Ad

شهدت الفترة العباسية حقبة مهمة في التاريخ الإسلامي، امتدت من القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر الميلادي. وكان العباسيون ثاني سلالة تحكم العالم الإسلامي بعد الأمويين. وقد شهد العالم الإسلامي في هذه الفترة تقدمًا كبيرًا في العلوم والفنون والأدب والعمارة. اشتهر العباسيون برعايتهم للفنون، مما أدى إلى تطوير أسلوب معماري إسلامي فريد [1]. سيستكشف هذا المقال الإنجازات المعمارية التي تمّ إنجازها في عهد الدولة العباسية.

الشكل 1: الدولة العباسية في أقصى امتدادٍ لها

المدن العباسية

مدينة بغداد الدائرية

تم بناء مدينة بغداد الدائرية، والمعروفة أيضًا باسم مدينة السلام ، في 762 من قبل الخليفة العباسي المنصور [1]. واكتمل بناؤها في عام 766م [5]. كانت المدينة الدائرية من روائع العمارة والهندسة الإسلامية ، حيث جمعت بين مبادئ التصميم الإسلامية التقليدية والتقنيات المبتكرة [2].

الشكل 2: رسم تخيّلي يُظهِر مدينة بغداد الدائرية

كانت مدينة بغداد الدائرية ذات قطر يساوي 2 كم تقريباً [5]. محاطة بسور ضخم تتخلله أربع بوابات تواجه الاتجاهات الرئيسية ، مزينة بأنماط هندسية معقدة ونقوش قرآنية [1]. وكانت الشوارع تؤدي من البوابات الأربعة إلى المناطق المركزية بينما تتركز أماكن المعيشة والمحلات التجارية في حلقة بين الجدار الخارجي للمدينة الذي كان محاطًا بخندق عميق وجدار دائري محصن ثانٍ [4].

وكان من أبرز سمات المدينة نظام توزيع المياه، والذي كان ضروريًا لبقاء المدينة في المناخ الجاف لبلاد الرافدين [2]. حيث قام مهندسو المدينة ببناء شبكة واسعة من القنوات لجمع وتوزيع المياه في جميع أنحاء المدينة. كما أنشؤوا نظامًا من الأنفاق الجوفية التي سمحت بالنقل الفعال للمياه من نهر دجلة إلى ينابيع المدينة وحدائقها [3].

مدينة سامرّاء العباسية

تأسست مدينة سامراء عام 836 م على يد الخليفة العباسي المعتصم بالله كمعسكر لحماية الخلافة من التهديد المتزايد لسلالة الطاهريين في الشرق [6]. ومع ذلك ، سرعان ما تطورت لتصبح مدينة رئيسية ، وقد وصل عدد سكانها إلى 600000 نسمة في ذروة ازدهارها [7]. تميّزت المدينة بمخطط شطرنجي ذي شوارع متعامدة، وبأحياء سكنية منظمة حول الأفنية المركزية والمساجد [8]. وتتميز العمارة في مدينة سامراء باستخدامها القرميد والجص ، والتي كانت تستخدم لإنشاء أنماط هندسية تزيينية معقدة. [6]

الشكل 3: صورة جوية لمدينة سامراء تعود لمطلع القرن العشرين ويظهر في مقدمة الصورة جامع سامراء الكبير ومئذنته

جامع سامرّاء الكبير

أحد أشهر الجوامع العباسية، أمر ببنائه الخليفة العباسي المتوكل عند توليه للحكم [9] وبدأ بناءه عام 848 م واكتمل عام 851 م بمساحة 38000 متر مربع تقريباً [1]. بُني المسجد في موقع قصر سابق دُمِّر إبان الحرب الأهلية التي ميزت نهاية عهد الخليفة السابق الواثق [10].

وتقع على المحور الوسطي للجامع وخارج حرمه برج حلزوني يعرف باسم (الملويّة) أو المئذنة الملتوية، بارتفاع 52 متراً، وبقطر 33 متراً عند القاعدة. وتقع على بعد 27 متراً تقريباً من الجدار الشمالي وتتصل بالجامع بواسطة جسر.

تم بناء هذه المئذنة التي تميّز مدينة سامرّاء باستخدام الحجر الرملي، وما يجعلها فريدة من نوعها هو تصميمها الحلزوني المخروطي. ويرتفع البرج الحلزوني على القاعدة المزودة بمنحدر (رامب) يبدأ عند مركز الجهة الجنوبية ويدور حوله بعكس اتجاه عقارب الساعة. وبعد خمس دورات كاملة، يصل المنحدر إلى القمة وينتهي عند الحنية الجنوبية لطابق أسطواني الشكل. ثم يقود درج شديد الانحدار إلى المنصة، بارتفاع 50 متر بالضبط فوق القاعدة. [9]

الشكل 4: جامع سامرّاء الكبير

جامع أبي دُلف

يقع جامع أبي دُلف حوالي 15 كيلومتراً شمال مدينة سامراء في قلب الصحراء، ويحمل مئذنة مشابهة لمئذنة سامراء الملتوية بتصميم حلزوني مشابه [9].

تم بناء المسجد في القرن التاسع وسمي على اسم أبي دُلَف؛ المحارب العربي الذي تم دفنه في باحة المسجد [10]. وهو مستطيل الشكل بأبعادٍ تساوي حوالي 30 × 20 مترًا ، ويتميز بقبة مركزية كبيرة محاطة بقباب أصغر وفناء (صحن) مربع [11]، وعلى الرغم من تشابه مئذنة جامع أبي دُلّف مع مئذنة جامع سامراء الكبير بشكلها الحلزوني، إلا أن مئذنة هذا الجامع ليست نسخة مطابقة لمئذنة جامع سامراء. فمئذنة أبي دلف أصغر حجماً بثلاث دورات فقط يدورها المنحدر حتى يصل إلى القمة مقارنةً بالدورات الخمس التي يدورها مثيله في مئذنة جامع سامراء. [9]

الشكل 5: مئذنة جامع أبي دُلف

مدينة الرّافقة

في عام 772 م، أمر الخليفة العباسي المنصور ببناء مدينة جديدة تسمى الرافقة بالقرب من الرقّة، وقد كلف ابنه وخليفته المهدي (حكم في الفترة الممتدة بين عاميّ 775-785 م) بالإشراف على بنائها. نُفِّذت الإضافات اللاحقة، مثل الجدار الخارجي ، تحت حكم ابن المهدي، هارون الرشيد (حكم في الفترة 170-93 / 786-809). كان المكان بمثابة مدينة حامية على الحدود مع الإمبراطورية البيزنطية لحماية الأراضي العباسية. كما أنها كانت تقع على مفترق طرق مهمة للقوافل عند التقاء نهر الفرات مع نهر الخابور [12].

يحمل مخطط المدينة تشابهاً طفيفاً مع مخطط مدينة بغداد العباسية، لكنه يتخذ شكل حدوة حصان مع وجود ضلع مستقيم في الجانب الغربي من المدينة [13]. ويبلغ قطر سور المدينة المحيط بالرفقة حوالي 1300 م. ويبلغ طول هذا الجدار الضخم 5000 متر تقريبًا ، ويحصر بداخله مساحةً تساوي 1.47 كيلومترًا مربعًا [12].

الشكل 6: مخطط مدينة الرافقة [12]

وكان من أهمّ الإنجازات المعمارية في عهد الدولة العباسية هو ترميم المسجد الأقصى الشريف

ترميم المسجد الأقصى

خضع المسجد الأقصى في القدس لعملية تجديد وإعادة بناء كبيرة، حيث تولى العباسيون، الذين أرادوا تأكيد سلطتهم على المقدسات الإسلامية، مهمة إعادة بناء المسجد. وقد تضمن المشروع توسيع قاعة الصلاة بالمسجد وإضافة معالم معمارية جديدة، مثل مدخل ضخم وقبة. تضمنت إعادة البناء أيضًا عناصر من الطراز المعماري العباسي، مثل استخدام الجص الزخرفي والتصميمات الهندسية المعقدة. لم تكن إعادة بناء المسجد الأقصى خلال الفترة العباسية رمزًا دينيًا وثقافيًا فحسب، بل كانت أيضًا دليلًا على التزام العباسيين بالعمارة الإسلامية ورغبتهم في ترك بصماتهم على العالم الإسلامي [14].

قصر الأُخَيضِر

أحد أروع أمثلة العمارة العبّاسية، تمّ بناؤه خلال منتصف القرن الثامن الميلادي في صحراء العراق حالياً. القصر عبارة عن قلعة مستطيلة الشكل مع أبراج في كل زاوية وفناء مركزي كبير [1] يعدّ بمثابة النقطة المحوريّة للقصر [14] . تم بناء جدران القصر من القرميد المصنوع من الطين المشوي وتمّ تزيينها بتصميمات جصية متقنة وأنماط هندسية، والتي تميز الطراز المعماري العباسي. تضمن تصميم القصر أيضًا العديد من الميزات الوظيفية، مثل نظام المياه المتطور . كان موقع القصر في المنطقة الصحراوية في العراق استراتيجيًا، حيث كان بمثابة محطة طريق للمسافرين والحجاج. اليوم، يقف قصر الأخيضر كدليل على الإنجازات المعمارية للعباسيين وقدرتهم على خلق