad

على مدى عقود يدرس العلماء ارتباط الجينات بالسلوكيات المختلفة. ولا يزال هناك عديد من التساؤلات حول ارتباط الجينات بهذه السلوكيات وحول تأثير البيئة والظروف المختلفة التي يتعرض لها الفرد على تحفيز هذه الجينات ليظهر السلوك. فكما ذكرنا مسبقاً في حديثنا عن الجينات الأنانية وكيف يفسر بعض العلماء سلوكيات مثل التضحية والإيثار في ضؤئها. فإن جين المحارب والجينات المماثلة له يُرجح العلماء أن تكون شديدة الارتباط بسلوك العنف لدى كثير من البشر.

جين المحارب

تلعب السيالات العصبية على سبيل المثال: الدوبامين والسيروتونين والنورأدرينالين دوراً محورياًً في التأثير على الحالة المزاجية للإنسان وقدرته على التعلم والتذكر ومشاعره تجاه من حوله.
يتم التحكم في مستويات هذه السيالات العصبية عن طريق إنزيم أوكسيداز أُحادي الأمين-أ (ماو-أ) Monoamine oxidase-A (MAO) والذي يقوم بتكسير هذه السيالات عند زيادتها عن الحد المعتدل. ويعتبر جين ماو-أ هو الجين الأساسي المسئول عن وظيفة إنزيم ماو-أ. ويقع هذا الجين على الكروموسوم الأنثوي إكس X Chromosome. ولكن تحوراً من هذا الجين يكون منخفض النشاط. من ثم لا ينتج الإنزيم بكميات كافية. وقد لوحظ أن حمل هذه النسخة منخفضة النشاط مرتبط بزيادة احتمال العنف او الجرأة على المخاطرة. يشار إلى هذا الجين المتحور بجين المحارب. [2]

إنزيم ماو-أ ينظم مستويات السيالات العصبية في الجسم. [3]
صورة لمحارب ساموراي ياباني.
يشار إلى تحور جين ماو-أ ذو النشاط المنخفض بجين المحارب. [4]

الرابط بين العنف وجين المحارب في الدراسات العلمية

ارتباط جين المحارب ومستويات انزيم ماو-أ المنخفضة بالسلوك العنيف في البشر

في عام 1990 ميلادية ربطت دراسة بين قلة مستويات إنزيم ماو-أ والقيام بسلوكيات مضادة للمجتمع. خصوصاً لدى الأشخاص الذين تعرضوا لضغوطات وظروف صعبة في طفولتهم. [2] بينما في عام 1993 قام باحثون بتتبع جين المحارب في عائلة هولندية مشهورة بأفراد ذوي سلوك عدواني وتأخر في القدرات العقلية. وقد لاحظوا انتشار الجين بين ذكور العائلة. ومن هذه الدراسة تم اكتشاف أن هذا التحور من جين المحارب مسئول عن السلوك العنيف لدى المصابي بمتلازمة برونر Brunner Syndrome.
[5]

كذلك أُجريت في 2008 دراسة في الولايات المتحدة على أطفال في سن من 7 وحتى 12 سنة. وقد وجدت هذه الدراسة أن الأطفال الذين يمتلكون نسخة من جين ماو-أ ينتج عنها قلة إنتاج الإنزيم يكونون أكثر عدائية وعنف من أقرانهم الذين يمتلكون نسخة نتنج الإنزيم بكميات كافية. لكن ذلك يرتبط بأن يكون الطفل تعرض لظروف معيشية صعبة. تشمل على سبيل المثال: المشاكل الأسرية، قلة الأصدقاء بالمدرسة والرسوب في الامتحانات. [2]

صورة تظهر طفل عنيف يهُم بضرب طفل آخر. حسسث وجد العلماء أن العنف يتكون لدى الشخص الحامل لجين المحارب بعد التعرض لتجارب قاسية.
لاحظت بعض الدراسات انتشار جين المحارب لدى الأطفال العدوانيين. [6]

بدا من دراسة أجراها باحثون على مجرمين في فنلندا وجود علاقة بين جين المحارب وارتكاب جرائم القتل. كما لاحظوا أن احتمال ارتكاب تلك الجرائم عند هؤلاء الأشخاص يزداد عندما يتعاطوا مواد مثل الكحول والأمفيتامينات. حيث تتسبب تلك المواد في زيادة الدوبامين ومن ثم يؤدي وجود جين المحارب إلى ضعف قدرة الجسم على تكسيره. لذلك ربما يكون ذلك سبب زيادة احتمالية ارتكاب هؤلاء الأشخاص تلك الجرائم. كما تمكنوا من اكتشاف جين آخر يرتبط بالعنف هو سي دي إتش 13 CDH13.
[7]

صورة رجل يمسك سكيناً ويبدو أنه يقتل أحد ما.
يبدو أن جين المحارب منتشراً بين المجرمين الخطرين. [8]

التجارب على الفئران تعضد الربط بين جين المحارب والعنف

كذلك فإن الدراسات المجراة على الفئران والتي تم تعديلها جينياً بحيث تم تعطيل جين ماو-أ بها كانت عدائية وغير اجتماعية. بينما أظهرت الفئران التي تم تعطيل الجين فيها جزئياً نشاطاً اجتماعياً أقل وإن كانت لم تظهر سلوكاً عنيفاً متزايداً كما في حالة التعطيل الكلي للجين. [5]

صورة لفئرين يتعاركان. حيث وجد العلماء ارتباط بين جين المحارب والعنف في دراسات على الفئران.
يؤدي غياب وظيفة ماو-أ إلى سلوكيات عدوانية في فئران التجارب. [9]

تأثير جين المحارب يظهر في تصويرالمخ بالأشعة

على صعيد آخر وجدت دراسة أن تأثير امتلاك نسخة من جين المحارب تظهر جلية على تركيب المخ. حيث أن الترابط بين المناطق المسئولة عن التحكم بالعواطف أظهر نمطاً مختلفاً عن الطبيعي. [5]

هل جين المحارب مسئول وحده عن العنف؟

تميل معظم الأبحاث المنشورة في هذا المجال إلى أن كون الشخص يحمل جين المحارب لا يكفي لكوّن الشخص سلوكاً معادياً للمجتمع وعنيفاً. وإنما ترى أنه ينبغي أن يصاحب ذلك تأثير من البيئة المحيطة. حيث وجدت دراسة أن احتمال تكوين شخصية عنيفة يزداد في حال تعرض الأطفال الذكور الحاملين لجين المحارب في طفولتهم لمعاملة أو ظروف سيئة. [10]

صورة لطفل يبدو حزيناً وتظهر أمامه قبضة والده ويبدو أنه سيهُم بضربه.
تميل العديد من الدراسات إلى أن الظروف التي ينشأ فيها الفرد قد تبرز أثر جين المحارب ومن ثم لا ترى ان حمله كافٍ وحده لتوليد سلوك عنيف. [11]

جينات أخرى مرتبطة بالعنف

في حقيقة الأمر تم رصد أكثر من جين يزيد حمل أشكال متحورة منها احتمالية تكوين شخصية عدائية وعنيفة. على سبيل المثال:

  1. جين دات1 DAT1 gene:
    هذا الجين مسئول عن تكوين ناقل للدوبامين يقوم بتعطيله ومن ثم السيطرة على كمياته وتأثيراته حتى لا تزيد عن الحد. [2]
  2. جين دي آر دي2 DRD2 gene:
    هذا الجين مسئول عن تكوين المستقبلات التي يرتبط بها الدوبامين. من ثم تساهم في تحفيز مركز المكافآت بالمخ. وقد وجد العلماء أن بعض تحورات هذا الجين قد تتسبب في زياة احتمالية تكوين شخصية عدوانية. ليس هذا فحسب، بل وجدوا أيضا أنها قد تزيد من احتمالية أن يكون الشخص مدمناً. [2، 12]
  3. جين مستقبل الأندروجن Androgen receptor gene:
    وجد العلماء تحورات لهذا الجين تتسبب في زيادة احتمالية أن يكون الشخص عنيفاً. [2]

ايجابيات دراسة جين المحارب وغيره من الجينات المرتبطة بالسلوك العنيف

  1. زيادة فهمنا لتأثير البيئة والظروف والتنشئة على تطور السلوك العنيف لدى حاملي هذه الجينات.
  2. تطوير أدوات فحص جينية قد تساعدنا في تشخيص الحالات التي تحمل الجينات المسئولة عن العنف.
  3. تطوير علاجات تساعد من يحملون تلك الجينات على السيطرة على السوك العنيف وتحسين قدراتهم الاجتماعية. [5]

تبعات اجتماعية لربط جين المحارب بالعنف

التأثير على أحكام القضاء

يرى البعض أن هذا الربط قد يستخدم كذريعة لتخفيف الأحكام على المجرمين. أو زيادة فترة حجزهم لتقليل خطرهم. حيث أجرى باحثون دراسة على 181 قاضٍ بالولايات المتحدة. عرضوا فيها على القضاة قضايا مختلفة تم فيها تقديم طلب بتخفيف الحكم على المجرم بحجة أنه يحمل جين المحارب. وكانت النتيجة أنه بشكل عام أدى عرض الدليل البيولوجي بالقضاة إلى تخفيف العقوبة. [13]